عرفت وزارة التعليم العالي زلزالا حقيقيا منذ تعيين عبد اللطيف الميراوي، فبعد سلسلة الإعفاءات التي تعرض لها العديد من المسؤولين المركزيين النافذين، عمد الوزير، أيضا، إلى تجميد مشاريع إحداث عدد من الكليات والمراكز الجامعية التي تقرر إحداثها في عهد الحكومة السابقة بشراكة مع الجماعات الترابية، وكان الوزير السابق، سعيد أمزازي، حريصا شخصيا على إنجاح هذا المشروع. قرار التجميد هذا من شأنه أن يسبب إحراجا كبيرا للحكومة مع المنتخبين، الذين يعولون على المؤسسات الجامعية لتقريب خدمات التعليم العالي من شباب مدنهم الصغيرة.
إلغاء الكليات بعد إلغاء الباشلر
تصفية تركة أم تطبيق لتوصيات المجلس الأعلى؟ هذان هما الاحتمالان اللذان يتداولهما كل المنتسبين لقطاع التعليم العالي، سواء داخل أروقة الإدارة المركزية للوزارة أو داخل الجامعات. فبعد إلغاء العمل بمشروع الباشلر أسابيع فقط بعد تعيينه خلفا لسعيد أمزازي، بمبرر أن الخلل يوجد في تطبيق النظام البيداغوجي المعمول به منذ ربع قرن وليس في النظام نفسه، عمد عبد اللطيف الميراوي إلى تجميد مشاريع إحداث مراكز جامعية وهي كليات متعددة التخصصات أشرف الوزير السابق على تدشينها بعد التوقيع على اتفاقيات بشأنها مع المجالس المحلية.
تساؤلات كثيرة يطرحها المهتمون بالتعليم العالي بخصوص مبررات هذه القرارات الجذرية التي أصدرها الميراوي. ومنها تساؤلات تصب في خانة ما أسماه بعض المتتبعين «تصفية الحسابات الخاصة».
حملة الاعفاءات هذه شملت أربعة مسؤولين مركزيين، على رأسهم المفتش العام للوزارة، حيث تشير المصادر، في هذا السياق، إلى أن ثلاثة مسؤولين مركزيين ورؤساء جامعات تم إخبارهم بعدم الحاجة إليهم في المرحلة المقبلة، وهو ما يعني أن الوزير ينتظر استقالتهم قبل إصدار قرار إعفائهم.
آخرون ربطوا هذه القرارات بجملة التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول قطاع التعليم العالي، وتضمنت انتقادات وصفت بـ«اللاذعة» لعدد من المشاريع التي تبناها الوزيران السابقان «خالد الصمدي» و«سعيد أمزازي»، وعلى رأسها قيامه بتجميد مشاريع إحداث عدد من الكليات إلى حين الانتهاء من تنظيم المناظرات الجهوية لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، لإرساء نموذج جديد للجامعة المغربية.
هذه التقارير التي كان الميراوي رئيسا للجان التي صاغتها، اعتبرت تجربة كليات متعددة التخصصات تجربة فاشلة من حيث قدرتها على قيادة التنمية في المدن التي دشنت فيها، معتبرا إياها مجرد «ثانويات للكبار»، فضلا عن أن شروط البحث العلمي فيها غير ممكنة بحكم بنياتها التربوية والتدبيرية. لذلك يربط كثيرون بين مهام الميراوي في مجلس عمر عزيمان والقرارات التي اتخذها بخصوص إلغاء الكليات متعددة التخصصات، والتي كانت طيلة سنوات موضوع مطالب رفعتها المجالس الجهوية والإقليمية المنتخبة، وأسفرت عن تدشين العديد منها في مدن سيدي قاسم وتاونات وخنيفرة والسمارة والعرائش والخميسات وغيرها من المدن الصغرى والمتوسطة.
تقارير المجلس الأعلى
هذه القرارات لم تلق ترحيبا من طرف المجالس المحلية، التي سارع ممثلوها إلى مراسلة الحكومة، عبر المسارات الحزبية بغية ثني الميراوي عن قراره.
اعتماد الوزير الحالي على قرارات المجلس الأعلى لتصفية تركة الوزير السابق، كانت منطلقا لتصفية مشروع الباشلر. حيث اعتبرت اللجنة التي ترأسها الميراوي حينها أن «إضافة سلك جديد ومواز لا تضمن تحقيق أهداف جودة التكوين بمؤسسات الولوج المفتوح، موضحا أن التجارب الوطنية السابقة المتعلقة بالإجازة التطبيقية والإجازة المهنية، أبانت عن عدم نجاعة تنظيم مواز يستقبل عددا محدودا من الطلبة ويتطلب موارد مادية وبشرية مهمة، غالبا ما تتم تعبئتها على حساب المسالك التي تستقطب الأعداد الكبيرة من الطلبة في نفس المؤسسة.»
ولفت المجلس إلى أن عدم تعميم سلك البكالوريوس واعتماد سلكين متوازيين بمؤسسات الولوج المفتوح، سيحدث اضطرابا تدبيريا بهذه المؤسسات، لا سيما في ظل الإكراهات الحالية المتعلقة بالقدرات والموارد المتوفرة. وانتقد المجلس، في رأيه، عدم تقديم أي بيانات حول التكلفة المادية التي ستترتب عن السنة الإضافية لسلك البكالوريوس من حيث الموارد البشرية والمالية، وما سيحققه هذا المجهود المادي في تحسين مستوى نجاعة المنظومة.
كما انتقد المجلس «عدم بروز البعد المهني للسلك»، حيث يسجل مشروع المرسوم، بحسب رأي المجلس، «غياب الإشارة إلى هدف الإعداد للاندماج المهني بعد سلك البكالوريوس، وغياب وحدات ممهننة في الهيلكة البيداغوجية للمسالك، فضلا عن عدم وضوح التصور الذي سيعتمد لتنويع العرض التكويني لمؤسسات الاستقطاب المفتوح وملاءمته مع الحاجيات التنموية».