شوف تشوف

شوف تشوف

المسؤولية التقصيرية

بعد كل هذه الحوادث التي وقعت وتقع على الطرق السيارة بالمغرب يمكن أن نقول بأن أخطر طرق سيارة في العالم هي تلك التي لدينا. فنحن لدينا طريق سيار تسقط فيه الحجارة على مستعمليه من القناطر، ويقطعه الراجلون، والدواب، ويقتحمه الراغبون في ركوب الحافلات التي تتوقف بدون خجل لنقل الركاب رغم وجود علامات تمنع الوقوف.
وفِي الوقت الذي تفتخر فيه وزارة التجهيز والنقل براداراتها 280 الجديدة التي اشترتها بميزانية مليارين و700 مليون والتي ستضعها على الطرق لمراقبة السرعة، نجد أن المواطنين ما زالوا يموتون في الطرق السيارة بسبب الحجارة الثقيلة التي تهبط عليهم مِن فوق القناطر.
وقبل يومين تعرضت شابة في مقتبل العمر للرشق بالحجارة في الطريق السيار على مستوى عين الشكاك بفاس مما أدى إلى وفاتها، وقبل ذلك تعرض باشا بمدينة الدار البيضاء للمصير نفسه، وقبل أربع سنوات تعرضت فريدة برادة، سبعون سنة، زوجة رئيس مجلس مراقبة مختبرات الأدوية لسقوط حجر ضخم رماه أحدهم في الثالثة صباحا من فوق قنطرة بمدخل سيدي معروف بالدار البيضاء، أدى إلى وفاتها بعدما أصابها الحجر في القلب.
قبل ذلك بأشهر نشرنا خبر العصابة التي قتلت رجلا يبلغ أربعين سنة من العمر داخل سيارته بطوب إسمنتي يزن 20 كيلوغراما عندما كان مسافرا في الطريق السيار بين مراكش وأكادير.
«الياجورة» التي «هبطت» على الرجل لم تنزل من السماء وإنما من قنطرة تقع على بعد ثمانية كيلومترات من شيشاوة.
في وجدة سبق لمختل عقليا أن قفز من أعلى قنطرة بالحي المحمدي، فسقط فوق سيارة مصلحة تابعة للشرطة، فتسبب لنفسه في جروح وحطم سيارة المصلحة.
كل هذه الحوادث نتج عنها اعتقال المتورطين فيها وتم اقتيادهم أمام العدالة، وفي حالة المختل عقليا، مستشفى الأمراض العقلية.
ما علاقة وزارة النقل والتجهيز إذن بهذه الحوادث؟
الحكومة، في شخص وزير التجهيز والنقل ووزيره المنتدب، تتحمل مسؤولية وفاة هؤلاء المواطنين الذين يدفعون من جيوبهم واجب استعمال الطريق السيار ثم يجدون أنفسهم مجبرين على المرور تحت قناطر غير مغطاة يتنافى تصميمها تماما مع معايير السلامة الدولية للقناطر المبنية فوق الطرق.
في كل الدول التي تحترم حق مواطنيها في السلامة الطرقية تكون القناطر المبنية فوق الطرق مغطاة بالكامل بحواجز مشبكة، تفاديا لسقوط المختلين عقليا من فوقها، أو تحويلها من طرف اليائسين إلى منصات للانتحار، أو رمي المجرمين وقطاع الطرق مستعملي الطريق بالحجارة قصد التسبب للسيارة في حادثة لإجبارها على التوقف.
في المغرب، نسمع بين الفينة والأخرى عن تعرض سائق سيارة للرشق بالحجارة من فوق إحدى قناطر الطرق السيارة، وكثيرا ما تؤدي هذه الحوادث إلى وفاة هؤلاء السائقين. لكننا لم نسمع إلى حدود اليوم بجمعية من جمعيات حماية المستهلك تنتصب طرفا في قضية ضد شركة الطرق السيارة ووزارة التجهيز والنقل لإجبارها على دفع تعويضات لهؤلاء الضحايا وإخضاع قناطرها لإجراءات السلامة المنصوص عليها قانونيا.
كل ما نسمعه هو أخبار في الصحف حول الحادث ما يلبث الجميع أن ينساها إلى أن يستفيقوا على خبر تعرض سائق جديد للرشق بالحجارة من إحدى قناطر الطريق السيار.
ولو كانت مشاكل الطرق السيارة في المغرب تقتصر على هذه القناطر القاتلة لهان الأمر، ولكن المأساة هي أن الطرق السيارة عندنا تفتقر إلى معايير السلامة، سواء في الأشطر التابعة للشركة أو في الأشطر التابعة لمجالس المدن.
ففي مدخل الرباط مثلا تفتقر الطريق الرئيسية إلى الحواجز التي يجب أن تكون على هوامش الطريق، بحيث يمكن لأي سائق غير منتبه أن يجد نفسه مرميا في «الفوسي».
ولعل الطرق السيارة في المغرب هي الوحيدة في العالم التي تدخلها الحيوانات والبشر من أجل قطع الطريق نحو الضفة الأخرى، والسبب هو عدم وجود أسوار أو أسلاك شائكة لمنع الدخول إلى الطريق السيار، وكثيرا ما تجد حافلات نقل متوقفة في الطريق السيار تلتقط المسافرين الذين يجلسون على هامش الطريق بانتظار وصولها.
واليوم كل من يغادر الدار البيضاء باتجاه المحمدية يلاحظ أن مستعملي هذه الطريق يتحركون وسط طريق تنمو على جنباتها الأعشاب التي تحول بعضها إلى شجيرات بسبب انعدام الصيانة، كما أنه وعلى طول هذه الطريق يمكن أن تلاحظ افتقارها إلى شروط السلامة الأساسية.
نحن إذن أمام شركة للطرق السيارة ووزارة للنقل والتجهيز تعرضان يوميا حياة المواطنين للخطر، دون أن تتدخلا لكي تضعا حدا لهذا الخطر الذي يرفع من معدلات ضحايا حوادث السير.
وهنا نرجع إلى ما سبق أن قاله بوليف من أن مستعملي الطريق يتحملون المسؤولية الكبرى في حوادث السير التي تقع لهم، لكي نقول له إن وزارته هي من تتحمل المسؤولية الكاملة في الأرواح التي زهقت بسبب الرشق بالحجارة من فوق قناطر الطرق السيارة، لأن الوزارة بإبقائها على هذه القناطر عارية توفر الشروط المناسبة للصوص وقطاع الطرق والمجانين لكي يقذفوا الناس بالحجارة والياجور ويعرضوا حياتهم للخطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى