المعارضة الباردة
الجميع كان ينتظر أن تشكل مناقشة أول قانون مالي لحكومة أخنوش لحظة سياسية مفصلية، لكي تضع المعارضة بصماتها لدخول الولاية التشريعية بشكل قوي، لكن الذي حصل هو العكس تماما، فقد وجدت الأغلبية البرلمانية والحكومة نفسيهما في مواجهة معارضة مشتتة تائهة، وتواجه مقتضيات القانون المالي بسلاح بارد.
ربما لا يكون من قبيل المبالغة القول، بعد مرور أكثر من شهر من الجلسات البرلمانية لمناقشة أهم قانون سنوي يهم المغاربة، إننا أمام معارضة هزيلة وضعيفة، وإذا استمرت على هذا المسار فلن تحقق المطلوب منها دستوريا وسياسيا، وكل ما هي قادرة على تقديمه، هو رفع اليد بالتصويت ضد مشاريع حكومية، وهذا طبعا لن يكون في صالح توازن المشهد السياسي، ولن يقود إلى إحداث تغييرات نوعية يريدها الرأي العام، ويطالب بها الشارع المغربي.
بالأمس القريب، كانت المعارضة البرلمانية اختيارا سياسيا واضحا، وكفة لإقامة التوازن لحماية الأغلبية من تدمير نفسها، بسبب اختبائها وراء شرعية صناديق الانتخابات. صحيح أن معظم أحزاب المعارضة الحالية من اتحاد وتقدم وعدالة وحركة شعبية، أنهكت بممارسة السلطة، بعد عقود من التواجد في الحكومات، وربما فقدت الرغبة والإرادة في لعب دور المعارضة، لكن السياق الذي نعيشه وطنيا وخارجيا يتطلب من ضمن متطلباته، وجود معارضة مسؤولة، تضمن حق البرلمانيين في ممارسة التشريع، ومراقبة أداء الحكومة وتقييم سياساتها، وليس معارضة المواقف البهلوانية والنقاشات الزائفة.
والأكيد أن غياب أو هشاشة المعارضة البرلمانية المنسجمة والقوية والمؤثرة سيقود لا محالة إلى فتح الباب على مصراعيه أمام بروز معارضات غير قانونية، تركن إلى آليات غير مؤسساتية، فطبيعة الممارسة السياسية لا تقبل الفراغ، وإذا لم توجد معارضة برلمانية تعكس نبض الشارع، فستعوضها معارضات أخرى. وكما قال الملك الحسن الثاني رحمه الله: «لو لم تكن عندي معارضة لأوجدتها»، فليس في صالح التجربة المغربية التي قد تستحمل وجود حكومة محاطة بإكراهات تحد من أدائها، لكنها لن تحتمل وجود معارضة عاجزة. والحقيقة أن العجز الوحيد الذي بدأت بوادره مع القانون المالي، ليس في الحكومة أو الاقتصاد أو عجز الميزانية أو انتشار البطالة… وإنما في عجز المعارضة عن القيام بدورها، للحد من سلطة الأغلبية، أو محاولات تغولها.