المغرب في مواجهة تداعيات جائحة كورونا 2.1
محمد زين الدين
تواجه الدول الناشئة خمسة تحديات أفرزتها التداعيات الاقتصادية الصعبة التي ما زال يخلفها فيروس كورونا، أولها تراجع الإيرادات الضريبية؛ وثانيها انخفاض صادرات المواد الخام؛ وثالثها ارتفاع أسعار الفائدة؛ ورابعها انخفاض أسعار الصرف؛ وخامسها تراجع عائدات السياحة.
إن المغرب ليس بمعزل عن هذه التأثيرات، فتداعيات الحجر الصحي أفضت إلى زيادة في المديونية بفعل انخفاض الإيرادات الضريبية وزيادة الإنفاق على قطاع الصحة، إلى جانب مختلف أشكال الدعم المالي الذي قدمته الدولة للفئات المستضعفة.
لقد كشف جانب مهم من صرف موارد صندوق مكافحة كورونا عن أرقام صادمة اجتماعيا، فثلث الإنفاق من هذا الصندوق خصص لـ4.300.000 أسرة تعاني الهشاشة الاجتماعية، منها 2.300.00 أسرة تتوفر على بطاقة «راميد»، فيما باقي الأسر لا تتوفر عليها، كما أن وضعية الأجراء ليست بالمريحة، خصوصا إذا علمنا أن 132 ألف مقاولة قد توقفت عن العمل بكيفية اضطرارية، مع ما يترتب عن هذا التوقف من تداعيات اجتماعية واقتصادية قوية، وبالتالي ليس هناك من خيار للدولة سوى اللجوء إلى مزيد من المديونية، مع ما ينجم عن هذا الخيار المؤلم من مخاطر.
إن الدولة ستكون مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتدعيم القطاعات الاجتماعية، لأن هناك رجوعا قويا للدولة الراعية، فقطاعات الصحة والتعليم والسكن والأمن العمومي أضحت تفرض نفسها بإلحاح شديد ضمن أولويات السياسات العمومية، فقد تتبعنا كيف تخاذل القطاع الخاص، المساهم في تدبير بعض القطاعات الاجتماعية، في القيام بأدواره في مواجهة جائحة كورونا، لذلك ليس هناك من خيار أمام الدولة سوى تثمين الإمكان البشري عبر تحسين ولوج الخدمات الأساسية بالاعتماد على القطاع العام، فبالرغم من المجهودات المبذولة في القطاع الصحي، إلا أنه ما زال عاجزا عن تقليص العجز القائم لا على مستوى التقليل من الفوارق الاجتماعية والمجالية في هذا القطاع، بل أيضا على مستوى تقوية البنيات التحتية والرفع من التأطير الصحي كما وكيفا. كما أنه إن كان هناك من دروس ينبغي استخلاصها، فهي دعم التعليم العمومي وليس التعليم الخاص.
لقد أظهرت جائحة كورونا أهمية الإسراع بفتح نقاش وطني حقيقي حول الخدمات الأساسية، بعيدا عن القوالب الجاهزة للمؤسسات النقدية الدولية والاستشارات الشكلية لمؤسساتنا الوطنية، لأن هذا النوع من الاستشارات عطل مسار الإصلاح الحقيقي لهاته القطاعات الحيوية، كما أن إيداع هذا النقاش لدى الأحزاب السياسية بصيغتها الحالية، يفرغ أي إصلاح من مضامينه الحقيقية بفعل عجز الأحزاب عن تقديم مسالك للتفكير واستشراف المرحلة القادمة، كما أن التعاطي السياسوي للأحزاب السياسية المغربية يجعل أي تفكير موضوعي لتجاوز اختلالات الخدمات الأساسية مسألة مضيعة الوقت، ففي نهاية المطاف لجأ ملك البلاد إلى تعيين لجنة لليقظة أنيط بها تدبير مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لمواجهة تداعيات هذه الجائحة، لأنها تضم كفاءات قادرة على تدبير المرحلة، وهنا ستثار من جديد إشكالية السياسي والتقنوقراط، فبالرغم من إدراكنا العميق أنه لا خيار غير تعميق الديمقراطية، إلا أن عجز الأحزاب السياسية يدفع باتجاه الاعتماد على التقنوقراط.
بعيدا عن إشكالية الفاعل السياسي في تدعيم الخدمات الأساسية ينبغي تدعيم الإمكان البشري الوطني، خصوصا على مستوى البحث العلمي، لأنه بالرغم من الإمكانات المادية الهزيلة المخصصة لهذا القطاع ؛ فقد أظهر الباحثون المغاربة عن طاقات خلاقة قادرة على الإبداع والاختراع، يكفي أن نستدل هنا عن قدرة المغاربة على صنع أجهزة تنفس اصطناعي، بل تصديرها إلى الخارج، فتحرير الإمكان البشري المغربي أصبح يفرض نفسه بإلحاح شديد، لأن هذه الجائحة أظهرت للمغربي قدرته على تجاوز «عقدة الخواجة»، على حد قول الروائي محمد زفزاف.
إن إيلاء أهمية كبرى لدعم القطاعات الاجتماعية ينبغي أن يوازيه دعم قوي للإنتاج الوطني في الداخل وفي الخارج، مثلما ينبغي التركيز حول كيفية تأمين احتياطي العملة الصعبة، ونعتقد أن استمرار الرهان على الاستثمارات الأجنبية أمر مجانب للصواب، لأن العالم سيلج مرحلة انكماش اقتصادي قد تمتد، حسب تقارير صندوق النقد الدولي، إلى نهاية سنة 2020، وبالتالي فإن المراهنة على الاستثمارات الأجنبية لن تجدي نفعا في هذه المرحلة.