يونس جنوحي
أغلب دول العالم قاسمتنا في المغرب فرحة تأهل المنتخب الوطني إلى ربع نهائي كأس العالم لكرة القدم. بل لا توجد دولة لم تُشر صحافتها إلى الإنجاز المغربي، ولم تنقل صور الفرح العارم في الملعب وفي الشوارع المغربية.
حتى الإخوة الجزائريون احتفلوا بتأهل المنتخب المغربي، باستثناء إعلامهم الرسمي المغلوب على أمره، والذي قدم الخبر في نشرة الأخبار الرئيسية، مبنيا للمجهول، على طريقة دروس اللغة العربية للمبتدئين، حيث تناول الخبر إقصاء إسبانيا المفاجئ من منافسات كأس العالم، ولم يُشر أبدا إلى الفريق الذي كان وراء الإنجاز، وترك للجزائريين حرية فهم الخبر. في الأخير هناك أشياء غير مسموح بقولها علنا في معسكر شنقريحة!
الإسبان أنفسهم هنؤوا المغاربة على الفوز، وهناك من شارك الجالية المغربية في مدن إسبانيا فرحة التأهل، واعترف بمدى براعة لاعبي المنتخب المغربي واستحقاقهم للفوز. بينما وجد اليمين فرصة أخرى لكي يروج للمقولات العنصرية، بعد أن سبق لصحيفة يمينية أن وصفت المنتخب المغربي بمنتخب الأمم المتحدة، في حين أن المنتخب المغربي كان صراحة منتخب «الأمة» المتحدة. إذ إن اللاعبين يتحدرون من كل جهات المغرب ويمثلون المغرب المنسي، وحملوا مشاكل المهاجرين وعانوا من شظف العيش وصعوبات الاندماج في دول المهجر هم وأسرهم البسيطة، التي هاجرت بحثا عن مستوى معيشي أفضل في دول الإقامة.
فرحة تأهل المنتخب الوطني التي سرت في شوارع المغرب منذ يوم الثلاثاء الماضي ليلا، واستمرت إلى حدود كتابة هذه الأسطر ولا تزال، تعكس مدى حاجة المغاربة إلى الفرح الرياضي. إذ إن منافسات كأس العالم لكرة القدم لا تشبه أبدا أي منافسات أخرى، في أي مجال رياضي آخر.
هذه أول مرة يصل فيها منتخب عربي ومسلم إلى الدور الحاسم، الذي لا تصل إليه إلا المنتخبات القوية. ولعل لحظة رفع لاعبي المنتخب المغربي للعلم الفلسطيني كانت حافلة بالأحاسيس المتضاربة، التي تعكس تمسك المغاربة بالقضية الفلسطينية، بعد موجة التخوين التي نالت أخيرا من المغرب. ليتضح في الأخير أن البلد الوحيد الذي قدم الدعم الفعلي والمادي للفلسطينيين هو المغرب، وليس الجزائر التي ركبت سياسيا على الموضوع، رغم أنها لم تقدم أي شيء إطلاقا للقضية، ونرى كيف يمارس حكام الظل فيها سياسة الصمت، بعد التطورات الأخيرة. إذ إن الجزائر إلى الآن لم تندد بموجة الاعتقالات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، بينما كان المغرب سباقا إلى التنديد بها.
لم يسبق أبدا أن كانت كرة القدم بعيدة عن السياسة، بل يصفها الحكماء بأنها الباحة الأمامية، التي تحاول الشعوب التركيز عليها لنقل رسائلها السياسية إلى العالم.
احتفال المغاربة في المدن الصحراوية ورفعهم للأعلام الوطنية بالآلاف، كان ضربة موجعة للانفصاليين الذين لا يوجدون أساسا في الصحراء. ودعوا من تندوف، يا للمفارقة، إلى عدم متابعة حسابات مؤثرات مغربيات في الصحراء المغربية عبرن عن فرحتهن بتأهل المنتخب الوطني إلى ربع نهائي كأس العالم.
لماذا لم يظهر أي وجود للانفصاليين في الصحراء، أثناء الاحتفالات؟ لأنهم لا يوجدون أساسا فوق التراب المغربي، بل في مخيمات تندوف، وأغلبهم مغلوبون على أمرهم ولا ينفذون سوى التعليمات التي تأتي إليهم من الجزائر.
في إسبانيا، ساعات قبل المباراة الحاسمة، كان هناك تيار إسباني يحظى بشعبية كبيرة على امتداد سنوات، تمنى هزيمة المنتخب الإسباني لدواع سياسية، خصوصا وأن تشكيكا في وطنية بعض اللاعبين، ودعمهم لانفصال جنوب إسبانيا ودعم الحركات الانفصالية، وجدت فيه الصحف مادة دسمة. أما على أرضية الملعب فقد كان أداء المنتخب الوطني ندا قويا للمنتخب الإسباني، الذي كان أبرز مرشح لإحراز اللقب. ولقن المغاربة العالم كله درسا معناه، أن المستحيل لا يمكن أن يكون مغربيا أبدا.