ترأس الملك محمد السادس حفل توقيع اتفاقية شراكة بين مؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية وشركة ميديوت تكنولوجي، تهم إطلاق برنامج الوحدات الصحية المتنقلة المجهزة بتقنيات الاتصال عن بعد يروم تحسين ولوج ساكنة العالم القروي للخدمات الصحية. لا شك أن هذا المشروع، المخصص للعالم القروي، يجسد القناعة العميقة والراسخة للملك بجعل الحق في الولوج إلى الخدمات الصحية، إحدى الدعامات الأساسية لتوطيد المواطنة وتحقيق تنمية بشرية شاملة ومندمجة.
والحقيقة أن العالم القروي، بعدما تابعنا كل ما وقع في زلزال الحوز، يحتاج إلى مشاريع صحية وتعليمية وبنية تحتية وأوراش استثمارية بضمانات ملكية، حتى يتم احترام تنزيلها. ولا شك أن هذا المشروع الصحي، إذا حسُن تنزيله، سيكون واحدا من الأجوبة العمومية التي تحاول إخراج العالم القروي من النفق المظلم الذي يعيشه. فلا أحد يمكن أن ينكر معاناة الوضعية الصحية بالعالم القروي من النقص بل من غياب التجهيزات والموارد البشرية، بسبب سنوات من سوء السياسات والتسيير والتدبير.
وبالنظر إلى الأهداف التي أعلنها بلاغ الديوان الملكي، فإن مشروع تقريب خدمة الصحة من العالم القروي عبر وحدات متنقلة يمكنه التخفيف من مرارة العذاب التي يتجرعها المواطنون بالقرية نتيجة تنقلهم لمئات الكيلومترات للقيام بفحوصات طبية صغيرة أو لتلقي العلاجات أو إجراء عمليات بسيطة، حيث كثيرا ما كانوا يقابلون بأمراضهم باللامبالاة نظرا لغياب الخدمات الصحية بجوارهم.
والمهم، في هاته الخطوة الملكية، هو تنبيهها الحكومة لتوسيع السياسات الاجتماعية نحو العالم القروي. فلا معنى للدولة الاجتماعية، التي ينادي بها الجميع، دون أن يحظى المغرب العميق بنصيبه في الصحة والتعليم والتشغيل والبنية التحتية، وقبل ذلك أن ينال حقه من الكرامة والمساواة في الاستفادة من الخدمات العمومية والعدالة المجالية. وما لم تُحول السياسات العمومية والقطاعية بوصلتها نحو الدواوير والمداشر والجبال والقرى، فستبقى سياسات معاقة تُظهر بلدنا بوجهين: وجه دولة نامية تجسده المدن الكبرى ووجه دولة غارقة في التخلف وسوء التنمية المجالية تعكسه قرانا وجبالنا وعالمنا القروي كما ظهر جليا مع زلزال الحوز والمناطق المجاورة.
لذلك، فالمشروع الملكي فرصة حقيقية لكي نحول السياسات الاجتماعية لبعض الوقت نحو العالم القروي، لاستدراك جزء من العدالة الترابية والمساواة في حق الاستفادة من الخدمات العمومية.