المهنة.. مراقب كوروني
حسن البصري
كانت مصر سباقة لإخضاع مجموعة من الأطر الصحية الشابة لتكوين استعجالي في مجال الطب الوبائي، في أفق تعيينهم مراقبين خلال مباريات الدوري المصري عند استئنافه، حيث سيعهد إليهم بقياس مدى تنفيذ الإجراءات الاحترازية وتتبع تنزيل البروتوكول الصحي المعتمد من طرف اتحاد الكرة.
سيقوم المراقب بتدوين كافة الأخطاء في حال عدم احترام الإجراءات، من طرف اللاعب أو المدرب أو الحكم أو النادي، وعلى ضوء الملاحظات الواردة في تقريره يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفريق المخالف. ولأن في طي نقمة كورونا نعمة، فإن انتداب مراقبين سيفتح باب الشغل أمام عشرات الأطر الطبية العاطلة في مصر، وسيمكنهم من كسب لقمة عيش، وتلك هبة من وباء ناب عن وزير الصحة المصري في امتصاص غضب خريجي معاهد الصحة العاطلين.
في ملاعب الكرة بالمغرب عشرات المراقبين، من مراقب التذاكر إلى مراقب الحكام، مرورا بمراقب اللوحات الإشهارية ومراقب منصة الصحافيين وعشرات الأشخاص الذين يمارسون في كل مباراة هواية مراقبة الناس.
وعندما أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن استئناف تداريب الفرق المغربية، طلبت من رؤساء العصب الجهوية إيفاد أطر مهمتها مراقبة مدى احترام البروتوكول الصحي، لكن تبين في اليوم الأول أنه لا أحد من المراقبين يتوفر على شهادة فحص ضد الوباء، رغم أن مهمتهم التأكد من اجتياز جميع مكونات الفريق الاختبار الطبي. كل ما يملكونه قرار تعيين وكمامة وكراسة وقلم. لكن التعيين فيه «حج وحاجة»، حيث استغل بعضهم الفحص المجاني وأخضعوا أجسادهم لـ«لافيزيت تكنيك».
أحد المراقبين أظهر معرفة واسعة بتفاصيل الوباء، فطمأن اللاعبين والمدربين وظل يردد على مسامعهم: «كورونا سينسحب في شهر غشت»، ومع انتشار موجة الحرارة في البلاد، غير المراقب رأيه وهو يجزم بأن كورونا تنشط في الحر، وكأن له سابق معرفة بها. لكن أغرب ما سجلته العملية هو تعيين مراقب له سوابق في كسر الحجر الصحي.
سألت مسؤولا في مركز لحفظ الصحة عن حكاية المراقب، قال إن المصلحة لم تتوصل بأي مراسلة في الموضوع، وأن بالإمكان القيام بهذه المهمة في الحصص التدريبية وفي المباريات مقابل تعويض عن الأتعاب.
في انتظار المراسلة ستؤجل مكاتب حفظ الصحة عملية توزيع دواء السكري ودواء مكافحة الفئران والحشرات إلى أن تنسحب كورونا، وستفوض لهيئة زجر الغش مسؤولية مراقبة المواد الغذائية في المحلات والمطاعم لأن سلامة «الكوايرية» أولى من سلامة باقي المواطنين.
نحن أمام كرة قدم كما لم نعهدها من قبل، كرة بدون جمهور بدون صحافيين، بدون جامعي الكرات، بدون حراس دراجات وباعة الأكلات الخفيفة، مباريات بأقل استنفار أمني، أليس رجل شرطة واحد يختزل اثني عشر شاهدا..
سنكون حتما أمام كائنات مقنعة تخفي خياشيمها خلف الكمامات، سيتحرك في جنبات الملعب بشر مكسو بالأبيض، وشاحنات صهريجية مليئة بسوائل مواد معقمة، تجعل شباك الملعب معقمة ضد الفيروس وربما ضد الأهداف أيضا. قبل انطلاق كل مباراة سيتوقف اللاعبون لقراءة الفاتحة على ضحايا الوباء وسيضطر المعلق لتذكير المشاهدين بالتباعد الجسدي ووضع الكمامة وغسل اليدين قبل الجلوس أمام التلفاز.
في بداية الموسم الدراسي سيبادر قناصو الفرص إلى فتح المعاهد الخصوصية وخلق شعبة جديدة، وسيشرعون في تكوين «مراقبين صحيين» انسجاما مع احتياجات السوق الرياضي، وستظهر في جنبات الملاعب علامات إشهارية لماركات التعقيم ومواد النظافة وأجهزة قياس الحرارة والتنفس الاصطناعي.
لا يوجد اكتفاء ذاتي من المراقبين الصحيين، خاصة حين ستنطلق تداريب فرق الهواة وكرة القدم النسوية والفئات الصغرى، سنعاني من خصاص مهول في هذا الجانب، ما قد يدفع الفرق إلى الاستعانة برجال ونساء الحراسة الخاصة ومنهم من سيكتفي بزرع فزاعات في الملاعب.