شوف تشوف

الرأي

المخطط الرباعي بدأ يتبلور والمطلوب رأس «الدولة الإسلامية»

بعد تلكؤ استمر أكثر من عام، قررت تركيا إلقاء كل ثقلها السياسي والعسكري إلى جانب الخطة الأمريكية التي تهدف إلى اجتثاث «الدولة الاسلامية» وكل الجماعات «الجهادية» الأخرى من سورية والعراق، مقابل إقامة مناطق حظر جوي في الشريط الشمالي السوري بمحاذاة الحدود التركية.

السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي أكد بعد لقائه نظيره الأمريكي جون كيري أمس في ماليزيا أن الاستراتيجية الجديدة ستنتقل إلى حيز العمل بهجوم أمريكي تركي كاسح على قواعد «الدولة الاسلامية» في الرقة والموصل في الأيام القليلة المقبلة.

اللقاء الثلاثي الذي انعقد في الدوحة قبل ثلاثة أيام وضم وزراء خارجية أمريكا وروسيا والمملكة العربية السعودية تمخض عن اتفاق بدعم لهذه الاستراتيجية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عن فرض نجاحها أولا، وموقف السلطات السورية منها ثانيا، وانعكاساتها المتوقعة على تركيا وموازين القوى في المنطقة برمتها ثالثا.
نقطة الضعف الرئيسية في هذه الاستراتيجية أنها تستهدف عدوا واحدا، ولكن القوى المشاركة في تنفيذها متعددة، وغير متجانسة، ومصالحها متضاربة، واستثناء إيران من المشاركة قد يؤدي إلى إضعافها أن لم يكن تخريبها.

القضاء على «الدولة الاسلامية» لن يكون عملية سهلة، علاوة على كونها مكلفة جدا بشريا وماليا، فهذه الدولة تملك مؤسسات، وقيادة عسكرية ذات خبرات عملياتية كبيرة (نسبة كبيرة من ضباطها من قوات الحرس الجمهوري والجيش العراقي السابق)، وعقيدة قتالية وإيديولوجية انتحارية، وحاضنة شعبية، لا يجب التقليل من شأنها.

من الواضح أن تركيا الرئيس أردوغان ستكون رأس الحربة في الهجوم الجديد بريا على الأقل، بينما ستقوم الطائرات الأمريكية بتكثيف الغارات الجوية انطلاقا من قاعدة أنجرليك الجوية التركية في الجنوب الشرقي، والجيش التركي يملك خبرات متميزة في حرب العصابات، بالنظر إلى خوضه حربا مستمرة منذ ثلاثين عاما ضد حزب العمال الثوري الكردستاني، ولكن الولايات المتحدة التي نجحت وحلفاءها في اجتثاث حزب البعث، فشلت فشلا ذريعا في هزيمة المقاومة العراقية، ومن قبلها الأفغانية أيضا، رغم أنها دربت قوات «صحوات» في العراق، وجيشا نظاميا في أفغانستان، وتحكمت بأجواء البلدين بكل حرية لانعدام أي قدرات دفاعية جوية للمقاومتين العراقية والأفغانية.

النقطة الأخرى التي لا نستطيع تجاهلها هي إمكانية توحد الجماعات الإسلامية في جبهة واحدة، أو وضع خلافاتها جانبا طالما أنها، أو بعضها، مستهدف في المخطط الجديد، وإذا لم يتحقق هذا التوحد، فمن غير المستبعد أن تحدث انشقاقات، خاصة أن قوات المعارضة المعتدلة التي تدربها القوات الأمريكية في تركيا والأردن وقطر ستكون مهمتها قتال «الدولة الاسلامية» وليس النظام السوري، أي أنها ستكون قوات مرتزقة أمريكية على غرار قوات «الكونترا» في نيكاراغوا، وقوات دايتون في الضفة الغربية.

الأمر الغامض يتعلق بعدم وجود أي ردة فعل قوية من قبل السلطات السورية تجاه هذا المخطط الأمريكي التركي الجديد، ولا نستبعد أن تكون حصلت على «تطمينات» بأنها أي السلطات السورية، ليست مستهدفة، وأن هذا المخطط يتضمن مشروعا سياسيا يستند على عدة نقاط أبرزها وقف إطلاق النار وحكومة وحدة وطنية انتقالية، وتعديل الدستور، وإجراء انتخابات عامة يشارك فيها الرئيس الأسد، ومن المرجح فوزه فيها، وهي النقاط الأربع التي وردت في المبادرة الإيرانية.

حتى المنطقة العازلة التي انتزعتها حكومة الرئيس أردوغان من أمريكا، وحصلت على حق حمايتها، مقابل اشتراكها في الحرب ضد «الدولة الاسلامية» بقوة، قد تتعرض للاختراق من قبل الجماعات الجهادية، وربما تؤدي إلى توحيد الأكراد في سورية وتركيا معا ضدها.

بالنظر إلى هذا المخطط الأمريكي على الخريطة يبدو مبهرا ويحمل كل عناصر النجاح، ولكن الخرائط شيء، والتطبيق العملي شيء آخر، عندما يتعلق الأمر بالحروب المليئة دائما بالمفاجآت السارة وغير السارة.

لا نريد أن نستبق الأمور ونقفز إلى النتائج، وما يمكن قوله أن التحالف الأمريكي الروسي التركي السعودي الذي يتبلور ضد «الدولة الاسلامية» وربما جبهة «النصرة» و«أحرار الشام» أيضا، مقدم على «مقامرة» خطيرة جدا، وحتى لو اتسمت بالنجاح، وهذا موضع شك، مثلما قلنا سابقا، فإن تركيا ستخرج منه مثخنة بالجراح، أصابعها، أو بعضها، محروق، لأن الهدف الأساسي لأمريكا والغرب عموما هو توريطها واستنزافها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى