المغاربة والكمامة
أكثر ما يفزع الإنسان في المغرب هو الاستسهال الذي يصل حد الاستهتار بقيمة الحياة لدى المغربي.
لدى جزء من المغاربة قدرة مخيفة على المغامرة المتهورة التي قد تكلف الواحد منهم حياته وحياة الآخرين، سواء في استعمال الطريق أو في تدبير الخلافات أو الاستهتار بالتدابير الصحية التي ما فتئت السلطات العمومية تناشد المواطنين بالالتزام بها لكسر سلاسل انتقال العدوى.
لهذا فالخطير في المغرب هو أن احتمالات أن تفقد فجأة حياتك بسبب تهور الآخرين مرتفعة جدا.
أما الحق في الحياة والسلامة الجسدية فتلك حكاية أخرى. “تكون غادي ما بيك ما عليك حتى يخرج ليك شي حمار من الجنب”، ولا أتحدث طبعا عن حمار بأربعة قوائم بل عن واحد من تلك الحمير التي تسير على رجلين وتقود السيارات والشاحنات والدراجات.
وطبعا هاد الشي بلا ما نهضرو على ملي كايكون بنادم غادي في أمان الله مخلص فلوسو فلوطوروت حتى كاتهبط عليه شي ياجورة من فوق شي قنطرة، ولا كايطيح عليه شي رجم من شي جهة حتى كايلقا راسو مقلوب فجنب الطريق وشي حد كايميخل ليه فجيابو”.
إن هذا هو ما يخيف في المغرب، استسهال الخطر وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة والاستخفاف بالتعليمات التي تصدرها المؤسسات الوصية على حفظ الصحة والسلامة.
ويكفي أن يخرج الواحد منا إلى الشارع لكي يرى كيف يتعامل جزء كبير من المغاربة مع قرار وضع الكمامة حتى يفهم أن السبب في تنامي وتكاثر العدوى بفيروس كورونا هو عدم الالتزام بهذا القرار.
وحكاية المغاربة مع الكمامة غريبة فعلا. أكاد أجزم أن نسبة كبيرة من الذين يضعونها يفعلون ذلك لتجنب دفع الغرامة وليس لحماية بعضهم البعض، لذلك يضعونها فوق أذقانهم كاشفين عن أنوفهم وأفواههم. أما الوضعية التي تكاد تكون هي السائدة فهي تغطية الفم وترك الأنف حرًا يستنشق الهواء المشبع بكل أنواع الفيروسات.
مع أن الأنف هو المكان الذي يدخل منه الفيروس إلى الجهاز التنفسي.
لكن الأخطر من هذا كله هو أن تتحول الكمامة إلى أداة لتسميم الجهاز التنفسي لحامليها، وهنا أتحدث عن أعداد كبيرة من الناس الذين يضعون كمامات أشبه بتلك الخرق التي يشمها البعض من أجل التشمكير، كمامات متسخة من كثرة الاستعمال، إلى درجة تتحول معها إلى أداة تسميم يمكن أن تؤدي إلى أمراض تعفنية خطيرة لا حصر لها.
وأعتقد أن الكمامة إذا لم توضع بشكل صحيح وإذا لم يتم تغييرها عند نهاية صلاحيتها بالنسبة للكمامات الصحية، أو غسلها بالنسبة للكمامات القماشية، فإن دورها يصبح عكسيًا وتصبح أداة لنشر الأمراض عوض الحماية منها. بنادم لابس كمامة ما بدلهاش شهر والزيادة وكايكول ليك عندي واحد الشقيقة ما بغاتش تطلق مني، وبالسيف تشدك الشقيقة أصاحبي راك كاتشمكر النهار كامل بهاديك الكمامة.
والأمر ليس مزاحا، ففي أمريكا مات اليوم طبيب بمستشفى هيوستن بسبب الفيروس لعدم تغييره لكمامته FFP2 طيلة أسابيع.
وقد رأيت كل أنواع الكمامات إلا واحدة لم أفهم الغاية من وضعها، وهي كمامات تباع في الأسواق مزودة بثقبين أمام الأنف. ومن يدري فغدا قد نشاهد كمامات مزودة بفتحة أمام الفم.
يبدو أننا بحاجة لأخذ الأمور بجدية أكثر، لأن الأرقام التي أصبح يسجلها المغرب يوميا مقلقة بالفعل. وليس بمثل هذه السلوكيات المستهترة سنكسر سلاسل العدوى.
وهنا يحضر دور الإعلام العمومي الغائب عن هذه المعركة المصيرية، والمنشغل بمسلسلاته التي لا تنتهي.
الإعلام العمومي لديه مسؤولية تاريخية عليه القيام بها لتوعية المواطنين بضرورة الالتزام بالتدابير الوقائية لحماية أنفسهم وحماية ذويهم وبلدهم، لأنه إعلان ممول من جيوب دافعي الضرائب ووظيفته الأساسية هي الإخبار والتثقيف والترفيه، وليس التكليخ.