الناخبون الكبار
زكرياء بن الحسين
كثير من الأنظمة الانتخابية تعرف ما يسمى: كبار الناخبين. في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يستعمل لفظ «كبار الناخبين» للإشارة إلى ممثلي الولايات الخمسين، والذين يكون عددهم في كل ولاية حسب عدد أعضاء تلك الولاية في الكونغرس. هؤلاء هم الذين يصوتون لاختيار رئيس البلاد، وهذا نوع من التمثيل غير المباشر. فالرئيس الأمريكي لا ينتخب بشكل مباشر بأصوات المواطنين الأمريكيين.
في النظام الانتخابي بالمغرب دخل مفهوم «الناخبين الكبار»، ليشير إلى الناخبين الذين يختارون رؤساء الجهات. وطبعا، ليس المواطن من يصوت في انتخابات الناخبين الكبار. فالمواطن تكون مهمته انتهت بعدما أدلى بصوته في المرة الأولى، إذ مهمة الناخبين الكبار تبدأ بعد أن تفرز الأصوات وتظهر نتائج الانتخابات الجماعية، وتبدأ مرحلة المفاوضات بين الأحزاب الفائزة والخاسرة على السواء، والسعي إلى التحالفات لتسيير المدن والجهات. آنذاك يكون الناخبون الكبار هم من يحددون رؤساء الجهات.
في ممارسة سياسية سليمة وواضحة، تكون المفاوضات بين الأحزاب السياسية معقلنة وقريبة جدا مما يريده الناخب الذي يعرف لم اختار حزبا دون غيره، بحيث تكون، أي المفاوضات، بين الأحزاب التي تقترب من بعضها على المستوى الفكري والسياسي، كي يمثل كل حزب امتدادا لحزب آخر فاوضه وتحالف معه. وفي هذا احترام لاختيارات الناخب، كما أنه سيساعد كل حزب على تنزيل برنامجه بمعية برامج الأحزاب المتحالفة معه، طالما أن التقارب بين مكونات وعناصر البرامج سيكون حاضرا بالضرورة. ومبدئيا، التصويت في الانتخابات الجماعية يعني اختيار من نريده أن يدبر شؤوننا المحلية، على مستوى الجماعات، ويعني أيضا، وبصفة غير مباشرة، من يمثلنا على مستوى المقاطعات والمدن والجهات. فالناخب عادة يختار لونا سياسيا يدبر شؤونه على كل المستويات. والحال هكذا، ينبغي أن تكون كل مراحل التصويت منسجمة مع بعضها، بحيث تأتي نتائج انتخابات رؤساء المدن والجهات عاكسة لإرادة الناخب، التي عبر عنها في الاقتراع المباشر. فهو اختار من يدبر شأنه المحلي، وتلقائيا اختار من ينوب عنه في تحديد من يترأس المدينة أو الجهة.
الأمر هنا يتطلب أساسا أخلاقيا لدى الناخب الكبير ومن خلفه الهيئة السياسية التي ينتمي إليها وترشح تحت شعارها. فالأمانة تقتضي أن الناخبين الكبار، وهم يختارون الرؤساء، يضعون بين أعينهم لماذا اختارهم الناخب، وما الذي ينتظره منهم.
في الانتخابات الماضية كان السلوك الانتخابي للناخبين الكبار أهم تجل من تجليات لاعقلانية التصويت، والتي تخفي وراءها لاعقلانية العلاقات السياسية، سواء بين الأحزاب أو بين الأحزاب والمواطن، إذ ليس سلوك الناخبين الكبار سوى انعكاس لسلوك الأحزاب، التي صار إطار حركتها غامضا جدا لا ضوابط له.
مثلا عرفت الفترة ما قبل الانتخابات السابقة صراعا كلاميا كبيرا بين العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، تجاوز منطق السياسة في كثير من الحالات، وبعد الانتخابات التي أعطت فوز العدالة والتنمية بالرتبة الأولى، بدأت المفاوضات التي أنتجت اتفاقا بين الحزبين، بحيث حصل مصطفى البكوري، عن حزب الأصالة والمعاصرة، على رئاسة جهة الدار البيضاء سطات، مقابل التخلي عن المقاطعات لفائدة حزب العدالة والتنمية، مع أن البكوري فشل حتى في الانتخابات المحلية.
كيف سيكون موقف الناخب الذي لم يكن يريد حزب الأصالة والمعاصرة أن يسير جماعته، فإذا به يجده يسير جهته؟
ما حدث في جهة الدار البيضاء سطات، وحتما حدث مثله في غيرها، يعطي مصداقية لموقف كثير من المواطنين الذي لا يثقون في التزام الأحزاب بالتوجهات التي على أساسها يختارونها، أي الأحزاب، ويرون أن الأحزاب لا تختلف عن بعضها، كما يعطي مصداقية للمقولة المشهورة إن في السياسة مصالح دائمة لا صداقات أو عداوات دائمة.