شوف تشوف

الرأي

المنسيون من اللقاح

الفئات الهشة من الناحية الصحية وحتى المادية، يشكلون الصف الأول لمن يفترض أنهم سوف يستفيدون من اللقاح ضد الوباء.
ومن بين هؤلاء يوجد المصابون بالأمراض المزمنة والإعاقات الحركية، ولحد الآن لم تفرج لنا وزارة الصحة عن أي بروتوكول علاجي لضمان تلقيح العاجزين عن التوجه إلى المستشفيات ونقط التجمع المفترض أن يتم فيها توزيع اللقاح على المستفيدين.
قدماء المقاومة وجيش التحرير يعيشون هذه الأيام وضعية صعبة ومقلقة. فبالإضافة إلى أنهم يحصلون على معاش شهري لا يتجاوز مائتي درهم، يدلون بشهادة الحياة كل ستة أشهر للحصول عليها، فإنهم يعيشون في ما يشبه المنازل، ويستندون إلى العكاز والجدران للوصول إلى دورة المياه، فما بالك بمغادرة محل سكناهم للوصول إلى المستشفيات للاستفادة من اللقاح.
هناك مندوبية سامية لقدماء المقاومة لم تتحرك رسميا إلى الآن، للإعلان ولو على دعوة لتنبيه القائمين على وزارة الصحة إلى الوضعية الصحية لهذه الشريحة الاجتماعية التي تعيش حرفيا في الظلام.
كيف يستطيع من فقد ساقه جراء التعذيب أثناء مقاومة الحماية الفرنسية، أن يغادر مقر سكناه للوصول إلى المستشفى وسنه يتجاوز الثمانين؟ وكيف تستطيع الأرملة التي نُفذ الإعدام في زوجها سنة 1954 لأنه شارك في مظاهرات المطالبة بعودة الملك محمد الخامس من المنفى، أن تغادر اليوم الغرفة التي لا تزال تكتريها مع الجيران، لكي تقف في طابور طويل للاستفادة من التلقيح ضد فيروس كورونا.
قبل أن يتوفى أحد أبرز قدماء المقاومة، سعيد بونعيلات، أعلن رسميا استقالته من منصبه كنائب عن قدماء المقاومة والأرامل وأيتام جيش التحرير، ليس لأنه لم يعد قادرا من الناحية الصحية على مزاولة مهامه، ولكن احتجاجا على الوضعية المزرية التي يعيشها قدماء المقاومة وأسرهم. إذ كيف يعقل أن تكون هناك سيدة تتقاضى ما قدره 70 درهما تحتاج للحصول عليها الإدلاء برزمة من الشواهد الإدارية المعقدة.
ولم تمض سوى أشهر قليلة على استقالة بونعيلات، حتى توفي في أكتوبر سنة 2017، ليترك واقع المقاومين كما هو. ومنهم من يحتج علنيا على الظروف المزرية وغياب التواصل مع ممثلي الأسر رغم وجود آليات تنظيمية لهذا الغرض.
لم نسمع عن أي حزب سياسي يضع هذه الشريحة نصب عينيه، بما في ذلك الأحزاب التي يطلقون عليها «الأحزاب الوطنية»، وكأن بقية الأحزاب انفصالية. حتى حزب الاستقلال الذي دافع المقاومون القدامى عنه وضحوا بأرواحهم من أجل حضور اجتماعات الحزب التي كانت سرية وكان حضور أحدها يوصل إلى المشنقة، لم يتذكر هذه الفئة من الناس ولم يتقدم ولا برلماني واحد عن «الاستقلال» لتنبيه وزارة الصحة إلى هشاشة الوضعية المادية والصحية التي تعيشها هذه الفئة التي يفترض أن تكون على رأس قائمة المستفيدين من اللقاح.
بعد هؤلاء يأتي متقاعدو الجيش الذين حاربوا البوليساريو في الصحراء وتركوا وراءهم زوجات في عمر الزهور ولم يعودوا إلى جوارهن إلا وهم في سن التقاعد، ينزعون كل صباح ورقة من «اليومية العصرية لبوعياد» ويشربون حساء الشعير حتى لا تصاب أمعاؤهم بالإمساك.
هؤلاء الناس يجب أن يكونوا أول من يستفيد من اللقاح لأنهم عاشوا طيلة الأشهر الماضية من هذه السنة قلقا كبيرا من الإصابة لأنها تعني الوفاة مباشرة.
وفي الأخير يظهر أصحاب نظرية المؤامرة، الذين يُخوّنون كل من يدعو إلى تذكر كل هؤلاء المنسيين، حيث لا يتذكرون إلا الأقربين، وينسون كل هؤلاء العاجزين الذين يعيشون في الغرف الضيقة، ولا يقوون على مغادرة الفراش، وليس لهم أي وجود حرفيا، إلا في سجلات الحالة المدنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى