شوف تشوف

الرئيسية

الملك ينقذ أسرة الفنان الساخر حسن مضياف من التشرد

كوميديون وهبوا حياتهم لإسعاد المغاربة فماتوا تعساء

حسن البصري
لفت حسن مضياف أنظار المغاربة بأدواره الهزلية في كثير من الأعمال، ظل من خلالها مرتبطا بالهموم اليومية للمواطن البسيط، كيف لا وهو الذي ولد ونشأ في حي شعبي بالدار البيضاء في فاتح يناير 1957، ومنذ صغره عشق المسرح فدخله عبر مجموعة من الأعمال كانت أدواره فيها ساخرة.
كانت بدايات الفنان الراحل في عالم التمثيل تعود إلى أواسط السبعينات حيث كان عضوا في الفرقة المسرحية التي كانت تحمل اسم «العروبة»، غير أن شهرته في عالم المسرح كانت مع فرقة مسرح «الثمانين» خاصة مع مسرحيتي «برق ما تقشع» و «كوسطة يا وطن»، ثم «جحا في الرحا»، لينتقل بعد ذلك إلى التمثيل في الأفلام والمسلسلات، بالمشاركة في العديد من المسرحيات، رفقة كبار الفنانين، قبل أن يشق طريقه بثبات نحو الفن السابع ويشارك في العديد من الأفلام المغربية منها فيلم «أبواب الجنة» للمخرج صول نوري و«الكبش» الذي أنتجته القناة الثانية، ولكنه انتقل بعد ذلك إلى التمثيل في المسلسلات والأعمال التلفزيونية، حيث أبدع وأدى أدواره بكل احترافية خاصة في مسلسل «وجع التراب» لمخرجه شفيق السحيمي، وسلسلة «رمانة وبرطال» للمخرجة فاطمة بوبكدي، وغيرها من الأعمال التي حجزت له مكانة في نفوس المغاربة.

انتقاء الأدوار
يقول رفاق دربه إن من خصائص حسن احترامه لمهنته، فقد كان ينتقي الأدوار بعناية ويرفض بعض العروض التي لا تتلاءم وشخصيته، لذا قال في حوار صحفي إن الفن أمانة في عنقه، عليه أن يؤديها بإخلاص لذا حرص على صقل ذوقه وتربية إحساسه الفني، وكان دائما ينتقي الأدوار المعروضة عليه، وفق ما يناسب قناعاته، إذ يسعى في أدواره إلى أن يتفاعل معه الجمهور، كأنه ينقل عنه أحاسيسه واهتماماته وانشغالاته. لكن هذا لا يعني أنه يتعالى على المخرجين أو زملائه، بل هو إنسان متواضع وبسيط ومحب للفن وعاشق للكاميرا.
ظل اسم الفنان مضياف عالقا في أذهان المغاربة من خلال العديد من المسلسلات الرمضانية التي أدخل من خلالها البسمة إلى شفاه المغاربة كسيتكوم «خالي اعمارة» الشهير، وكان أسلوبه يؤكد بأنه ليس مجرد حافظ للنصوص بل يصر على أن يشخص الشخصية وكأنه يعيشها.
عاش مضياف حياة بسيطة رفقة زوجته واثنين من أبنائه: خولة وعبد الله، حيث أكدت زوجته أن أهم ما أوصى به قبل رحيله هو تركيزهما على الدراسة والاجتهاد في العلم، ورغم مستواه المادي البسيط في عز مسيرته الفنية لم يبخل على أولاده في أي شيء، تقول الزوجة في تصريح للصحافة.
عاش حسن معاناة حقيقية مع المرض، لكنه وأمام ضيق ذات اليد اضطر مكرها إلى تأجيل حصص علاجية للمشاركة في أعمال فنية، دخل المستشفى بعد أن ساءت أحواله، وبعد تماثله للشفاء وخروجه من المستشفى العسكري بالرباط، الذي نقل إليه في حالة صحية حرجة من الدار البيضاء بمبادرة من التعاضدية الوطنية للفنانين.
نصح الأطباء مضياف بضرورة إجراء عملية جراحية عاجلة بباريس تفاديا للعيش معاقا بقية حياته، وذلك لأن الفنان مضياف كان يعاني من التهاب مزمن في القصبات الهوائية ومن انتفاخ في الرئة، قيل إن هذا النوع من العمليات يكلف حوالي 140.000 درهم ويجرى بنجاح كبير في فرنسا.
لا قدرة لمضياف على تحمل مصاريف هذه العملية الجراحية نظرا لهشاشة وضعيته الاجتماعية وعدم استفادته من أية تغطية صحية، فلولا وقوف ثلة من أصدقائه الفنانين إلى جانبه في المحنة الصحية التي ألمت به مؤخرا لما تمكن من زيارة أطباء الدار البيضاء والرباط الذين ساعدوه مشكورين على الشفاء مؤقتا.
كان الرجل يعيل إضافة لزوجته وابنيه، أمه المقعدة، وكان مهددا بالتشرد وذلك لأنه لم يكن قادرا على العمل وهو المعيل الوحيد لها. ولهذا ظل يطلب من الجهات الوصية على الفنون ببلادنا ومن المحسنين أن يساعدوه في تحمل مصاريف هذه العملية الجراحية التي كان من شأن إجرائها أن يجنبه إعاقة دائمة بقية حياته، خاصة حين يتحالف الفقر والمرض.

نهاية محزنة
توفي مضياف في إحدى المصحات بالدار البيضاء، يوم 30 يناير 2013 عن سن يناهز 63 عاما، بعد معاناة مريرة مع المرض، لم تتدخل فيها أية جهة لمساعدته أو تقديم يد العون لأسرته، لتكون نهايته محزنة جدا فرغم كل ما عاشه من مجد وجد نفسه في نهاية المطاف في عزلة. الغريب أن حسن ظل يستفسر عن حالة زميله الفنان محمد مجد قبل أن يموتا معا في مدة زمنية متقاربة.
قبل ثلاثة أشهر من وفاته، تلقى حسن مضياف اتصالا من الكتابة الخاصة للملك محمد السادس، أخبرته بأن الملك قرر تمكينه من سكن لائق، كان حينها يرقد في إحدى مصحات الدار البيضاء بسبب حالته المرضية، وحين أنهى المكالمة طلب من زوجته إعداد الوثائق اللازمة من أجل الحصول على الشقة، المتواجدة في إحدى العمارات الراقية بحي الألفة التابع لمقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء وتصل مساحتها إلى 100 متر مربع، لكنه لم يعش فيها إلا بضعة أيام ليرحل إلى دار البقاء. ولم يترك لأسرته إلا هذا المنزل الذي قد قدم له كهبة ملكية.
وبحسرة كبيرة وألم دفين، عبرت أرملته في تصريحات صحافية إنها فقدت زوجها وأب أبنائها الطيب، مشيرة إلى أن زملاءه الفنانين، وبمجرد ما انتهى عزاؤه لم «يعد أحد منهم يسأل عنها ولا عن أولادها وذهب كل إلى حال سبيله».
وكان حسن مضياف قبل وفاته قد حظي بلفتة من الملك محمد السادس الذي تكفل بعلاجه بمستشفى الشيخ زايد حيث أشرفت الكتابة الخاصة بطبيب الملك على دراسة الملف الطبي الخاص بالفنان الراحل وتقرير ما يمكن فعله طبيا، غير أن مشيئة الله شاءت أن يرحل مضياف إلى دار البقاء رغم العناية الطبية التي تلقاها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى