شوف تشوف

الرأي

المرشدون التائهون

يونس جنوحي
بيت الذاكرة بالصويرة فتح أبوابه، أول أمس، للقنصل العام الأمريكي الذي كان في زيارة إلى المدينة، لكي يتعرف على تاريخها وماضيها، أيام كان رصيف ميناء المدينة المطلة على المحيط يتحدث كل اللغات.
نحتاج إلى بيت للذاكرة في كل المدن المغربية، وليس في الصويرة وحدها. إذ إن كل المدن السياحية التي يجثم الإسمنت فوق حضارتها الآن في المغرب، لا يحفظ تاريخها سوى المرشدين السياحيين، الذين عاشوا خلال فترة الحجر الصحي أسوأ أيام حياتهم.
والآن، مع وصول أول أفواج السياح وبداية انتعاش الحركة السياحية في المغرب، سواء مع الأجانب أو السياح المحليين، فإن هيكلة مجال المرشدين السياحيين أصبحت ضرورة ملحة، خصوصا أن فترة الإغلاق الشامل التي وضعت القطاع في حالة شلل وعطالة تامة، كانت مناسبة لتداول مشاكل العاملين في القطاع.
القنصل العام الأمريكي سبق له زيارة طنجة، قبل أشهر، مباشرة بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحي، ولم يجد أمامه سوى المرشدين السياحيين المعتمدين في المدينة لكي يطلعوه على تاريخها. وتبين للمسؤولين أن المرشدين السياحيين ليسوا مجرد باحثين عن لقمة العيش يلاحقون السياح في الأزقة الضيقة وأمام البازارات، وإنما يشكلون في الحقيقة آخر حراس هوية المدن السياحية التي يشتغلون بها.
والمفارقة كانت أن هؤلاء المرشدين السياحيين المعتمدين كانوا يعيشون «على الحديدة» تماما، عندما تم اللجوء إلى خدماتهم لتوفير المعلومات للمسؤولين خلال الجولة السياحية.
وتكرر السيناريو نفسه في مدن أخرى كانت التمثيلية الخاصة بمهنيي الإرشاد السياحي تحاول الوصول إلى المسؤولين، للجلوس معهم وتسوية وضعيتهم، خصوصا أنهم في السابق كانوا يطالبون بتنظيم مباريات ولوج المرشدين الجدد، بشكل يحفظ كرامة المشتغلين في القطاع، وينهي الفوضى التي يتسبب فيها المرشدون الوهميون، سيما بمراكش وطنجة، حيث تعتبران الوجهتين المفضلتين لأنواع من السياح لا يأتون من أجل الشمس، بقدر ما يأتون من أجل التاريخ والبحث عن قصص الأماكن وآثار شخصيات عالمية مرت من هناك.
لا يمكن اعتماد مرشد سياحي عشوائي لم يفتح كتابا عن تاريخ المدينة القديمة، لكي يقوم بجولة مع أساتذة من جامعة جورجيا، ويقدم لهم قصصا مختلقة عن سور القصبة. فهذا النوع من السياح يسأل عن عناوين الكتب، ويحمل معه الصور القديمة للأماكن ويحاول الوصول إلى عائلات بعينها للاطلاع على أرشيف مكتباتها، وقد يدفع ثروة طائلة فقط من أجل التقاط صورة مع لوحة فنية من توقيع رسام عالمي سكن في المغرب.
لكل هذه الأسباب، نحتاج بيوتا للذاكرة في كل مدينة مغربية ضاربة في التاريخ، حتى نقطع تلقائيا مع المتسولين باسم تاريخ هذا البلد. ووقتها فقط لن نسمع عن نصابين يبيعون السياح زرابي مصنوعة في الصين على أنها سجادة الصلاة، التي كان يحملها طارق بن زياد معه عندما ذهب لفتح الأندلس.
وأخيرا فقط، كتب الباحث الأسكتلندي الدكتور رالف برون، على صفحته في «تويتر»، يتساءل أين يمكن أن يجد صورة أصلية تجمع جده مع الكاتب الأمريكي الشهير بول بولز، وهما معا أمام آلة كاتبة في إقامته بمدينة طنجة؟ ورغم أنه تحمل عناء السفر إلى المغرب ومتاهات البحث، إلا أنه لم يصل إلى أي نتيجة. ورغم أن مقتنيات هذا الكاتب الأمريكي توجد في معرض دائم بمقر المفوضية الأمريكية بطنجة، إلا أن الوصول إلى تلك الصورة يشبه البحث عن إبرة في كومة قش، خصوصا في ظل غياب حفظ جاد للذاكرة، ومن يحرسها أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى