المخاطر التي تهدد الجنس البشري
بقلم: خالص جلبي
ما يحصل في الأرض هذه الأيام في الصين مصيبتان عارمتان تهددان الجنس البشري؛ الأولى في جسمه، والثانية في ضميره، عدو خفي اسمه الفيروس يرتدي معطف كورونا، واعتقال مليون مسلم، ولكن ما يحصل في تاريخ الإنسان فظيع، فقبل 65 مليون سنة ضرب نيزك شارد أمريكا الوسطى بما يعادل مليون قنبلة هيدروجينية، فدخلت الأرض في ما يشبه الشتاء النووي وانقرضت الديناصورات. وفي عام 1918 قتلت الإنفلونزا الإسبانية في أربعة أشهر أكثر مما قتلت الحرب العالمية الأولى، فمات 30 مليونا من الأنام. ولم تكن الفيروسات معروفة ولا المجهر الإلكتروني مخترعا، وجاء المرض وذهب بعد أن ظن الأطباء في أمريكا أنها نهاية العالم. وعندما اندلعت الكوليرا عام 1905 في ألمانيا، كان يموت كل يوم ألف إنسان! وحتى الآن لا يوجد لقاح وعلاج للإيدز. وضرب فيروس الغابة إيبولا بشدة، ثم اختفى. ونحن نشهد حاليا عصر عودة الجراثيم المعروفة من الملاريا والسل، بعد أن كسرت حاجز المقاومة فلم تعد الصادات الحيوية تفتك بها.
ومات في الأمريكتين من الجدري أكثر ممن مات بحراب الإسبان وبنادق الأمريكان. وجرب بوش الابن على نفسه لقاح الجدري، ووضعت أمريكا مشروعا بخمسة مليارات دولار للقاح الجدري. واحتفظت ببقايا مستودعات الفيروس بعد أن كان مقررا التخلص منه، بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على المرض فلم يعثر على حالة.
وفي فيلم «اليوم ما بعد الغدThe Day after Tomorrow» نواجه مشكلة ارتفاع حرارة الأرض بكارثة كونية من دخول الشمال في العصر الجليدي، مما يجعل نصف الأمريكيين المدللين يزحفون لاجئين إلى المكسيك. والذي لفت النظر لاحتمالات من هذا القبيل شاب ألماني هو (ستيفان رامشتورف Stefan Rahmstorf)، الخبير في توقعات المناخ في معهد بوتسدام، من خلال أبحاثه على كمبيوترات التخيل (Simulation)، ونال عام 1999 جائزة القرن من معهد (جيمس – س – مك دونيل james-s-McDonnell) بقيمة مليون دولار، لكشفه عن هذه الظاهرة. وخلاصة أبحاثه تدور حول توقف تيار الخليج عن العمل، الذي يزحف على السطح بسرعة تسعة كيلومترات في الساعة، فينقل دفء مياه الكاريبي وخليج المكسيك إلى أوروبا وشمال الأطلنطي بما هو أكثر بعشرين مرة من أنهار العالم أجمعين، وما ينتجه 250 ألف مفاعل نووي، مما يخلق الاعتدال في المناخ الأوروبي في الشتاء بمقدار خمس إلى عشر درجات، ولولا ذلك لكانت النرويج أشبه بألاسكا وألمانيا أقرب لسيبيريا. وعند سواحل آيسلندا يبرد فيثقل فينزل إلى عمق ثلاثة كيلومترات، مما يحوله إلى قوة شفط للماء الساخن من جديد، فيتشكل تيار بارد سفلي مقابل تيار حار علوي، وبهذه الطريقة تكتمل دورة من الماء الساخن والبارد مثل الحمامات، ولكن من حجم كوني. ولا يكفي هذا بل يشترط كثافة الملوحة، وهنا الخطر؛ فالماء لن يثقل وينزل إلى الأسفل إذا جاءته أمطار عاصفة فخفضت درجة الملوحة فيه، عندها ستختنق عملية التيار الساخن البارد، مما يقود في النهاية إلى كسر هذه الحلقة المتبادلة من تيار الخليج في المحيط الأطلنطي، وانقلاب جو الشمال بالكامل. وهي مسألة صرف لها المخرج الألماني (رولاند إيمريش(Roland Emmerich 125
مليون دولار، ليظهر هذه القضية العلمية على صورة درامية في فيلم «اليوم ما بعد الغد The Day after Tomorrow». مع هذا فإن أبحاث العالم الدانماركي (بوجي هانسن Boji Hansen)، التي نشرت في المجلة العلمية البريطانية «الطبيعة Nature» عام 2001، أظهرت بدراسة هذا التيار في نصف القرن الفائت، أن هناك تراجعا في حرارة التيار بنسبة 20 في المائة، ولكنه عاد فأعلن في ماي من عام 2004 أن هذا الأمر اعتدل منذ عام 1999. وفي مقابلة مع عالم المحيطات الألماني رامشتورف قال: يجب عدم التقليل من هذه الظاهرة، وقد لا تكون في بحر أيام كما جاء في الفيلم، ولكنها قابلة للتحقق مع الوقت. ونحن نعلم في التاريخ أن أوروبا الشمالية كانت قبل عشرة آلاف سنة تعيش فترة العصر الجليدي، وفيها عاش إنسان نياندرتال قبل 35000 سنة قبل أن يندثر. ومن نافذة المحطة الكونية في الفيلم نرى أن العالم العربي قد نجا من العصر الجليدي، في الوقت الذي قضى فيه على أوروبا وأمريكا الشمالية. وهذا يعني أن الحضارة مرتبطة بالمناخ، وهذه الأيام يعيش الشمال في مناخ جميل وغابات لا نهائية ومطر مدرار، ولكن انقلاب المناخ وقساوته يقضيان على كل حضارة، فلا يمكن في ظروف الإسكيمو أو الربع الخالي أن تنشأ أي حضارة. والحضارات العظمى نشأت على حواف الأنهار العظمى، وما يحصل من اهتزاز العالم وزحف كورونا إلى أوربا وإيران، هو نسمة خفيفة من غضب الطبيعة وجهل الإنسان واختراقه حدود الحرام، وهو يقود إلى بحث خطير عن معنى العقوبات وكيف تتدمر الحضارات من مخالفات بسيطة، والقرآن يقص علينا خبر سبأ «فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم»، فماذا حصل على وجه الدقة؟ وهو ما تجب معرفته عن طبيعة فيروس كورونا هذه الأيام، وما طبيعة الخطأ الذي حصل؟