المغرب في مواجهة تداعيات جائحة كورونا 2.2
محمد زين الدين
يجد تدعيم المقاولة الوطنية لأنها مورد أساسي في جلب العملة الصعبة، خصوصا بعد إمكانية تراجع مداخيل مغاربة الخارج، كما أن في هذا الدعم للمقاولة الوطنية تأمين لليد العاملة المغربية، صحيح أنه من الصعب جدا تحريك عجلة المقاولات المغربية في ظل مناخ اقتصادي دولي صعب، لكن ليس هناك من خيار سوى السير قدما في دعم المقاولة الوطنية، فالأمر لا بد مما ليس منه بد.
كما ينبغي الحرص على ضمان الحد الأدنى من الطلب الداخلي، لأنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الاقتصاد الوطني سيتعافى كليا خلال الأشهر الثلاثة القادمة، كما أن الترويج لسياسة تقشفية مثلما روجت لها الحكومة مع بداية هذه الأزمة، سيكون خطأ قاتلا.
إن عالم ما بعد كورونا يؤشر على إقبار لتلك المفاهيم المتمحورة حول التحكم التام في عجز الميزانية العامة، فقد تتبعنا كيف سعت دول كبرى إلى تجاوزات غير مسبوقة في عجز ميزانياتها، كما أن نسب التوقع التي وضعت في قانون المالية ستتبخر أمام الأرقام الصادمة اقتصاديا والمؤثرة اجتماعيا، والمغرب ليس بمعزل عن هذا التوجه؛ بحيث لا بد من القيام بإجراء قانون مالية تعديلي يستحضر مختلف هذه التداعيات المستجدة.
جانب آخر يسترعي الانتباه في استحضار خلاصات أزمة كورونا، يتمثل في ضرورة استمرار دعم الأمن الغذائي لأن المسألة تتعلق بقطاع استراتيجي، بحيث لابد من الآن التفكير في سبل ضمان اكتفاء ذاتي يغطي مختلف المواد الغذائية.
أما على مستوى العلاقات التجارية، فالمغرب مطالب بأن يعيد النظر بشكل كبير في اتفاقياته الدولية في ضوء المتغيرات التي سيحدثها عالم ما بعد كورونا، فحتى لو لم يتفش الفيروس في المنطقة الأورومتوسطية، فإن تداعياته الاقتصادية والاجتماعية أصبحت بادية للعيان، فبمجرد بداية هذه الأزمة حتى تم إغلاق كلي للحدود بين مختلف دول المنطقة، وقد واكب هذا الإغلاق تغيير كبير في العلاقات الاقتصادية بين دول هذه المنطقة، كما أن الأضرار الناجمة عن هذه الجائحة ستدفع الدول إلى المزيد من الحمائية والانكماش الاقتصادي، كما أن مختلف الشركاء الاستراتيجيين للمغرب تضرروا بنسب كبيرة من هذه الجائحة، فإسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب تضررت بشكل كبير من هذه الجائحة اقتصاديا واجتماعيا، والملاحظة نفسها تنطبق على فرنسا، الأمر الذي سيدفع هذه الدول إلى ممارسة مزيد من الحمائية واستغلال الأطراف الأخرى، أضف إلى ذلك أن إمكانية تفشي هذا المرض في الدول الإفريقية ستصعب بشكل كبير من فقدان السيطرة على الهجرة غير النظامية، والتي يلعب المغرب دورا رائدا لمواجهتها، فكل هذه الاعتبارات تحتم على المغرب أن يعيد النظر في مختلف اتفاقياته مع الشريك الأوربي.
أمام هذه الوضعية يطرح على الدولة المغربية تحديين أساسيين: أولهما إعادة الروح إلى الاقتصاد الوطني، وثانيهما ضمان سلامة المواطنين والمجتمع من إمكانية حدوث موجة جديدة لهذه الجائحة العالمية، الأمر الذي يفرض وضع خطة شمولية للتعايش مع هذا الفيروس، تستحضر جوانب تدبيرية واحترازية وتحسيسية، وتحقق قدرا كبيرا من الالتقائية والاستباقية والتناسق، ومراعاة خصوصية كل قطاع مقاولاتي على حدة، فخصوصية القطاع الخدماتي ليست هي نفسها خصوصية القطاع الصناعي، كما ينبغي هنا استحضار الحيز الزمني الخاص بكل قطاع، فما ينطبق على قطاع السياحة مثلا زمنيا ليس هو الأمر نفسه بالنسبة إلى القطاع الصناعي.
إلى جانب أن الخطة ينبغي أن تراعي عدم التراخي في التعاطي مع تداعيات هذه الجائحة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مع استحضار عنصر التدرج والحذر، فأكثر الدول تضررا من هذه الجائحة بدأت تروج لفكرة تخفيف إجراءات الحجر الصحي بكيفية متدرجة كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لتجاوز العجز الخطير الذي أصبح يهدد اقتصاداتها، مثلما لا ينبغي للحكومة أن تنهج سلوكات استفزازية تجاه مواطنيها، مثل ما حدث مع الترويج لمسودة مشروع قانون 22.20 المتعارض شكلا ومضمونا مع الخيار الديمقراطي الذي أقره دستور الدولة، وتبناه المغرب كخيار استراتيجي لا تراجع عنه، فإقدام الحكومة على مثل هذه الممارسات السياسوية من شأنه نسف منسوب الثقة المرتفع الذي حققته الدولة مع مواطنيها، إبان بداية تعاطيها مع هذه الجائحة.
مجمل القول إنه بقدر ما فرضت جائحة كورونا أوقاتا صعبة على المغاربة، بقدر ما أظهرت عن تماسك اجتماعي قوي ينبغي استغلاله لاستخلاص الدروس والعبر من هذه التجربة، حتى تتحول إلى فرصة سانحة لتحقيق نموذج تنموي حقيقي قادر على مواجهة تحديات عالم ما بعد كورونا.