المغرب يخوض معركة الأمن الطاقي
تعبئة مليون هكتار لتنفيذ عرض الهيدروجين الأخضر
تنفيذا للتوجيهات الملكية، أصدر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشور تفعيل “عرض المغرب” من أجل تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، الذي يعد عرضا عمليا وتحفيزيا يشمل مجموع سلسلة القيمة للقطاع، ويتماشى مع احتياجات المستثمرين بهدف جعل المملكة فاعلا تنافسيا في هذا القطاع ذي الآفاق الواعدة.
ويقوم عرض المغرب، وفق المنشور الموجه للوزراء والوزراء المنتدبين ومسؤولي المؤسسات والمقاولات العمومية، على تنفيذ مقاربة شاملة وشفافة وعملية كفيلة بمنح المستثمرين رؤية واضحة. ويتألف العرض من ستة أجزاء متمثلة في مجال تطبيق عرض المغرب، وتعبئة العقار لتنفيذ عرض المغرب، والبنيات التحتية الضرورية لتطوير قطاع الهدروجين الأخضر والإجراءات والتدابير التحفيزية الواردة في عرض المغرب، بالإضافة إلى عملية انتقاء المستثمرين وإبرام عقود مع الدولة وكذا حكامة قطاع الهدروجين الأخضر.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
بعدما تمكن من تبوؤ مكانة بارزة في مجال تطوير الطاقات المتجددة على المستويين القاري والعالمي، فتح المغرب أمامه باب الطموح للمضي قدما في هذا المسار، من أجل مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والسياسية الحالية، التي تفاقمت بسبب سلسلة من الأزمات المتتالية، وكان النموذج التنموي الجديد دعا إلى تغيير النموذج الطاقي على الصعيد الوطني.
وبفضل المكانة الرائدة التي تحتلها في مجال الطاقات المتجددة، ومواردها الطبيعية الغنية والمتنوعة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبنيتها التحتية ذات المستوى العالمي ورأسمالها البشري المؤهل، فإن المملكة مدعوة إلى الاضطلاع بدور رئيسي في مجال الانتقال الطاقي على الصعيد العالمي، وفي إعادة تشكيل التدفقات الناتجة عنه.
وفي خضم هذا التحول يتوقع أن يشكل الهيدروجين الأخضر موجها أساسيا للطاقة وأحد المحفزات الرئيسية للانتقال الطاقي والنمو المستدام، وسيشكل هذا القطاع الناشئ، كذلك، نقطة تحول بالنسبة للاقتصاد المغربي في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية التي تحيط به، وهذا يؤكد الاهتمام الكبير والفعلي الذي أعرب عنه ما يناهز مائة مستثمر، وطنيين ودوليين، لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المغرب، المؤهلات الكبيرة التي تزخر بها البلاد في هذا المجال.
مجال تطبيق عرض المغرب
يستهدف عرض المغرب المستثمرين أو تجمعات المستثمرين الراغبين في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته على نطاق صناعي بالمملكة، سواء كان موجها للسوق الداخلية أو للتصدير أو لكليهما معا. وينطبق هذا العرض على المشاريع المندمجة، بدءا من توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة والتحليل الكهربائي إلى تحويل الهيدروجين الأخضر إلى الأمونياك والميثانول والوقود الاصطناعي إلى غير ذلك، فضلا عن الخدمات اللوجستية ذات الصلة.
وحسب منشور رئيس الحكومة، فإن بإمكان المستثمرين المتخصصين في حلقة واحدة فقط أو في حلقات معينة من سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر، الترشح للاستفادة من البرامج الوطنية التي وضعتها الدولة لتطوير الاقتصاد وجذب الاستثمارات بالمغرب، سيما ميثاق الاستثمار الجديد، شريطة الالتزام بالشروط القانونية والتنظيمية المحددة لهذه الغاية، إذ يمكن لهؤلاء المستثمرين الاتصال مباشرة بالمركز الجهوي للاستثمار الموجود في الجهة المعنية بمشروعهم أو بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات إذا لم يحددوا بعد الجهة التي يعتزمون الاستثمار فيها.
مليون هكتار لتنفيذ العرض
بالنظر إلى ما يشكله الوعاء العقاري من رهان أساسي في تنمية قطاع الهيدروجين الأخضر، قامت الدولة بتحديد عقارات عمومية مهمة تناهز مساحتها مليون هكتارا، وهي أوعية عقارية سهلة الولوج ذات مؤهلات عالية في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر. وأشار منشور رئيس الحكومة إلى أن هذه الأراضي مشمولة بالقرارات سارية المفعول للسلطة الحكومية المكلفة بالطاقة، والتي تحدد مناطق استقبال مواقع تطوير مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام مصادر الطاقة الشمسية والطاقة الريحية. وسيتم خلال المرحلة الأولى توفير 300 ألف هكتار موزعة على قطع أرضية تتراوح مساحتها بين 10 آلاف و30 ألف هكتار.
وبالنظر إلى كون الهيدروجين الأخضر قطاعا ناشئا، قررت الدولة اعتماد نهج تدريجي في تعبئة الوعاء العقاري اللازم، وذلك بغية الحفاظ على المرونة اللازمة للتأقلم مع التطورات التي سيشهدها هذا القطاع، سيما التطورات التكنولوجية، والتشريعية والتنظيمية وتطورات السوق.
وفي ما يخص المستثمرين الذين وقع الاختيار عليهم، وأبدوا اهتمامهم بالحصول على مساحة أكبر بالنظر لحجم مشاريعهم، فسيخصص لهم وعاء عقاري لا يقل عن 30 ألف هكتار في مرحلة أولى، مع بيان الوعاء العقاري الإجمالي الذي قد يخصص لهم في ما بعد، والذي سيمنح لهم تدريجيا وبشروط، طبقا لمقتضيات عرض المغرب وضوابطه، وستتولى السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والاقتصاد والمالية مسؤولية تعبئة الأوعية العقارية المخصصة لعرض المغرب.
تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر
أكد منشور رئيس الحكومة أن المشاريع المندمجة للهيدروجين الأخضر تتطلب، بحكم طبيعتها وحجمها، توفير بنية تحتية إضافية. وفي هذا الإطار، فإن عرض المغرب يرتكز، أيضا، على بنية تحتية تنافسية يتم تخطيطها وتعميمها وتطويرها وصيانتها، وفقا لأفضل المعايير الدولية، ولاحتياجات وتطورات صناعة الهيدروجين الأخضر، وعند الاقتضاء، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص بمعية مستثمرين وطنيين أو أجانب.
وفي هذا الإطار، ستتولى كل من السلطة الحكومية المكلفة بالتجهيز والوكالة الوطنية للموانئ، بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالميزانية، القيام بالدراسات المتعلقة بالبنيات التحتية الميدانية التي يحتاجها قطاع الهيدروجين الأخضر، مع تقييم التكلفة وخطط التمويل. وبالإضافة إلى ذلك، تتولى كل من السلطة الحكومية المكلفة بالطاقة والمكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن، بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالميزانية، مسؤولية القيام بالدراسات المتعلقة بالشبكة الوطنية لخطوط أنابيب الهيدروجين والغاز التي يمكن ربطها بعد تحويلها بالشبكة الأوروبية للهيدروجين الأخضر، مع تقييم الكلفة وخطط التمويل المرتبطة بها.
وستتولى كل من السلطة الحكومية المكلفة بالماء والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالميزانية، مسؤولية تحديد معالم الاندماج من خلال تقييم احتياجات مشاريع الهيدروجين الأخضر، في إطار عرض المغرب من المياه المحلاة ومحطات تحلية المياه المتوفرة والمستقبلية، وكذا الكلفة وخطط التمويل.
علاوة على ذلك، تتولى كل من السلطة الحكومية المكلفة بالتجهيز والماء والطاقة والمكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن، بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالميزانية، مسؤولية القيام بالدراسات المتعلقة باستعمال تجاويف الملح الخاصة بتخزين الهيدروجين الأخضر، مع تقييم الكلفة وخطط التمويل.
ومن ناحية أخرى، يتولى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مسؤولية تسريع وتيرة تنفيذ خطة التجهيز المرتبطة به، وخلق فرص استثمارية للقطاع الخاص في الشبكة الوطنية للكهرباء، من أجل تعزيز روابط نقل الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة بين الأقاليم الجنوبية للمملكة وباقي أنحاء البلاد.
وأخيرا، تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالصناعة والتجارة مسؤولية تقييم مؤهلات الاندماج الصناعي المحلي في المغرب حول قطاع الهيدروجين الأخضر (تحديد حلقات سلسلة القيمة القابلة للاندماج في المغرب، وتحديد الفاعلين المحتملين، وتقييم الاحتياجات في مجال الموارد البشرية والطاقية وغيرها). وبالتالي تحديد المناطق الصناعية اللازمة (الحجم والموقع والخدمات الضرورية، ونموذج التسيير والاحتياجات من اليد العاملة).
ومن أجل تحسين القدرة التنافسية للقطاع، تقوم الدولة بتشجيع عملية تكثيف وتجميع البنيات التحتية (أنابيب الغاز والموانئ ومحطات تحلية المياه …)، وتقوم الوكالة المغربية للطاقة المستدامة بتجميع احتياجات المستثمرين ومساعدة السلطات الحكومية في ترجمة الاحتياجات إلى دراسات عملية لضمان اتساق البنيات التحتية ومواعد التخطيط وآجال التسليم والهيكلة المؤسساتية والقانونية والمالية، إلى غير ذلك، كما تساهم في إعداد تخطيط متكامل للدراسات.
الإجراءات والتدابير التحفيزية
أشار منشور رئيس الحكومة إلى أن المملكة المغربية اعتمدت إطارا واضحا لتحفيز الاستثمار من خلال الميثاق الجديد للاستثمار، خصوصا في ما يتعلق بأنظمة دعم الاستثمار، حيث يوفر الميثاق الجديد للاستثمار أرضية مهمة لضمان نجاح تنفيذ عرض المغرب.
وهكذا، يضيف المنشور، يمكن لحاملي مشاريع الهيدروجين الأخضر المندمجة، التي تدخل في إطار عرض المغرب، طلب الاستفاذة من التحفيزات المنصوص عليها في الميثاق الجديد للاستثمار، وذلك وفقا للشروط التي تحددها النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
ومن ناحية أخرى، يمكن لحاملي المشاريع الاستثمارية المنجزة بناء على منطق الاندماج الصناعي المحلي لقطاع الهيدروجين الأخضر في المغرب، سواء تعلق الأمر بالاندماج الأفقي (التجهيزات اللازمة لسلسلة قيمة الهيدروجين)، أو بالاندماج العمودي (الصناعات المستهلكة للهيدروجين و/ أو مشتقاته بالمغرب)، الاستفادة من التحفيزات المنصوص عليها في الميثاق الجديد للاستثمار، وذلك وفقا للشروط التي تحددها النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
وحسب المنشور، يجوز للمستثمرين أيضا الاستفادة من تحفيزات ضريبية وجمركية في إطار عرض المغرب وفقا للشروط التي تحددها النصوص القانونية الجاري بها العمل، سيما في ما يتعلق بالإعفاء من رسوم الاستيراد، والإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للسلع التي يتم اقتناؤها محليا والسلع المستوردة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير منطقة واحدة أو أكثر من مناطق التسريع الصناعي لفائدة النظام الصناعي المرتبط بالهيدروجين الأخضر، وبالتالي، فإن المشاريع الاستثمارية المنجزة بناء على منطق الاندماج الصناعي المحلي لقطاع الهيدروجين الأخضر في المغرب، سواء تعلق الأمر بالاندماج الأفقي (التجهيزات اللازمة لسلسلة قيمة الهيدروجين أو بالاندماج العمودي (الصناعات المستهلكة للهيدروجين و / أو مشتقاته بالمغرب)، يمكنها الاستفادة من التحفيزات المنصوص عليها في الميثاق الجديد للاستثمار، وذلك وفقا للشروط التي تحددها النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
دور الوكالة المغربية للطاقة المستدامة
أبرز منشور رئيس الحكومة أن نجاح عرض المغرب رهين بوضع مسار مبسط للمستثمرين، من أجل ضمان منهجية واضحة لهم ومنحهم رؤية متكاملة وشاملة في سبيل تنفيذ مشاريعهم. وفي هذا الإطار، تم منح الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) دور نقطة ارتكاز ومحاور أساسي للمستثمرين.
ولهذا الغرض، فإن الوكالة مدعوة، بعد مصادقة هيئات حكامتها، إلى إحداث قطب متخصص يتكون من فريق متعدد الاختصاصات (الهيكلة المالية والقانونية والهندسة والبناء والتطوير والتعاون…)، مكلف بمواكبة حاملي المشاريع في مجال الهيدروجين الأخضر.
ولهذا الغرض، ستتولى الوكالة القيام بعدة مهام، تتجلى في التواصل مع المستثمرين بخصوص عرض المغرب، واستقبال الشركات الراغبة في الاستثمار في الهيدروجين الأخضر وإطلاعها على المعلومات وتوجيهها، وربط الاتصال بين المستثمرين والقطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية المعنية، بالإضافة إلى ضمان التنسيق مع الولاة والعمال بشأن تخصيص القطع الأرضية، واقتراح سيناريوهات قائمة على حجج بشأن تخصيص القطع الأرضية على لجنة الاستثمار المكلفة بالهيدروجين الأخضر، ويتم عرض توصيات هذه اللجنة على لجنة القيادة من أجل البت فيها.
وستتولى الوكالة، أيضا، مساعدة المستثمرين في استكمال المساطر والإجراءات الإدارية اللازمة لتنفيذ مشاريعهم في إطار تشاركي بين الوكالة والقطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية المعنية، سيما المراكز الجهوية للاستثمار، طبقا للاختصاصات المنوطة بها بموجب القانون 47-18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار
وبالنسبة للبنيات التحتية الهيكلية (أنابيب نقل الغاز، والموانئ ومحطات تحلية المياه، وغيرها)، ستقوم الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) بتجميع احتياجات المستثمرين، وتقديم المساعدة للسلطات الحكومية عند ترجمة الاحتياجات إلى دراسات عملية، كما تساهم في عملية التخطيط المندمج للدراسات.
ومن بين المهام المنوطة بالوكالة، حسب منشور رئيس الحكومة، مواكبة المستثمرين، بمعية السلطة الحكومية المكلفة بالطاقة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، من أجل ملاءمة مشاريعهم مع الطاقة الاستيعابية للشبكة الكهربائية وتطوير الشبكة عند الاقتضاء، بالإضافة إلى إحالة ملفات المستثمرين على لجنة الاستثمار المكلفة بالهيدروجين الأخضر التي سيتم إحداثها بموجب المنشور، فضلا عن اقتراح انتقاء أولي معلل لملفات الاستثمار على لجنة الاستثمار المكلفة بالهيدروجين الأخضر، ويتم هذا الانتقاء الأولي على أساس الملفات المتوصل بها، وكذا مختلف التوضيحات والمناقشات التمهيدية التي تجريها الوكالة مع المستثمرين.
وتتولى الوكالة، كذلك، تتبع المستجدات التنافسية والتكنولوجية للقطاع لدعم التنافسية التقنية للمشاريع، وتقديم اقتراحات بخصوص الإطار التشريعي والتنظيمي، وذلك بناء على درايتها بمشاريع المستثمرين والأسواق والمؤسسات على الصعيد الدولي والرصد الذي تقوم به للمستجدات القانونية. ومن أجل ضمان التنزيل الفعال لعرض المغرب، سيتم تعيين ممثلين لدى السلطات الحكومية للاضطلاع بدور المخاطب المباشر مع الوكالة المغربية للطاقة المستدامة.
المغرب مرشح لدخول نادي الدول المنتجة والمصدرة للبترول الأخضر
أكد التقرير المالي والاقتصادي المرفق لمشروع قانون المالية لسنة 2024، وجود تحديات جديدة للأمن الطاقي في المغرب، في ظل الأزمة الطاقية الحالية. مشيرا إلى أن المغرب يعاني بصفته مستوردا لجل حاجياته من المنتجات البترولية المكررة، وبشكل كبير من آثار هذه الأزمة الطاقية العالمية.
وحسب معطيات رسمية، فقد بلغ معدل التبعية الطاقية حوالي 90 في المائة (مع تسجيل انخفاض في هذه النسبة مقارنة مع السنوات السابقة)، وإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من التقدم الكبير المسجل على المستوى الوطني من حيث تعزيز القدرة المنجزة للطاقات المتجددة، فإن حصة المنتجات البترولية في المزيج الطاقي ما زالت كبيرة، بنسبة قاربت 53 في المائة.
وأشار التقرير إلى أن المغرب اتخذ عدة تدابير لتعزيز الأمن الطاقي للبلاد وتحسين مناعته وتنافسيته الطاقية، من بينها تسريع تطوير الطاقات المتجددة، وتعزيز حصتها في المزيج الطاقي، الحل الأمثل للمغرب لمواجهة هذه التحديات المختلفة في إطار استراتيجية الانتقال الطاقي التي سجلت بالفعل، منذ إطلاقها سنة 2009، تقدما كبيرا (40 في المائة من القدرة الكهربائية المنجزة في سنة 2023).
ونظرا إلى الأولوية التي يكتسيها تغيير النموذج الطاقي الوطني، أعطى الملك محمد السادس توجيهاته السامية، خلال اجتماع العمل المنعقد يوم 22 نونبر 2022 من أجل تسريع وتيرة مشاريع تطوير الطاقات المتجددة، خاصة الشمسية والريحية، وذلك بهدف تعزيز السيادة الطاقية للبلاد، وخفض تكاليف الطاقة وتعزيز مكانة المغرب في الاقتصاد الخالي من الكربون في العقود المقبلة.
وفي هذا الإطار، بلغت القدرة الكهربائية ذات المصدر المتجدد 4500 ميغاواط، نهاية شتنبر 2023، وهو ما يمثل ما يزيد على 40 في المائة من الطاقة الكهربائية المنتجة، وبالنظر إلى المشاريع الجاري تنفيذها أو المبرمجة، من المتوقع تحقيق هدف 52 في المائة قبل حلول سنة 2027 عوض سنة 2030 المحددة مسبقا. وأشار التقرير إلى أن محفظة مشاريع تنمية الطاقات المتجددة التي ستنفذها الوكالة المغربية للطاقة المستدامة خلال الفترة 2023- 2027 تضم إنجاز قدرة إضافية تبلغ 3.648 ميغاواط، منها 2.625 ميغاواط من مشاريع الطاقة الشمسية و1.503 ميغاواط من مشاريع الطاقة الريحية.
وأبرز التقرير أن قطاع الهيدروجين الأخضر يعتبر من الأولويات الاستراتيجية للبلاد لتطوير الطاقة النظيفة واقتصاد خال من الكربون، وتشهد العديد من الدراسات على الإمكانيات الكبرى التي يتمتع بها المغرب في مجال إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر بفضل موارده المتجددة الهامة، والبنيات التحتية من الموانئ وارتباطه بأوروبا عبر خط أنابيب مع إسبانيا… وفي هذا الإطار، أصدر الملك محمد السادس تعليماته السامية، خلال اجتماع العمل المنعقد في 22 نونبر 2022، من أجل القيام في أقرب الآجال بإعداد عرض المغرب ذي طابع عملي وتحفيزي يشمل مجموع سلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين الأخضر في المغرب، وينبغي أن يشمل هذا العرض، بالإضافة إلى الإطار التنظيمي والمؤسساتي، مخططا للبنى التحتية الضرورية. ويهدف المغرب، من خلال هذا العرض التنافسي إلى دعم تموقعه خلال السنوات المقبلة، كرائد على المستوى الجهوي والعالمي في إنتاج وتصدير هذا المورد للطاقة النظيفة.
ويعمل المغرب، حسب تقرير لوزارة المالية، على تطوير الهيدروجين الأخضر كمشروع واعد لتوليد الطاقة النظيفة، مؤكدا أن سلاسل الإنتاج المتعلقة بالهيدروجين تفتح آفاقا كبيرة. وأشار التقرير إلى تصنيف المغرب، وفقا لمجلس الطاقة العالمي بألمانيا، كواحد من خمسة بلدان تتوفر على أكبر إمكانات لإنتاج وتصدير الجزيئات الخضراء (الأمونيا والميثانول…). ويمكن أن يستحوذ على ما يناهز 4 في المائة من سوق الهيدروجين العالمي، وفقا لوزارة الطاقة، أو ما يقارب 3 مليارات دولار.
وأوضح التقرير أن هذه التكنولوجيا تتميز بمستقبل واعد، خاصة في مجال التنقل والصناعة. ولا تقتصر مميزاتها على تكلفتها فقط، وإنما تشمل أيضا تأثيرها المنخفض جدا على البيئة مقارنة بالطاقات الأحفورية، ويتطلب تطوير الهيدروجين باعتباره «بترولا أخضر»، مجهودا وطنيا كبيرا للإسراع في دعم المهارات والكفاءات اللازمة لتطوير التقنيات، بالموازاة مع تعزيز التقارب مع الفاعلين المتميزين على المستوى الدولي، وسيمكن تطوير هذا المورد المغرب، على مدى السنوات القليلة المقبلة، من توفير الهيدروجين الأخضر والجزيئات الخضراء لسوقه المحلية وكذلك للخارج، سيما أوروبا.
وفي هذا الإطار، تم إطلاق خريطة طريق للهيدروجين الأخضر في يناير 2021 والتي تفتح آفاقا كبيرة للتصنيع تهم مختلف مراحل سلسلة القيمة، بما فيها تحلية المياه، والطاقات المتجددة (الكهروضوئية والريحية)، والتحليل الكهربائي والكيمياء الخضراء، وستتكلف «اللجنة الوطنية للهيدروجين»، برئاسة وزارة الطاقة والتي تضم جميع الجهات المعنية، بالتنسيق وكذا تنفيذ هذه الخريطة من خلال التطوير التكنولوجي والاستثمارات والبنيات التحتية والأسواق.
ومن بين التدابير المتخذة، تعزيز قدرات التخزين والمخزون الاستراتيجي من المنتجات البترولية على المستوى الوطني، وأكد التقرير أن المغرب مدعو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتأمين التزويد المستمر لاقتصاده بموارد الطاقة الضرورية، خاصة المنتجات البترولية المكررة. وفي هذا السياق، أصبح من الضروري إنشاء قدرات تخزين جديدة والامتثال للقواعد التنظيمية للمخزون الاستراتيجي، مع التنفيذ التدريجي لاحتياطيات المنتجات الاستراتيجية بطريقة لامركزية، سيما على مستوى مراكز الطلب الرئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر تنويع مصادر التزويد بالمنتجات الطاقية أمرا ضروريا لمواجهة مختلف المخاطر المحتملة لانقطاع هذه الإمدادات، خلال فترات الأزمات.
مانحون دوليون يتسابقون لتمويل مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب
كشفت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أن الدراسات المتعلقة بمشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب وصلت إلى مراحلها النهائية، وأكدت أن المشروع يثير اهتمام كبار المانحين الدوليين لتمويله.
وأوضحت بنعلي، في جواب عن سؤال كتابي بمجلس النواب، أن هذا المشروع قطع أشواطا مهمة في مسار تنفيذه، حيث أثبتت الدراسات الجارية التي بلغت مراحل متقدمة، قابليته للتنفيذ وجدواه الاقتصادية، كما تم الانتهاء من تحديد المسار الأمثل للأنبوب. وأشارت إلى أن المشروع الاستراتيجي لمد أنبوب الغاز المغرب نيجيريا يعد رافعة للاندماج الجهوي والنماء الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة وخارجها، خاصة وأنه يعبر 13 دولة وينفتح على أوروبا، مما يجعله رابطا ملموسا بين الاقتصادات والسكان المحليين؛ كما يتيح من وجهة نظر جيوستراتيجية، بديلا إضافيا للإمداد، بما يمكن من المساهمة في الأمن الطاقي الإقليمي والدولي.
وأفادت الوزيرة بأن هذا المشروع الاستراتيجي أثار اهتمام المانحين الدوليين، وفي هذا السياق، قرر البنك الإسلامي للتنمية وبنك التنمية التابع لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الالتزام بتمويل المشروع، من خلال تمويل جزء مهم من الدراسات. ومن جهة أخرى، قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مع دولها الأعضاء الخمسة عشر، أن تكون شريكا في المشروع وتم توقيع الاتفاقية التي تؤطر هذه الشراكة بالرباط في 15 شتنبر سنة 2022. كما تم التوقيع على شراكات مماثلة مع كل من الجمهورية الإسلامية الموريتانية وجمهورية السينغال في 15 أكتوبر سنة 2022 بنواكشوط، ومع كل من جمهوريات غينيا وغانا وسيراليون وغامبيا وغينيا بيساو بالرباط، في 5 من دجنبر سنة 2022.
وأضافت بنعلي أنه تمت جدولة مراحل مهمة في الأشهر المقبلة، ذكرت منها على وجه الخصوص التقييمات الميدانية ودراسة الأثر البيئي والاجتماعي، والتوقيع على المعاهدات الحكومية الدولية الضرورية، وإنشاء شركة المشروع المسؤولة عن تنسيق التمويل والبناء والعمليات، ثم تعبئة المانحين الدوليين.
وسيمتد المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز نيجيريا- المغرب على طول ساحل غرب إفريقيا، انطلاقا من نيجيريا مرورا عبر البنين والطوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسينغال وموريتانيا وصولا إلى المغرب، وسيتم ربطه بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي وشبكة الغاز الأوروبية. كما سيتيح تزويد دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي غير المطلة على البحر.
وسيساهم هذا المشروع الاستراتيجي في تحسين مستوى عيش السكان، وكذا تكامل اقتصادات المنطقة وتخفيف حدة التصحر، بفضل تزويد مستدام وناجع بالغاز، كما ستكون لهذا المشروع آثار اقتصادية كبيرة على المنطقة، من خلال استغلال طاقة نظيفة تحترم الالتزامات الجديدة للقارة ذات الصلة بحماية البيئة، وفضلا عن ذلك، سيعطي المشروع بعدا اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا جديدا للقارة الإفريقية.
ويعتبر أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب مشروعا استراتيجيا «للغاية» سيستفيد منه حوالي 400 مليون شخص في المنطقة، ويحسن الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لسكانها، كما سيمكن هذا المشروع من نقل أزيد من 5000 مليار متر مكعب من الاحتياطيات المؤكدة للغاز الطبيعي؛ مما سيعطي دينامية لإنتاج الكهرباء ويحل مشاكل الولوج إلى الطاقة في معظم الدول التي سيعبر منها.
وانعقد أخيرا بمراكش، الاجتماع رفيع المستوى للجنة المكلفة بمشروع خط أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب وذلك على هامش أشغال النسخة الثالثة للقمة المغربية للنفط والغاز، وأفاد بلاغ للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، بأن هذا الاجتماع جرى بحضور ممثلي جميع البلدان التي يعبرها خط أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب، وكذا مفوض البنيات التحتية والطاقة والرقمنة ومدير الطاقة والمعادن باللجنة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وأضاف المكتب أنه تماشيا مع بروتوكول الاتفاق الموقع بين شركات النفط الوطنية، خصص هذا الاجتماع بالأساس لمتابعة مستوى تقدم مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب ودراسات تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والمسح، وأشار المصدر ذاته إلى أن المشاركين عبروا عن التزامهم وعزمهم على ضمان نجاح مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب.
وفي شهر دجنبر من سنة 2016، تم الإعلان عن مشروع أنبوب الغاز الإفريقي، وقد جاء الإعلان عن المشروع على هامش لقاء الملك محمد السادس مع الرئيس النيجيري محمد بخاري في العاصمة أبوجا. وفي 2017 تم الإعلان عن إعداد دراسة جدوى المشروع، ثم بعد قرابة العام تم توقيع اتفاق تعاون ضخم لمد أنبوب الغاز عبر غرب إفريقيا، وصولا إلى المغرب بهدف التصدير إلى أوروبا، حيث سيمتد طول أنبوب الغاز على 5660 كيلومترا، ويمر عبر عدة دول إفريقية، على أن يتم تطوير الأنبوب ليصل إلى أوروبا في مرحلة لاحقة.
وسيمر الأنبوب من بلدان غانا والطوغو وكوت ديفوار والسينغال وموريتانيا، ثم المغرب، وهو امتداد لأنبوب أنشأته نيجيريا عام 2005، لمد بلدان إفريقية بمصدر الطاقة، ومن شأن المشروع في حال إتمامه، التشجيع على اندماج بين منطقتي شمال وغرب إفريقيا، فضلا عن تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة، وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع مد الكهرباء. وقد تم في 2018 التوقيع بين المغرب ونيجيريا، على ثلاث اتفاقيات للتعاون الثنائي، واحدة منها مرتبطة بمشروع لأنبوب الغاز الرابط بين البلدين، كما عبرت مجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، المعروفة اختصارا
بـ«سيدياو»، في سنة 2019، عن دعمها للمشروع المغربي النيجيري وشرعت المجموعة حينها في دراسة مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري، وذلك رغم التحركات التي تقوم بها الجزائر من أجل عرقلة هذا المشروع الضخم الذي يهم أزيد من 13 دولة.
الكابل البحري المغرب-بريطانيا.. ثمرة التوجه نحو الطاقة المتجددة
وضعت المملكة المتحدة خطة لمد كابل تحت سطح البحر، لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، ونقل الطاقة المتجددة من المغرب إلى بريطانيا، بعدما توفرت التمويلات اللازمة، ويربط المشروع بين المغرب وبريطانيا من جهة كلميم واد نون المغربية. ومن المقرر أن تمر الكابلات بكل من البرتغال وإسبانيا وفرنسا لمسافة تتجاوز 3800 كيلومتر. وستتولى شركة “إكس لينكس” مهمة مد الكابلات البحرية لنقل إمدادات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من الصحراء الكبرى إلى سبعة ملايين منزل في بريطانيا بحلول عام 2030.
ومن المقرر أن تزود الشركة أربعة خطوط تحت سطح البحر سيجري تصنيعها من قبل شركة “إكس إل سي سي”. كما أنه من المقرر أن تستمر المرحلة الأولى لبناء الكابل البحري بين عامي 2925 و2027 لربط الطاقة المتجددة المولدة في المغرب بقرية ألفردسكوت بمقاطعة ديفون الشمالية في بريطانيا. كما أن شركة إكس لينكس حصلت على مبلغ قدره 37.36 مليون دولار في جولة تمويلية في أبريل الماضي. إذ ستقدم شركة طاقة الإماراتية حوالي 31.4 مليون دولار منه. في حين أن باقي المبلغ ستقدمه شركة أكتوبوس إنيرجي.
وبالإضافة إلى الحاجة لمد أطول كابل بحري في العالم للتيار المستمر عالي الجهد، تحتاج شركة إكس لينكس للحصول على مزيد من التمويل والاتفاق على عقود تسعير طويلة الأجل، كما أنها تحتاج للأذونات للمرور عبر المياه الإقليمية الإسبانية والفرنسية. ويلعب مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا دوراً مهماً في تمكين نظام الطاقة الذي يفي بالتزام المملكة المتحدة بالحد من الانبعاثات الكربونية وأهداف الحكومة المتمثلة في توفير إمدادات طاقة آمنة وبأسعار معقولة للمستهلكين. كما تتجلى أهميته في توفير حوالي 10 آلاف فرصة عمل في المغرب منها 2000 وظيفة ستصبح دائمة، بالإضافة إلى ذلك، سيساهم المشروع في تحقيق هدف المغرب وطموحاته بأن يكون أحد رواد الطاقة النظيفة في المنطقة العربية وفي العالم، كما أنه يتسق مع استراتيجية المغرب لتصدير الطاقة.
وأوضحت شركة “إكس لينكس” صاحبة مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا أن المشروع سيمكن من توفير 8 من المائة من احتياجات بريطانيا من الكهرباء ومن المنتظر أن يبدأ في تشييد المشروع سنة 2025، على أن تنتهي الاشغال سنة 2029، كما ستقوم الشركة البريطانية ببناء محطة لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة الشمسية والريحية بمدينة كلميم، تغطي مساحة تقريبية تبلغ 150 ألف هكتار وسيتم توصيلها حصريا ببريطانيا عبر كابلات HVDC تحت سطح البحر بطول 3800 كيلومتر.
وحسب الموقع الرسمي للشركة، فإن هذا المشروع سيولد 10.5 جيكا واط من الكهرباء الخالية من الكربون لتوفير 3.6 جيكا واط من الطاقة الموثوقة لمتوسط أزيد من 20 ساعة في اليوم، وهذا يكفي لتوفير طاقة نظيفة ومنخفضة التكلفة لأكثر من 7 ملايين منزل بريطاني بحلول عام 2030، مشيرة إلى أن القيمة الاستثمارية لهذا المشروع تبلغ حوالي 250 مليار درهم، وسيساهم في خلق نحو 2000 منصب شغل.
أربعة أسئلة لمحمد جدري:
«تحقيق الأمن الطاقي لن يتم إلا بالطاقات المتجددة والمغرب يطمح إلى الريادة في المجال»
– ما هي جوانب الارتباط بين الأمن الطاقي وتعزيز الاقتصاد الوطني؟
إن المغرب اليوم لديه رؤية واضحة وهي رؤية 2035، والهدف الأسمى فيها هو مضاعفة الناتج الداخلي الخام من 130 مليار درهم إلى 260 مليار درهم، وهذا الأمر يقتضي أن نسجل في مرحلة أولى معدل نمو 3 في المائة إلى 7 أو 8 في المائة، غير أن تحقيق هذا الهدف ليس بالسهل رغم ما يمكن أن يتم اتخاذه من قرارات اقتصادية بغاية الرفع من معدل النمو هذا، سواء النهوض بقطاع الصناعة وأيضا قطاع السياحة وغيرها من القطاعات، فبدون التحكم في الطاقة فإننا سنكون أمام حلقة مفرغة، وستكون الأسعار المغربية غير تنافسية على المستوى العالمي، ففي سنة 2022 تجاوزت الفاتورة الطاقية للمغرب 15 مليار دولار، وهي نفس التكلفة التي خصصتها روسيا لتنظيم مونديال 2018، وبالتالي فالنهوض بقطاعات الفلاحة وصناعة السيارات والسياحة، وغيرها من القطاعات الاقتصادية، فمن الضروري التحكم في الفاتورة الطاقية، هذا إذا علما أن المغرب لا يتوفر ولا ينتج طاقات أحفورية، وبالتالي فهو يستوردها من الخارج ما يجعل هذه الفاتورة الطاقية مرتبطة لدينا بتقلبات السوق الدولية، وتجدنا نضع أيدينا على قلوبنا كلما ارتفعت أسعار المحروقات في سوق روتردام، وهذا الوضع هو الذي يدفع بنا اليوم للبحت عن «التحرر الطاقي» من خلال التوجه نحو الطاقات المتجددة.
– ما مدى سلامة توجه المغرب نحو الطاقات المتجددة؟
إن المغرب يطمح إلى تعويض كل نقص قد يسببه عدم التوفر على الطاقة الأحفورية (النفط والغاز)، بالاعتماد على الطاقة المتجددة، فغالبية الدول التي تقوت اقتصاديا كما هو الشأن بالنسبة لدول الخليج العربي، قد استعانت بقوة بهذه الطاقات الأحفورية، واليوم المغرب يعي جيدا مستقبل هذه الطاقة التي تتجه للنفاد، وبالتالي فالريادة الطاقية مستقبلا ستكون للطاقات المتجددة، وهذا هو التوجه الذي يذهب فيه المغرب، حيث إن التقارير الدولية تشير إلى أن المغرب في مجال الطاقات المتجددة سيكون من بين الدول الست الأوائل التي ستكون لها الريادة عالميا في الاستثمار في هذا الجانب، وهو الأمر الذي تترجمه الإمكانيات الطبيعية التي يتوفر عليها المغرب، حيث إننا نتوفر على حوالي 230 يوما مشمسا خلال السنة، وهذا الأمر سيتيح استثمارات منتجة في مجال الطاقة الشمسية، كما أن عددا من المناطق المغربية تعرف رياحا قوية تزيد سرعتها عن 80 كيلو متر في الساعة، والأكثر من هذا أن شركة «ايكس لنكس» التي بدأت استثماراتها في المغرب في مجال الطاقة المتجددة، خصوصا في أقاليم الجنوب، ونقل الطاقة المنتجة عبر الكابل البحري نحو بريطانيا، والتي ستتجاوز في طولها 3000 كيلومتر، والتي ستزود حوالي 7 ملايين أسرة في بريطانيا بالطاقة الكهربائية، ستنجز حقولا تضم الألواح الشمسية وأيضا المراوح الريحية وهو الأمر الذي سيمكنها من إنتاج الطاقة على مدار اليوم.
بالوقوف على لغة الأرقام، فالمغرب يطمح إلى أن يكسب نسبة 4 في المائة من رقم المعاملات في الطاقة المتجددة على مستوى العالم في حدود سنة 2050، وهو ما سيحقق في مرحلة أولى حوالي 22 مليار درهم سنة 2030، لينتقل إلى 330 مليار درهم سنة 2050، وهذا هو ما يخطط المغرب لتحقيقه في هذا المجال.
– ماذا بشأن تفعيل عرض المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر؟
إن خارطة طريق المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر تمتد على مدى ثلاثين سنة، وهي التي تمتاز بثلاث مراحل من 2020-2030، و2030-2040، ثم 2040-2050، و المغرب في هذا الجانب يطمح إلى أن تكون له عصا السبق في المجال، وذلك باستغلال البنية التحتية المتوفرة حاليا، في مجال الطاقات المتجددة، إذ لا يمكن الحديث عن إنتاج الهيدروجين الأخضر دون التوفر على بنيات الألواح الشمسية وحقول مراوح الرياح، وهي البنية التي تتوفر لدى المغرب، من خلال عدد منشآت مثل نور 1 و2 و3 وحقول المراوح في الشمال والجنوب، ولعل هذا ما يفسر أنه لما قام المغرب بإعلان إبداء الاهتمام بطلبات العروض في مجال الهيدروجين الأخضر، عبرت أكثر من مئة شركة دولية عن رغبتها في التقدم، وبالتالي فنحن أمام سوق واعدة في المجال، والمغرب رائد على المستوى الإقليمي في مجال الطاقة المتجددة عبر الألواح الشمسية والمراوح الريحية، وهو الأمر الذي يشجع دوليا على الاستثمار في إنتاج الهييدروجين الأخضر في المغرب، بخلاف بعض الدول المنافسة مثل إيرلندا التي تواجه عائق المساحة، ومشكل العقار لوضع الألواح الريحية وألواح الطاقة الشمسية، وعرض المغرب يرتكز على هذا الجانب، من خلال عزمه توفير حوالي مليون هكتار من المساحة، وهذا ما يستقطب مجموعة كبيرة من المستثمرين، ويكفي الإشارة إلى أن ألمانيا قد دخلت على خط الرغبة في الاستفادة من الكابل البحري إلى جانب بريطانيا، لنعرف مدى قوة المنافسة في هذا المجال، وهنا وجب التركيز على عدد من التحديات التي تواجه الطموح المغربي في هذا المجال، وأول هذه التحديات هو تحدي الزمان، حيث إن المغرب وإن كان ذا سبق في المجال إلا أن العديد من الدول بدأت تشتغل بقوة على هذا الجانب، زيادة على تحدي اليد العاملة، حيث سيكون المغرب مطالبا بتوفير اليد العاملة المؤهلة في المجال مع تنامي الاستثمارات التي سيتم استقطابها.
– ماذا بخصوص دور مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجريا في تعزيز الأمن الطاقي بالمغرب؟
بطبيعة الحال، المغرب يعي جيدا أنه لا يمكن تحقيق أمن طاقي بين عشية وضحاها، كما لا يمكن التعويل على استراتيجية طاقية وحيدة، ونحن نطمح إلى أنه في أفق 2030، سنحقق مزيجا طاقيا يكون 52 في المائة منه من الطاقات المتجددة، وهذا يعني أن 48 في المائة المتبقية ستكون من الطاقات الأحفورية، وهذا ما يجعل المغرب ماض في توجهه من أجل إنجاز مشروع أنبوب الغاز هذا، والذي من شأنه أن يساعد في تغطية حاجيات المغرب في الكهرباء، وأن يكون بديلا للغاز الروسي في أوروبا، ولا يمكن القول إننا سنعول اليوم فقط على الطاقات المتجدد لإنتاج الكهرباء.
هذا إلى جانب كون المغرب يطمح لأن يصبح من الدول التي تؤثر في القرار السياسي الدولي من خلال الطاقة، واليوم المغرب من خلال تقرير حديث، فهو من الدول الخمسين الأكثر تأثيرا في مجال القوة الناعمة، هو السابع عربيا والثاني إفريقيا، ومن الأمور التي ساهمت في هذا الارتقاء هو أن المغرب قد ارتقى عشر نقاط بين سنة 2022 وسنة 2023 بفضل الطاقة المتجددة، وهو الأمر الذي يظهر مدى أهمية هذا المجال حتى في الجانب الدبلوماسي.
*خبير ومحلل اقتصادي