شوف تشوف

الرأي

المسلمون والعلم والعالم

ليس أكثر من المسلمين ادعاء بأن الإسلام هو دين العلم والتفكير، وليس هناك أكثر من المسلمين خوفا من العلم والتفكير. فإن تمكن العلم من استنساخ الإنسان وولادة ابن آدم في أنابيب، قالوا إن هذا هو المروق بعينه وإنه تغيير في خلق الله. وإذا تجرأ كاتب فناقش بعض المسلمات، قالوا عنه إنه مرتد أثيم. وليست الأولى شركا بالله، وليس في الإسلام من يقتل من أجل آرائه كائنة ما كانت. والآية من سورة «الكهف» واضحة، فهي تنص على: ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. 

ومع أن القرآن يمنح وكالة عامة للإنسان عن الله، حينما ينصبه على عرش الاستخلاف في الأرض، في حفل مهيب تحضره الملائكة شهودا على هذه الترقية، كما جاء في سورة «البقرة» وفيها يستعرض خلق الإنسان من حمأ مسنون، فقال: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، فإن المسلمين يريدون أن يستلبوا هذا التاج من رأس الإنسان. 

ومع أن القرآن يقول إن الكون مبني على القوانين، مستخدما لفظة «السنن»، فقال لن تجد لسنة الله تبديلا أو تحويلا؛ لا برفعها والإتيان ببدل عنها ولا حرفا لها في مجراها؛ فإن المسلمين يفضلوا أن يعيشوا بعقلية خوارقية خارج السنن. 

وعندما نزهد في الممكن ونحلم بالمستحيل، نمنح عقولنا إجازة مفتوحة. ومع أن القرآن يقول عن السنن إنها متاحة للجميع، فقال في سورة «الإسراء»: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا؛ فمن يفهم القانون يملك تسخيره في السماوات والأرض، سواء كان يابانيا أم ألمانيا؛ فإن المسلمين يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه. ليكون الجواب: قل فَلِمَ يعذبكم بذنوبكم، بل أنتم بشر ممن خلق في بلاد الرافدين وحوران؟ 

يروى عن الفيلسوف محمد إقبال أنه كان يقول في مناجاته: يا رب إن هذا الكون الذي صنعته لم يعجبني. ليكون الجواب من الله: يا إقبال اهدمه وابن أفضل منه. 

إن عيوننا تزوغ في المحاجر من أفكار من هذا النوع، مع أن القرآن يعتبر أن الكون لم ينته خلقه بعد، وأنه أشبه بلوحة فنان ما زال يعمل ريشته فيها. فهو يزيد في الخلق ما يشاء. 

وقديما طرح «جيوردانو برونو» الإيطالي رأيا فلكيا أن الكون أكبر من نظامنا الشمسي، وأنه لا حدود للمجرات، فلماذا جاء المسيح تحديدا لأرض هي ذرة من غبار كوني، من أجل أن يفدي نفسه لأخطاء البشر، فيموت بدون أن يموت؟ فقالت الكنيسة إن هذا إلا سحر يؤثر، وأحرقته على النار ذات الوقود وهم على ما يفعلون ببرونو شهود. 

وبقدر ما ردت الكنيسة الاعتبار إلى جاليلو، بقدر مسك يدها أن تغفر للهرطيق برونو حتى اليوم، لأنه تجرأ فسمح لعقله بأن يناقش عقيدة الكنيسة في الفداء. وما هو موجود في الكنيسة له نظيره عندنا، فما زال رأس ابن رشد مطلوبا، وما زال الناس يقتلون من أجل الحسين (رضي الله عنه)، الذي قضى نحبه قبل 14 قرنا. وأما الدماغ الجبار ابن النظام، فلم يبق من مدرسته أثر. 

مشكلة العلم أنه لا يعرف «الطابو» ولا يسلم بالمستحيل، ولا يعرف التقاعد أو الاستراحة والانكماش، بل هو كل يوم في شان، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ إنه يسلط أشعته ليفهم لب الدين ولماذا جاء الأنبياء، كما يجوب جغرافيا الجنس، ويقتحم أدغال السياسة. 

إنه لا يعترف بالمستحيل، لأن المستحيل هي تصوراتنا، وهي لا تغني من الحق شيئا. 

نحن نطير بأفضل من الطيور على جناح «بوينغ 777»، ونقفز فوق القضبان بالقطارات المغناطيسية، ونحلق في أجواز الفضاء في بطون صواريخ الفضاء باتجاه الكواكب، والمركبة «بايونير 10»، الآن تطير خارج النظام الشمسي على بعد 12 مليار كيلومتر، بسرعة 44 ألف كلم في الساعة، تبث أخبارها باسم الله مجراها ومرساها. 

نحن نتحدث ونتراءى بسرعة الضوء في نظام «الواتساب»، مثل الذي كان عنده علم من الكتاب في مجلس سليمان، فينزل على رؤوسنا كل لحظة بخبر السماء من آلاف الساتلايت في الملأ الأعلى. ويتعلم الطفل من حقائق العلم اليوم في وقت قصير ما عجز الدماغ الجبار أرسطو أن يتعلمه في كل حياته. ويضحك الإنسان اليوم من خرافات بطليموس عن الدوائر اللانهائية لحركة الشمس والكواكب حول مركز العالم الأرض، ونعرف اليوم أن الأرض ليست مركز العالم، ونعرف أن الدائرة ليس لها وجود إلا في دماغ بطليموس، وأن كل الدوران، سواء الأرض حول الشمس، أو دوران الإلكترون حول البروتون في الذرة يخضع لحركة إهليلجية. ويمكن لطالب ثانوي أن يعلم كل فلاسفة أثينا بأخبار البناء دون الذري، والكود الوراثي، والانفجار العظيم. 

نحن نعرف اليوم بداية الحياة وعمر الكون وبناء الذرة، ومتى ظهر الإنسان وطبقات الوعي، مثل طبقات الأرض وصفائح القارات. ووجود كواكب تدور حول شمس تبعد عنا خمسين سنة ضوئية، مثل معرفتنا عن ثلاثة مليارات حمض نووي في المادة الوراثية، وأن كل عنصر في الطبيعة من حديد ونحاس يمكن أن يتغير بسحب، أو إضافة بروتون إلى نواته. نحن نعرف ما هو أدق من الذرة، مثل الكواركز واللبتونات، ونبصر بتلسكوب هابل عمق الكون إلى 12 مليار سنة ضوئية. واستطاعت الجهود المكثفة في علم نواة الخلية أن تفك كامل الشيفرة السرية للإنسان. وعندنا من المعلومات عن حركة المجتمع وتفاصيل التاريخ، مثل دوران المجرات. وكل في فلك يسبحون. 

ولكن بقدر الانفجار العظيم في الكون، بقدر انفكاك المسلمين عن مركبة الحضارة العالمية، معرضين للإشعاعات القاتلة في الفضاء الخالي الموحش. والسؤال متى حدث هذا التشوه الخطير في الثقافة، حتى أصبحنا نمشي على رؤوسنا بدون أن نشعر بالدوار؟ 

بقلم: خالص جلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى