المضللون الجدد
من أعطاب هذا الزمن الأغبر أننا فقدنا المعنى وفقدنا أهل الاختصاص في العلم والإعلام والطب والرياضة والثقافة والسياسة وغيرها من مجالات الدراية والدربة الذين يتحدثون بالعلم والمعرفة، وأصبحنا أمام مضللين جدد لا علم لهم ولا خبرة في جعبتهم ولا تجربة في مسارهم سوى حيازتهم لكاميرات هواتف نقالة، وبث مباشر لصفحات يتابعها الآلاف والملايين، فيحللون على هواهم ومكاسبهم ويطلقون حملات وهشتاغات بكلمات معدودة قد يدعو لها شخص غير معروف أو حساب مجهول أو ناشط بالفيسبوك، كفيلة أن تجمع مئات الآلاف من الناس على موقف واحد، فيما تجد بين أتباع هذه الحملات من لا يعرفون دلالاتها السياسية ومخاطرها الاجتماعية والأمنية على الاستقرار.
والغريب أن ذلك يتم أمام عجز القانون وفي مرأى من السلطات التي أصبحت متجاوزة أمام تسونامي التضليل والتطاول على المهن التي يقوم بها مئات من يسمون “المؤثرين”، وهم في الحقيقة مضللون جدد حولوا صفحات التواصل الاجتماعي إلى جنة للإشاعات والأخبار الكاذبة والتلاعب بالحقائق ووسيلة جديدة لصناعة القطيع، وهم في ذلك يتغذون لتحقيق الشهرة والتكسب المادي من انتشار الأمية والجهل وغياب قانون قادر على إعادة الأمور إلى نصابها.
وللأسف بدل أن تقوي السلطات العمومية من أدوار السمعي البصري وتعمل على تيسير إنشاء محطات إذاعية وقنوات تلفزية وفق قانون الاتصال السمعي البصري لخلق النقاش العمومي المسؤول والجاد وامتصاص جزء كبير من الأخبار الزائفة والإشاعات، وجدنا أنفسنا أمام ملايين القنوات المرئية والسمعية لها تأثير كبير في صناعة الرأي العام المضلل، بدون حاجة لوضع تصريحات وتراخيص لدى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وانتظار عقود زمنية من أجل دراسة الملفات.
فتحولت صناعة الرأي العام من عملية معقدة ومسؤولة وآمنة من الأجندات الحالمة، يقوم بها سياسيون وصحافيون وفنانون ومثقفون وجرائد وقنوات معلومة المقر الاجتماعي ومرخص لها والاعتماد على المصادر الموثوقة والحقائق المؤكدة إلى لعبة في يد كل شخص له أتباع ومعجبون غرباء عن القيم يتلذذون بموائد التشهير والسب والقذف والعدمية.
وإذا كان بالإمكان التغاضي عن المجالات اللامهيكلة في الاقتصاد والعقار والصناعة، فإنه من الخطر استمرار المؤسسات في التفرج على الجرائم التي تتم باسم صناعة الوهم تعتبر مسألة خطيرة وتؤثر سلبًا على الرأي العام. لذلك، فمن واجب السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية اتخاذ ما يلزم من قوانين وإجراءات للتعامل مع هذه الأساليب والعمل على تحجيمها وتجاوزها فنحن لسنا أفضل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي وضعت إطارات قانونية لتنظيم التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي وجعله مسؤولا ومفيدا لمداخيل الدولة والأفراد.