المغرب وألمانيا نور في نهاية النفق
بدأت تظهر بعض المؤشرات الإيجابية حول طَي صفحة الخلاف الدبلوماسي بين المغرب وألمانيا، حيث تبادل البلدان في الآونة الأخيرة إشارات إيجابية، كان آخرها ما ورد في الرسالة التي وجهها الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إلى الملك محمد السادس، والتي تضمنت مواقف مهمة لصالح المغرب، منها التأكيد على إشادة ألمانيا بالإصلاحات الواسعة التي تم إطلاقها تحت القيادة الملكية، وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي «أساسا جيدا» لتسوية قضية الصحراء المغربية، كما تعبر عن «امتنانها للانخراط الفعال لصاحب الجلالة من أجل عملية السلام بليبيا»، فهل ستشكل هذه الرسالة بداية نهاية الأزمة الدبلوماسية بين البلدين؟
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
بعد الإشارات الإيجابية التي بعثتها وزارة الخارجية الألمانية لطي الخلاف الدبلوماسي بين برلين والرباط، توصل الملك محمد السادس برسالة من الرئيس الألماني فرانك والتر شتينماير، بمناسبة حلول السنة الجديدة 2022، تضمنت العديد من الإشارات الإيجابية لطي الخلاف الدبلوماسي بين البلدين، لتنضاف إلى الإشارات السابقة التي بعثتها وزارة الخارجية الألمانية، حين أكدت رغبتها في عودة العلاقات الدبلوماسية مع الرباط إلى سابق عهدها، وأوضحت أنه «ينبغي أن تعود البعثات الدبلوماسية في الرباط وبرلين، بأسرع ما يمكن، إلى قنواتها المهنية المعتادة للتواصل»، وشددت الدبلوماسية الألمانية على ضرورة الدفع بالعلاقات بين البلدين إلى الأمام، وذلك عن طريق الحوار.
وعقب ذلك، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، عن ترحيب المملكة المغربية بالإعلان الإيجابي والمواقف البناءة التي تم التعبير عنها مؤخرا من قبل الحكومة الفدرالية الجديدة لألمانيا، وأكدت الوزارة في بلاغ لها أن التعبير عن هذه المواقف يُتيح استئناف التعاون الثنائي وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين بالرباط وبرلين إلى شكله الطبيعي، وأضافت الوزارة، أن المملكة المغربية تأمل أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل.
رسالة الرئيس الألماني
بعد الموقف الإيجابي الذي أعلنت عنه وزارة الخارجية المغربية، جاءت رسالة الرئيس الألماني الموجهة للملك محمد السادس، والتي أكد من خلالها أن المغرب شهد إصلاحات واسعة تحت قيادة الملك محمد السادس، مذكرا بـ»دعم ألمانيا المستمر والقوي للتطور الرائع في المغرب»، وأضاف الرئيس الألماني «أثمن عاليا مبادراتكم المبتكرة في مكافحة التغير المناخي وفي مجال التحول الطاقي»، مبرزا أنه «بفضل التطور الديناميكي لبلدكم، أصبح المغرب موقعا مهما للاستثمار بالنسبة للمقاولات الألمانية بإفريقيا».
وأشار بلاغ الديوان الملكي إلى أن الرئيس الألماني شتاينماير وجه دعوة إلى الملك محمد السادس للقيام بـ «زيارة دولة إلى ألمانيا»، من أجل «إرساء شراكة جديدة بين البلدين»، كما أشار شتاينماير في رسالته إلى الملك محمد السادس، بخصوص قضية الصحراء المغربية، أن ألمانيا «تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق لهذا النزاع الاقليمي»، كما ذكر بـ»دعم ألمانيا، منذ سنوات عديدة، لمسلسل الأمم المتحدة من أجل حل سياسي عادل ودائم ومقبول من كافة الأطراف».
وحرص الرئيس الألماني على إبراز الدور المهم للمملكة على المستوى الإقليمي، مضيفا في هذا الصدد «أشيد بالمساهمة الكبيرة لبلدكم من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة»، وفي هذا الإطار، سجل «الالتزام المتفرد للمغرب في مجال محاربة الإرهاب الدولي، وهو أمر ضروري بالنسبة لألمانيا وأمنها»، وزاد «نعتبر، أيضا، النموذج المغربي لتكوين الأئمة بمثابة عنصر واعد من شأنه القضاء على التطرف»، كما ختم رسالته إلى الملك محمد السادس بالقول «إن بلدي وأنا شخصيا، ممتنون لكم للغاية على انخراطكم الفعال من أجل مسلسل السلام في ليبيا».
الحكومة ترحب بالإشارات الإيجابية
أكد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، يوم الخميس الماضي، أن الحكومة تلقت بـ»كثير من الارتياح» الإشارات الإيجابية التي انطوت عليها رسالة الرئيس الألماني إلى الملك محمد السادس بمناسبة السنة الجديدة.
وقال بايتاس، خلال لقاء صحفي عقب انعقاد مجلس للحكومة برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إن «الحكومة تلقت بكثير من الارتياح التصريحات الإيجابية والهامة التي عبرت عنها الحكومة الألمانية، وكذا الرسالة التي وجهها الرئيس الألماني إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس».
وسبق للناطق الرسمي باسم الحكومة التأكيد على الموقف المغربي الوارد في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الذي أفاد بأن المملكة ترحب بالتصريحات الإيجابية والمواقف البناءة التي عبرت عنها الحكومة الفدرالية الجديدة لألمانيا، مشيرا إلى أنه من شأن هذه التصريحات أن تتيح استئناف التعاون الثنائي وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين بالرباط وبرلين إلى شكله الطبيعي.
رسائل الحكومة الألمانية
وجهت الحكومة الألمانية الجديدة إشارات إيجابية تُبشر بعودة الدفء للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في أعقاب أزمة استمرت لأشهر، حين أكدت وزارة الخارجية الألمانية، رغبتها في عودة العلاقات الدبلوماسية مع الرباط إلى سابق عهدها، وأوضحت أنه «ينبغي أن تعود البعثات الدبلوماسية في الرباط وبرلين، بأسرع ما يمكن، إلى قنواتها المهنية المعتادة للتواصل»، وشددت الدبلوماسية الألمانية على ضرورة الدفع بالعلاقات بين البلدين إلى الأمام، وذلك عن طريق الحوار.
وقبل إصدارها لهذه المواقف، أشادت ألمانيا بدور المغرب في تنمية واستقرار المنطقة، وقالت إن المغرب هو حلقة وصل مهمة بين الشمال والجنوب، مؤكدة أن المملكة شريك محوري للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا، فيما سجل المغرب عبر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ترحيباً بما وصفه بـ»التصريحات الإيجابية» و»المواقف البناءة» لألمانيا، وأكدت الوزارة أن هذه التصريحات من شأنها إتاحة استئناف التعاون الثنائي بين البلدين، بالإضافة إلى عودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين، بالرباط وبرلين، إلى شكلها الطبيعي، حسب الوزارة التي أضافت أن الرباط تأمل في أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال، بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة فعلية للعلاقات، على أساس الوضوح والاحترام المتبادل.
وفي هذا السياق، قال الموساوي العجلاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن «هناك خريطة جيوسياسية جديدة تبنى في المنطقة، وهناك بعض الدول التي تعاملت مع الأمر وتفاعلت معه بشكل إيجابي، وهناك دول حافظت على توجهها التقليدي في التعاطي مع التغيرات الإقليمية، وهو الأمر الذي يتعلق بدول غرب أوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا وإسبانيا»، يشير العجلاوي، موضحا في اتصال هاتفي أجرته معه «الأخبار» في وقت سابق، أن «المغرب يشتغل بتوجه دبلوماسي ينبني على الوضوح، وهو ما كان وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة قد عبر عنه»، مبينا أن «هناك توجه دولي يقول إن مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء المغربية، وغيره مستحيل، وإلا فالحرب لن تكون في صالح الجميع، ولهذا فالمغرب يقول إنه فتح بابا لهذه الدول كي لا تقف في المنطقة الرمادية، ومن هذا المنطلق المغرب اتخذ مواقفه من تلك الدول بما فيها ألمانيا، خصوصا أن برلين كانت سباقة إلى الدعوة إلى اجتماع لمجلس الأمن وعبرت عن رفضها للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء»، مشددا على أن «الواضح أن ألمانيا من خلال الحكومة الجديدة تعيد بناء علاقتها مع المغرب، ولهذا وجهت رسائل لعودة الدفء للعلاقات، وبدوره المغرب اختار تاريخ 21 من دجنبر للتجاوب مع الود الألماني، وهذا التوقيت الذي يتزامن مع الذكرى الأولى للاتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي، يحمل دلالات سياسية قوية».
سفارة ألمانيا تنفي استهداف المغرب
نفت السفارة الألمانية في الرباط، أية علاقة للسلطات الألمانية بتقرير تناقلته مجموعة من المواقع الإخبارية المغربية، يتضمن معلومات تستهدف المغرب، مؤكدة أنها تسعى إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، ونشرت السفارة، على صفحتها على «فايسبوك»، بيانا تنفي فيه ما جاء في المقالات المذكورة، حيث علقت السفارة: «في الأيام القليلة الماضية، كما في الماضي، نشرت معلومات كاذبة حول العلاقات الألمانية المغربية بطرق مختلفة… هذه المرة كان السبب أخبار مزعومة حول تقرير مخابراتي منسوب للباحثة السويسرية إيزابيل فيرينفيلس».
ونفت السفارة الألمانية أية علاقة لسلطات بلادها بالباحثة المذكورة، حيث كتبت: «إن السيدة فيرينفيلس ليس لها قطعا أي علاقة بجهاز الاستخبارات الفيدرالي، فهي خبيرة في الشؤون المغاربية معترف بها، حيث تشتغل في مركز الأبحاث المستقل للعلوم والسياسة». وأضاف البيان «إن الأخبار المتداولة في الأيام الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا في بعض الصحف كاذبة وليس لها أي أساس من الصحة»، وتابع البيان مؤكدا أهمية العلاقة مع المغرب: «المملكة المغربية شريك محوري لألمانيا… من وجهة نظر الحكومة الاتحادية، من مصلحة كلا البلدين العودة إلى العلاقات الدبلوماسية الجيدة والموسعة تقليديا. ألمانيا مستعدة لشراكة تتطلع للمستقبل على قدم المساواة، كما ترحب الحكومة الاتحادية بشكل جلي بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل».
خلفيات وأسباب الأزمة
أفاد بلاغ سابق صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، بأنه تم استدعاء سفيرة المملكة المغربية بألمانيا للتشاور بسبب تطور الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وأوضح البلاغ أن جمهورية ألمانيا الاتحادية راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة، حيث سجلت ألمانيا موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية، إذ جاء هذا الموقف العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأمريكي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما يعتبر موقفا خطيراً لم يتم تفسيره لحد الآن؛
وبالمثل، يضيف البلاغ، تشارك سلطات هذا البلد في مقاضاة أحد المدانين السابقين بارتكاب أعمال إرهابية، بما في ذلك كشفها عن المعلومات الحساسة التي قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية، وبالإضافة إلى ذلك، هناك محاربة مستمرة، ولا هوادة فيها للدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب، وتحديدا دور المغرب في الملف الليبي، وذلك بمحاولة استبعاد المملكة من دون مبرر من المشاركة في بعض الاجتماعات الإقليمية المخصصة لهذا الملف، كتلك التي عقدت في برلين.
وكان المغرب قد قرر قطع جميع العلاقات وآليات التواصل مع سفارة ألمانيا بالرباط، حسب ما أكدته مراسلة لوزير الخارجية، ناصر بوريطة، موجهة إلى رئيس الحكومة، وطلب منه ومن كل الوزراء تعليق جميع آليات التواصل مع السفارة الألمانية في الرباط والمنظمات الألمانية المانحة.
وأشارت الرسالة إلى سوء تفاهم عميق مع ألمانيا في قضايا أساسية تهم المملكة المغربية، ودعا بوريطة القطاعات الحكومية الوزارية المغربية إلى وقف أي اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية وكذلك منظمات التعاون والمؤسسات السياسية الألمانية التي لها علاقة بالسفارة، وشددت المراسلة على أن أي رفع لهذا التعليق، لا يمكن أن يتم إلا بموافقة واضحة من وزير الخارجية.
وجه رسائل قوية للأوروبيين من مقر البرلمان
وجه ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، رسالة قوية من مقر البرلمان إلى دول الاتحاد الأوروبي، بدعوته لبلدان الاتحاد بالابتعاد عن منطق المساومة وابتزاز المغرب بملف وحدته الترابية، مؤكدا أن أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة الوطنية على كافة التراب المغربي.
واعتبر بوريطة في رده على مداخلات النواب البرلمانيين، في أثناء مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته في اجتماع لجنة الخارجية بمجلس النواب، حسب ما جاء في تقرير اللجنة، بخصوص اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، أن المغرب ينبغي أن يتخلص من منطق المساومة الذي تنهجه أوروبا من حين لآخر، مشيرا بهذا الخصوص إلى أن أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة المغربية، كمنطلق لأي اتفاق، كما حث على ذلك الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. وأكد بوريطة على ضرورة إيجاد بدائل أخرى لاتفاقيات جديدة تحترم السيادة المغربية.
وأفاد الوزير ذاته في عرض قدمه أمام اللجنة البرلمانية، أن المغرب تمكن في السنتين الأخيرتين من تحقيق مكاسب وازنة في شراكته مع الاتحاد الأوروبي، سيما بتكريس سيادته على كافة إقليمه الوطني من خلال التوقيع على اتفاقي الفلاحة والصيد البحري في صيغتيهما الجديدتين، وباعتماد الإعلان السياسي حول «الشراكة الأوروبية المغربية للرخاء المشترك». واعتبر بوريطة أن هذه الدينامية المتجددة مع الشريك الأوروبي، تتطلب تعزيز التنسيق واليقظة في مواجهة بعض المناورات الرامية إلى تقويضها، من قبيل لجوء مرتزقة «البوليساريو» إلى الطعون الواهية ضد الاتفاقيات.
لذلك، يضيف بوريطة، تواصل الوزارة عملها بهدف تحصين تلك الشراكة، وإجهاض المناورات العدائية على المستويين السياسي (التنفيذي والتشريعي) والقضائي. وفي هذا الإطار، تعمل الوزارة على حشد الدعم الضروري داخل مؤسسات الاتحاد والدول الأعضاء قصد إفشال مخططات المرتزقة، عبر توظيف استراتيجية عمل مشتركة تروم تدبير نتائج الحكم الابتدائي الأخير الصادر في 29 شتنبر 2021، والإعداد لمرحلة الاستئناف التي يتوخى من خلالها المغرب والاتحاد الأوروبي تصحيح الاختلالات وإعادة الأمور إلى نصابها كما حدث سالفا، حفاظا على المكتسبات والمصالح العليا للمملكة.
كما ستواصل الوزارة حوارها السياسي رفيع المستوى مع أقطاب الاتحاد الأوروبي، ومواكبة كافة أوجه وميادين التعاون القطاعي بين مختلف الفاعلين، أخذا بعين الاعتبار مصلحة الطرفين، فضلا عن وضع شراكات قوية، خاصة في ما يتعلق بقطاعات المستقبل کالبحث العلمي والطاقات المتجددة والرقمنة. وستتبع الوزارة عن كثب تفعيل استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن سياسة الجوار الأوروبية، سيما في شقيها الثنائي والأورومتوسطي، والبرمجة المالية ذات الصلة، سيما وأن المغرب يستفيد من 7 من أصل 12 مشروعا رئيسيا في جدول أعمال الاستراتيجية الجديدة، كاعتراف من هذا الشريك بالمكانة المتميزة والدور الريادي اللذين يحظى بهما المغرب، كفاعل جهوي مسؤول وذي مصداقية في الفضاء المتوسطي.
وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أن انخراط المملكة المغربية في شراكات متنوعة، يعكس المكانة المتميزة التي تحظى بها على الصعيد الدولي، وذلك بفضل استقرارها الراسخ وموقعها المتميز واستقرار سياستها الخارجية. وفي هذا الإطار، كشف بوريطة أن المغرب سيواصل تعزيز هذه الشراكات بما يتلاءم ليس فقط مع التطورات الإقليمية والدولية فحسب، وإنما الوطنية منها خاصة، وذلك بجعل هذه الشراكات تتمحور حول النموذج التنموي الجديد وتتهيكل على أساسه.
*أستاذ باحث متخصص في العلاقات الدولية
حسن بلوان* : «الموقف الألماني الجديد نجاح للدبلوماسية المغربية»
يرى حسن بلوان، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، أن المواقف الأخيرة الصادرة من الجانب الألماني والتي تؤشر على عودة الدفء للعلاقات الثنائية مع المغرب «تؤشر على مجموعة من الرسائل الإيجابية التي ستطبع العلاقات المغربية الألمانية خلال السنوات المقبلة، بعد شهور من التوتر الذي تسببت فيه الحكومة السابقة بقيادة أنجيلا ميركل»، حسب بلوان، الذي أضاف في تصريح لـ«الأخبار» أن «هذا التغير في الموقف الألماني جاء كنتيجة حتمية للدينامية الجديدة التي تعرفها الدبلوماسية المغربية، التي لا تتوانى في الرد القوي عندما يتعلق الأمر بالصحراء المغربية كقضية مقدسة عند جميع المغاربة»، مردفا أنه «لا شك أن تحسن العلاقات بين البلدين سيمثل إضافة نوعية للنجاحات التي حققها المغرب في قضية الصحراء المغربية، بحكم الوزن والثقل الاقتصادي والسياسي الذي تشكله ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي؛ وهو الذي سيدفع دولا أخرى للسير في طريق الطي النهائي للنزاع المفتعل».
في السياق ذاته، قال بلوان إن «ألمانيا وعت بأن الدخول إلى إفريقيا اقتصاديا لن يكون إلا عبر بوابة المغرب»، مبينا أنه «من الصعب أن نتحدث عن حصول إجماع في أوروبا حول قضية الصحراء، لكن هناك اقتناع راسخ لدى معظم الدول الأوروبية أن أطروحة الانفصال مآلها الزوال»، مشددا على أن «خطة الحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد الذي يمكن أن يحفظ جميع الحقوق المشروعة للمغرب والمغاربة، خاصة سكان الأقاليم الجنوبية»، مبينا أن «الموقف الألماني السابق قد أثر في الموقف الأوروبي خصوصا بعد اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء، لكن الموقف الألماني اليوم موقف مهم وسيساهم في تحسين العلاقات المغربية الأوروبية، مضيفا قوله «أعتقد أن هناك مجموعة من الأسباب دفعت الحكومة الألمانية الجديدة إلى المبادرة بحل الأزمة مع المغرب، حيث إن تقارير استخباراتية ألمانية أكدت أن المغرب بات قوة اقتصادية مهمة، وهذا هو المدخل الذي دفع الحكومة الألمانية إلى تغيير موقفها تجاه المغرب والتعبير عن رغبتها في التقارب وبناء علاقات ثنائية قوية».
ووفق المحلل السياسي ذاته، تكمن أيضا الأسباب في الموقف الألماني الجديد في «تشبث المملكة بمغربية الصحراء، باعتبارها قضية مقدسة غير قابلة للتفاوض أو النقاش، ودفاع الرباط المستميت عن هذا المبدأ أمام جميع شركائه الأوروبيين، وهو ما تلقفته الحكومة الألمانية الجديدة»، مضيفا أن هناك داعيا آخر مرده إلى «وعي ألمانيا في ظل هذه الحكومة بدور المغرب الاستراتيجي كمدخل أساسي للقارة الإفريقية، وكقوة مؤثرة في غرب المتوسط لا يمكن تهميشها أو التقليل من دورها، خاصة في القضايا الإقليمية المستجدة بليبيا ومنطقة الساحل والصحراء». وزاد بلوان أن من أسباب تغيير الموقف الألماني «استمرار النجاحات والاختراقات التي راكمتها الدبلوماسية المغربية في أوروبا الشرقية كمنطقة مهمة لألمانيا، وبالتالي الوعي بأن أطروحة الانفصال أصبحت معزولة دوليا وإقليميا، وأن أي حل للقضية الوطنية لا يمكن إلا عبر مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي».
وشدد بلوان على أن الموقف الجديد هو «قراءة جديدة من ألمانيا لمفاتيح التوازنات الإقليمية في حوض البحر الأبيض المتوسط، واقتناع بكون المملكة المغربية شريك موثوق وله مصداقية لدى جميع الشركاء الأوربيين»، مبينا أن الموقف الجديد لألمانيا «يعتبر نجاحا واختراقا جديدا للدبلوماسية التي تشهد دينامية كبيرة بقيادة جلالة الملك».
إشادة ألمانية بطي الخلاف الديبلوماسي مع المغرب
مباشرة بعد الرسالة التي وجهها الرئيس الألماني، رانك فالتر شتاينماير، إلى الملك محمد السادس، والتي تضمنت العديد من الإشارات الإيجابية حول عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، تفاعلت وسائل الإعلام الألمانية مع الحدث، وأشادت بالدور الذي لعبته وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة أنالينا بيربوك في تحقيق ذلك.
وقالت صحيفة “إكسبريس” الألمانية إن الوزيرة أنالينا بيربوك، التي تولت حقيبة الخارجية في الحكومة الجديدة مطلع دجنبر الماضي فقط، أحدثت ثورة ديبلوماسية في السياسة الخارجية الألمانية، عكس الجمود الذي كانت عليه في عهد وزير الخارجية السابق في حكومة أنجيلا ميركل، هايكو ماس، مشيرة إلى أن العلاقات بين الرباط وبرلين عرفت جمودا تاما لعدة أشهر، قبل أن تأتي الوزيرة الجديدة وتغير كل شيء بنقرة واحدة.
وأضافت الصحيفة ذاتها أن وزيرة الخارجية الألمانية سجلت أول نجاح مهم لها بعد وقت قصير فقط من أدائها اليمين في الثامن من دجنبر الماضي، مذكرة كذلك بأن الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة المستشار أولاف شولتس، قامت بتحديث تعريفها للمغرب عبر موقعها على الإنترنت، حيث أشادت بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وتعتبر المملكة رابطا مهما بين الشمال والجنوب سياسيا، ثقافيا واقتصاديا، وشريكا مركزيا للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا.
من جهتها، قالت صحيفة “دي فيلت” الألمانية ذائعة الصيت، إن الحكومة الألمانية الجديدة، وبعد بضعة أشهر على توليها المسؤولية، بصمت على النجاح الأول في السياسة الخارجية، من خلال إعادة العلاقات مع المغرب والتي كانت قد توقفت منذ مدة في عهد حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.
وبدوره قال أندرياس وينزل، العضو المنتدب لغرفة التجارة الألمانية في الرباط، في تصريح للصحيفة ذاتها: «يبدو أن التوتر بين الجمهورية الاتحادية والمملكة المغربية انتهى أخيرًا»، مضيفا «الآن أصبحت آفاق المستقبل إيجابية مرة أخرى، ففي النهاية لدى كلا البلدين الكثير ليقدماه لبعضهما».
ثلاثة أسئلة
محمد زين الدين*
*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية
«عودة الدفء لعلاقات المغرب وألمانيا ستخدم ملف الصحراء بشكل إيجابي»
ما المؤشرات الجديدة التي حملتها رسالة الرئيس الألماني إلى الملك محمد السادس؟
المواقف الأخيرة التي صدرت من ألمانيا بخصوص العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، تأتي مباشرة بعد رحيل المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، التي تميزت العلاقة بين البلدين في عهدها بنوع من البرودة الدبلوماسية، وأحيانا التشنج في مواقف عديدة، بفعل رؤية الهيمنة التي كانت تحملها ميركل، والتي برزت في محطات متعددة، كان موقف المغرب تجاهها، في المقابل، موقف الكياسة والدبلوماسية والتريث وعدم التسرع. وكان الخلاف بدأ بطفو إلى السطح مع الموقف الألماني غير المفهوم بخصوص الدور المغربي في القضية الليبية التي كان فيها رفض حضور المغرب طرفا أساسيا في مؤتمري برلين 1 وبرلين 2، دون إغفال العلاقات الاقتصادية التي بدأت تتقوي بين ألمانيا والجزائر، بالإضافة إلى الموقف الألماني من قضية الوحدة الترابية للمملكة، وبالتالي فكل هذه الأمور رأى فيها المغرب، حينها، أنها لا تنسجم مع طبيعة العلاقات الثنائية التي تجمع المغرب وألمانيا.
إن طي صفحة المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، كان يحمل مؤشرات إيجابية على أن العلاقات الثنائية بين البلدين ستدخل منطقة إيجابية، بالنظر إلى الدور الطلائعي الذي يلعبه المغرب على صعيد أكثر من مستوى، وكان خطأ استراتيجيا من ألمانيا أن تمشي في اتجاه تسميم علاقتها مع المغرب، باعتباره فاعلا إقليميا قويا على عدة أصعدة، في منطقة تعج بالعديد من الأقطاب، وهي المنطقة التي لدى ألمانيا مصالح كبيرة فيها. لذلك فعودة الدفء إلى العلاقات المغربية- الألمانية هي تصحيح لمسار كان يجب أن يكون على هذا النحو، وهو ما نستشفه في رسالة الرئيس الألماني، الذي قال إن المغرب يلعب أدوارا مهمة جدا على مستوى المنطقة المغاربية، وعلى مستوى استتباب الأمن والسلم، كما أشاد بالإصلاحات الهادفة التي قام بها المغرب.
ما مرد هذا التحول في الموقف الألماني تجاه العلاقة مع المغرب؟
إن التحول المهم جدا هو الموقف الألماني من قضية الوحدة الترابية للمملكة، حيث اعتبر الرئيس الألماني أن الحكم الذاتي مبادرة ذات مصداقية وذات جدية، وهذا تحول مهم جدا سيكون له تأثير، خصوصا ونحن نعرف جيدا دور ألمانيا على المستوى الأوربي، فهي فاعل أساسي في الاتحاد الأوربي، وتحمل وزنا كبيرا في الاتحاد إلى جانب فرنسا، وهذا التحول راجع بالأساس إلى موقف المغرب القوي، والذي أكد على أنه لن تعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ما لم تتراجع ألمانيا عن مواقفها، وهو الأمر الذي تم أساسا على مستوى المواقف، وننتظر أن يتجسد تناسق بين الموقف والفعل الألماني، خصوصا أن المستشار الألماني الجديد معروف بطابعه البرغماتي وتحديدا البرغماتية النفعية، كما أن الأحزاب المشكلة للحكومة غير معروف عنها مواقف راديكالية.
إن رسالة الرئيس الألماني إلى الملك محمد السادس كانت من أجل تذليل العقبات وإذابة الجليد في العلاقات الثنائية، بالنظر إلى الدور الأساسي والاستراتيجي للمغرب في المنطقة، وما كان يؤاخذ على ألمانيا أنها كانت تتخذ مواقف عدائية، بل إن ممارستها الدبلوماسية كانت في بعض الأحيان ضد المصالح الجيواستراتيجية في المغرب، واليوم ربما يتغير الوضع من خلال ما عبر عنه الخطاب الرسمي الألماني، لكن، كما أشرت، يبقى الفعل هو الحكم، خصوصا أن التاريخ القريب يضم عددا من المواقف التي اتخذتها ألمانيا وكانت مناوئة للوحدة الترابية للمغرب داخل الاتحاد الأوربي، وسبق أن دعت إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعيد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
ما التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن يحملها الموقف الألماني الجديد لملف الصحراء المغربية؟
لا يجب، والحال هذه، وفي العلاقات الدبلوماسية بشكل عام، الوقوف عند الخطاب بل ما سيصدر من أفعال ستكون هي الحكم، فإذا اتجهت ألمانيا نحو مناصرة الوحدة الترابية للمغرب، فهذا الأمر سيحمل تأثيرات إيجابية كبيرة جدا على الملف برمته لصالح المغرب، فلا يجب أن ننسى أن ألمانيا الاتحادية قوة اقتصادية كبيرة جدا، كما أنها القائدة للاتحاد الأوروبي، وهي حامية لحمة هذا الاتحاد، وبالتالي فهذا التحول سيكون له تأثير قوي وإيجابي جدا على ملف الوحدة الترابية للمملكة، خصوصا إذا ربطنا هذا بالموقف الفرنسي المساند للمغرب ومبادرة الحكم الذاتي، وهو ما عبرت عنه فرنسا في عدة مناسبات، وسيكون الثقل على الطرف الثالث وهو إسبانيا، وهذه الأطراف الثلاثة (ألمانيا، فرنسا وإسبانيا)، هي الدول التي سيكون لها تأثير قوي في ملف الصحراء المغربية. فالرسالة التي صدرت عن الرئيس الألماني تحمل طابع الأهمية باعتبار المكانة السياسية والحضور القوي لرئيس الدولة في السياسة الألمانية، وهذا الموقف الألماني لم يأت اعتباطا، بل بعد الموقف الصارم للمغرب بأنه لن تكون هناك علاقات ثنائية بناءة بين الرباط وبرلين، دون أن تغير ألمانيا من مواقفها تجاه ملف الصحراء المغربية.