الملك الحسن الثاني أطلع بوضياف على أدلة اتجار الجنرالات في السلاح
يونس جنوحي
كل يوم يقضيه محمد بوضياف في السلطة كان يعني مشكلا إضافيا لمافيا الجنرالات.
كما أن القرار الذي اتخذه بوضياف، والقاضي بإبعاد الجنرال ماجور محمد العماري من السلطة ومن دخول القصر الرئاسي وقتما أراد، كان غلطة حسب تقدير الصحافي هشام عبود..، لأن مساس محمد بوضياف، خلال الأسابيع الأولى لتوليه الحكم، بأبرز رموز المافيا، كان فعلا خطوة شجاعة وغير مدروسة جيدا.
خروج أسماء جديدة من الظل، مثل قادسي مرباح، أحد رموز المعارضة القدامى، متأرجحا بين الجنرالات وبين بوضياف، كان يعني بشكل مباشر أن بوضياف نجح في أول تحد له: رمي صخرة في بركة متعفنة من الركود السياسي في الجزائر.
مغامرات الرئيس
كان الرئيس محمد بوضياف يخوض يوميا مغامرات حقيقية لعقد اجتماعاته دون أن يتجسس عليه موظفو القصر الرئاسي الذين لم يقو على استبدالهم. لم يُفرضوا عليه، كما يقول هشام عبود، لكنه كان عاجزا عن طردهم خارج القصر الرئاسي. لكنه نجح في مناوراته وحجب عنهم المعلومة. أي أن الجنرالات عاشوا فعلا أيام «صمم» وعمى في المعلومات الكافية عن مخططات محمد بوضياف.
أما لقاءاته مع الصحافة فكانت تعني كل يوم أنه يتحرر من الشرنقة التي خطط الجنرالات لإحاطته بها منذ اليوم الأول الذي وضع فيه قدميه فوق أرضية المطار قادما لكي يصبح رئيسا للجمهورية.
لام معارضون جزائريون في الخارج محمد بوضياف على قبوله عرض الجنرالات من أساسه، واعتبروا الأمر ضربا في الديموقراطية. إذ كيف يعقل، في نظرهم، أن يوافق محمد بوضياف، بكل رمزيته السياسية ونضاله، على أن ينزل في الجزائر رئيسا للبلاد دون المرور عبر الصناديق.
أراد الجنرالات أن يُذكروا محمد بوضياف بأنهم الحكام الفعليون للبلاد، وكانت مناسبة زفاف ابنه في المغرب فرصة لتذكيره بهذا الأمر.
رئيس ممنوع من السفر
نعم، أراد الجنرالات منع الرئيس محمد بوضياف من الذهاب إلى المغرب للإعداد لزفاف ابنه. ويحكي هشام عبود على لسان ناصر بوضياف، ابن الرئيس، قائلا: «ذهب الجنرال توفيق إلى درجة محاولة منع محمد بوضياف من زيارة المغرب في زيارة خاصة، حيث كان بوضياف يريد الإشراف على زفاف أحد أبنائه، وهو ما جعله يخرج عن النطاق الذي فصله له الجنرالات.
-عندما عاد الرئيس إلى منزله في المساء، كان لون بشرته محمرا من شدة الغضب، وكان يردد بدون انقطاع:
-من يكون هذا الـ«توفيق» الذي يريد منعي من السفر؟
هذا ما حكاه لي ابنه ناصر.
انتهى الأمر بذهاب بوضياف إلى المغرب، حيث قضى خمسة أيام هناك. خلال تلك الزيارة، التقى مع الملك الحسن الثاني. وحسب مصادر موثوقة، فإن الملك الحسن الثاني اغتنم الفرصة لكي يطلع ضيفه على بعض الملفات».
يحكي هشام عبود أن تلك الملفات كانت تضم معلومات أمنية حساسة جدا، هي نتاج عمل المخابرات المغربية بالتعاون مع المخابرات الفرنسية والأمريكية، وكانت تضم معلومات مهمة جدا عن جنرالات الجزائر. وأطلعه على معلومات غاية في الأهمية تؤكد أن الجنرال نزار كان على رأس عصابة تنشط في تهريب السلاح، حيث كان ينسق مع شخص اسمه «الحاج بطو» لبيع السلاح للبوليساريو، إذ كانت الجزائر وقتها تقدم دعما بالسلاح للبوليساريو على مدى سنوات.
يقول هشام عبود: «عند عودته إلى الجزائر، تذكر الرئيس بوضياف الكوموندان مراد الذي تحدث له عنه مصدره ورجل ثقته «كامل» في السابق. وكلفه باعتقال الحاج بطو».
هكذا سوف يدخل بوضياف رسميا الحرب ضد الجنرالات، أو ما يعرفه هشام عبود بنادي الـ11. هؤلاء كانوا يعرفون جيدا أن بوضياف حصل على معلومات ضدهم من المغرب، لكنهم لم يتوقعوا أن تكون المعلومات التي اطلع عليها بتلك الحساسية. لقد أصبحوا «عراة» أمام بوضياف.