الملك يستكمل بالعيون وطرفاية إطلاق برنامج تنمية المناطق الجنوبية
النعمان اليعلاوي
شكلت الاحتفالات السنوية بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، التي توافق السادس من نونبر نهاية سنة 2015، حدثا خاصا توج بالزيارة الملكية إلى الأقاليم الجنوبية، وبالأخص إلى حاضرة الجنوب، مدينة العيون، حيث توجت الزيارة الملكية والتي حظيت بمتابعة عالمية ومواكبة إعلامية دولية، بخطاب المسيرة الذي وجه فيه الملك رسائل قوية للداخل والخارج، كما كانت الزيارة مناسبة لإطلاق المخطط التنموي للأقاليم الجنوبية الذي يتماشى مع التوجه الذي أعلنه المغرب، وترجمه بجهوية موسعة لجهات المملكة بما فيها الجنوبية.
قوة الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، رأى فيها متابعون إعلانا عن المخطط التنموي للمنطقة، خصوصا بعد توقيع ترسانة ضخمة من المشاريع المهمة بين يدي الملك إبان الزيارة الأولى، وهي المشاريع التي أكدت تعبئة المغرب لإمكانياته الاقتصادية والسياسية للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالأقاليم الجنوبية. فمن الجانب السياسي، فقد شكلت الزيارة فرصة لتوجيه رسائل سياسية لأعداء الوحدة الترابية للمملكة، على أن سكان المناطق الصحراوية اختاروا الانخراط في النموذج الديمقراطي المغربي، من خلال نسبة المشاركة التي تجاوزت الثلثين في الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة، ما يمثل بدوره إيمانا بالمسار الذي سلكه المغرب نحو تفعيل الجهوية المتقدمة، والتي ستتيح لسكان تلك المناطق التدبير الذاتي لشؤونهم المحلية.
وبعد أن أوقف الملك جميع الأنشطة التي كان من المقرر برمجتها أثناء الزيارة الملكية، ولدواع صحية دفعته إلى السفر باتجاه فرنسا، عاد الملك محمد السادس، ابتداء من الخميس الماضي، لاستكمال برنامج التنمية والتطوير الذي حمله من خلال المشاريع التي تم إطلاقها في المناطق الجنوبية، فحل ساعات بعد إعطائه انطلاقة استغلال محطة «نور1» للطاقة الشمسية بمدينة ورزازات، وتدشينه للمحطتين «نور2» و«نور3» واللتين ستجعلان المغرب يحتضن أكبر محطة للطاقة الشمسية بالعالم، (حل) الملك بالعيون في ثاني زيارة بعد خطاب المسيرة الخضراء، حاملا المزيد من المشاريع للمنطقة.
18 مليار درهم لاستكمال التنمية
ساعات على وصوله إلى مدينة العيون، مساء الخميس الماضي، واصل الملك محمد السادس مشاريع التنمية التي كانت الزيارة الملكية إلى العيون بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء مناسبة لإعلانها، فقد أعلن مواصلة الخطة الاستثمارية بالأقاليم الجنوبية والتي خصص لها ما قيمته 18 مليار درهم (1.85 مليار دولار) في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي المشاريع التي يقودها المجمع الشريف للفوسفاط، الذي سيقود خطة تشمل استثمارات بقيمة 8.3 ملايير درهم في مصنع جديد للأسمدة و4.2 ملايير في ميناء جديد قرب مدينة العيون و3.1 ملايير درهم في منشآت صناعية أخرى خاصة بالفوسفاط، كما ستقام المحطات والميناء في المجمع الصناعي التابع لوحدة فوسبوكراع التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط في المرسى قرب العيون، على بعد 100 كيلومتر من مناجم فوسبوكراع.
وجاء الإعلان عن خطط الاستثمار الجديدة، بعد بضعة أيام من بدء المجمع الشريف للفوسفاط- أكبر مصدر للفوسفاط في العالم- بالإنتاج بمصنع جديد للأسمدة الموجهة للسوق الإفريقية في منطقة الجرف الأصفر على ساحل المحيط الأطلسي، حيث استثمر 5.3 ملايير درهم، في الوقت الذي يعمل المكتب على إنشاء ثلاث وحدات أخرى في المنطقة ذاتها، تصل طاقة كل منها إلى إنتاج مليون طن من الأسمدة، وهو ما جعل متابعين يقولون إن المغرب يبحث عن أن يصبح المصدر الأول للأسمدة في العالم، وإنه يطمح إلى إطعام العالم.
محطة لإنتاج الطاقة الريحية بإقليم طرفاية
الزيارة الملكية التي جاءت بعد تدشين الملك لمحطة «نور» للطاقة الشمسية بمدينة ورزازات، وما حظي به هذا التدشين من متابعة دولية، فتح أيضا باب جهة العيون الساقية الحمراء، على مشاريع الطاقات المتجددة، بالنظر لما تزخر به من مؤهلات واعدة في مجال الطاقة الريحية، لأن تشكل إحدى دعامات الاستراتيجية الطاقية التي انخرطت فيها المملكة، بفضل الاستثمارات المهمة التي ستشهدها في هذا المجال والتي ينتظر أن تعطي دينامية كبيرة لعجلة التنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وهكذا عرفت جهة العيون- الساقية الحمراء إطلاق العديد من المشاريع والأوراش التنموية الطموحة، في مقدمتها مشروع الطاقة الريحية بطرفاية، والذي سيساهم في تعزيز مشاريع الطاقة النظيفة والأوراش التنموية على مستوى الجهة، والذي يندرج إنجازه في إطار بلورة الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية الهادفة إلى تأمين التزويد بالطاقة، مع نهج مقاربة قوامها التنمية المستدامة، والرفع من استخدام الطاقات المتجددة، وتطوير اقتصاد استهلاك الطاقة، خصوصا أن إقليم طرفاية (شمال مدينة العيون) سيحتضن أكبر محطة لإنتاج الطاقة الريحية في إفريقيا، والتي تطلب إنجازها استثمارا بقيمة 5 ملايير درهم، مشيرة إلى أن هذه المحطة ستكون قادرة على توليد طاقة بقوة 300 ميغاواط، وذلك بفضل توفرها على 131 مولدا للطاقة الريحية.
أعيان الصحراء يؤكدون دعمهم للحكم الذاتي
بقدر ما حملت الزيارة الملكية من مشاريع نماء لحاضرة الأقاليم الجنوبية، (العيون)، بقدر ما كانت مناسبة لتجديد الارتباط بين قبائل المنطقة والمغرب، حيث عبر شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية، عن فرحتهم بزيارة الملك محمد السادس إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي اعتبروها تجسد «اهتمام جلالته البالغ برعاياه بهذه الربوع الغالية من الوطن»، وأعربوا، في تصريحات للصحافة، عن ترحيبهم الكبير بمقدم الملك، مجددين «ولاءهم وتشبثهم المتين بالعرش العلوي المجيد وتجندهم الدائم والمتجدد وراء جلالته للذود عن حوزة الوطن»، حسب الشيوخ، الذين عبروا، باسمهم ونيابة عن ساكنة هذه الأقاليم، عن فخرهم واعتزازهم بهذه الزيارة، التي تجسد ارتباط الصحراويين بمغربيتهم وحرصهم على الوحدة الترابية للمملكة.
من جهة أخرى، كانت الزيارة الملكية مناسبة بالنسبة لأولئك الشيوخ، من أجل تجديد تأكيدهم على أن «مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والخيار الأنسب لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية»، مبرزين أن الصحراويين لهم قناعة ثابتة بهذه المبادرة التي شاركوا في بلورتها عن طريق المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، كمنتخبين وكشيوخ للقبائل الصحراوية.
وأضاف أعيان المنطقة أن «الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية سيضمن لكل الصحراويين العيش في أمن وأمان، سواء الساكنة المحلية، أو المحتجزين بمخيمات تندوف»، مشيرين إلى أن «المنجزات التنموية والأوراش الكبرى التي تحققت بالأقاليم الجنوبية، خاصة في مجالات البنيات التحتية والتنمية الاجتماعية والمؤسسات والمرافق الصحية والتربوية، أكبر دليل على انخراط المملكة في مسار الحداثة والتنمية والبناء الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان من طنجة إلى الكويرة».
تعيينات مهمة خلال المجلس الوزاري
لعل ما ميز الزيارة الملكية إلى مدينة العيون، والتي تعتبر الثانية في ظرف أقل من نصف العام، هو ترؤس الملك محمد السادس لمجلس وزاري هناك، حيث اختار الملك أن يكون المجلس مناسبة لإعلان عدد من القرارات المهمة، بقدر ما هو مناسبة للتأكيد على أن الأقاليم الجنوبية، لها نفس المكانة مع باقي أقاليم المملكة، وأن اختيار العيون لاحتضان المجلس الوزاري، رسالة لأعداء الوحدة الترابية للمملكة، والذين ما فتئوا يسوقون لصورة المدينة المتمردة وسكانها الغاضبين، صورة سرعان ما كسرتها مشاهد الاستقبال الحار للملك من قبل السكان.
وعين الملك محمد السادس، أول أمس (السبت) بالعيون، عددا من الولاة والعمال، بمبادرة من وزير الداخلية، كما عين بمبادرة من وزير الاقتصاد والمالية، نزهة حياة، رئيسة للهيئة المغربية لسوق الرساميل، وحسن بوبريك، رئيسا لهيئة مراقة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، واختار الملك أيضا مناسبة لقائه بوزراء الحكومة في العيون لتعيين كريم تجموعتي، مديرا عاما للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، بمبادرة من وزير الفلاحة والصيد البحري.
ومن أبرز التعيينات التي قررها الملك في مجلس الوزراء بالعيون هو تعيين عبد الحميد عدو، رئيسا مديرا عاما لشركة الخطوط الملكية المغربية، بمبادرة من وزير التجهيز والنقل واللوجستيك. وخمار مرابط، في منصب مدير الوكالة المغربية للأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي، بمبادرة من وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة.
توجيهات ملكية لاستكمال الرؤية الاستراتيجية للتعليم
مجلس الوزراء برئاسة الملك محمد السادس، كان أيضا مناسبة لتسليط الضوء على مناهج التعليم الخاصة بمقررات التربية الدينية، في خضم الخطر المتزايد للفكر المتطرف والذي يهدد استقرار بلدان العالم، حيث أصدر الملك محمد السادس، تعليماته إلى وزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية، أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية.
وشدد الملك أثناء أشغال مجلس الوزراء، على أن ترتكز هذه البرامج والمناهج التعليمية على القيم الأصيلة للشعب المغربي، وعلى عاداته وتقاليده العريقة، القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر.
التوجيهات الملكية جاءت بعد عرض قدمه وزير التربية الوطنية، رشيد بلمختار، حول الرؤية الاستراتيجية للتعليم، والتي قال إنها تهدف إلى انبثاق مدرسة للإنصاف وتكافؤ الفرص، مدرسة عالية الجودة ومدرسة للانفتاح والارتقاء الاجتماعي. كما أكد أنه تنفيذا للتعليمات الملكية، سيتم إعطاء الأسبقية لجودة التعليم العمومي، وللانفتاح على اللغات الأجنبية، خاصة في تدريس المواد والتخصصات العلمية والتقنية، وكذا للنهوض بالتكوين المهني، لا سيما من خلال اعتماد التوجيه المبكر للتلاميذ والطلبة، الذين لهم مؤهلات وميول في هذا المجال.