حسن البصري
انتهت مباراة الديربي على إيقاع التراشق بالحجارة بين مشجعي الوداد والرجاء، وتحول حي المعاريف إلى منطقة منكوبة تخلصت من هدوئها. واقتيد عشرات القاصرين إلى مخافر الشرطة وفي أقبيتها تغنوا بموشحات المدرجات، قبل أن يحالوا على المحكمة وهم في حالة زهو قصوى، يرفعون شارات النصر لرفاق وعدوهم برفع لافتة «الحرية للمعتقلين» في المباراة القادمة.
في اليوم الموالي لمباراة الغريمين، يحصي سكان حي المعاريف خسائرهم، وتحرر نقابة التجار بيانها السنوي تكشف فيه عن معاناة أصحاب المحلات من الاجتياح الجماهيري في يوم الديربي، ويحاول عمال النظافة غسل وجه ملعب تحولت جوانبه إلى مطرح أزبال، ويكتب الفريق المهزوم بلاغا ناريا بماء سرعان ما يتبخر.
وفي اليوم الموالي يبحث كل فريق عن كبش فداء يقدمه قربانا للجماهير الغاضبة، ويشرع خبراء الديربيات والمتسللون خلسة إلى المدرجات في تحليل الحمض النووي للمباراة، يختلفون في وجهات النظر منهم من يدين الحكم واللاعب والمدرب والصحافي ورجل الأمن وحارس السيارات، ومنهم من يعتبرهم كاملي الأوصاف.
يغادر «الديربي» المدينة ويحولها إلى سيدة ثكلى تبكي خسائرها، ولكنه يضرب لنا موعدا جديدا بعد شهور ليعيد السيناريو نفسه، لهذا تحولت المواجهة الكروية بين الغريمين إلى مزار سنوي لمن استطاع إليه سبيلا.
ولأن الدار البيضاء تحولت إلى ورش مفتوح، فإن الحجارة كانت سلاحا متاحا للميليشيات المتعاركة، من مخلفات أوراش خطوط ترامواي غير مكتملة أصبحت حطب نيران المواجهة.
الذين يطالبون بنقل ملعب محمد الخامس إلى ضواحي المدينة، كمن يحث المعلم على وضع التلميذ الكسول في آخر طاولة في الفصل، كل الملاعب الكبرى في أوربا توجد في القلب النابض لكبريات العواصم، ولا تشكل خطرا على السكان والمحلات التجارية، ولا تعتبرها الدوائر الأمنية بؤرة توتر بل معلمة سياحية تجذب مئات السياح.
في اعتقادي الملعب بريء من تهمة الشغب، وطرده خارج المدار الحضري قرار تعسفي، لأن الأولى بالترحيل هي الكائنات التي تجعل مباراة في كرة القدم فضاء لمناورة عسكرية بالحجارة والعصي والسلاح الأبيض والشهب النارية.
رغم حالة الاستنفار التي تعرفها الدار البيضاء يوم «الديربي»، فإن الفرجة على أرض الميدان لا تستحق كمية المداد التي سكبها الصحافيون على مباراة تافهة، ولا تستحق ساعات السفسطة التي خصصها المحللون لقراءة كف مباراة، حيث يتبين في نهاية المطاف أن الوداد والرجاء كفريد شوقي ومحمود لمليجي يمثلان أدوار الشر وقبل الانصراف يزيلان آثار الكدمات الوهمية. بينما يساهم المسؤولون في إضافة بهارات على وجبة المباراة حين يتحول شحهم إلى سخاء ويبشرون الصابرين من اللاعبين بمنحة دسمة تحت مسمى «رفع المعنويات».
في نهاية المطاف يتبين أن الفرجة لا توجد على رقعة الملعب، وأن اللمسات الساحرة تنسحب من المستطيل الأخضر، بينما يظل الحكم بطل المباراة تارة يغضب المعسكر الأحمر وتارة يستنفر المعسكر الأخضر، وفي الحالتين ينطبق عليه المثل المغربي «راه راه والغوت وراه».
يرابط أمام المحكمة آباء وأمهات وأهالي «معتقلي الديربي»، حين تسمع دفوعاتهم وتنصت لحديثهم تلعن القدر الذي ساق فلذات أكبادهم إلى السجون، وعندما تسمع اعترافاتهم وتتأكد من صحيفة سوابقهم، تشفق على عائلاتهم التي لا ينتهي عندها الديربي بعد تسعين دقيقة ووقت إضافي، بل يستمر إلى أيام وشهور وسنوات.
ليست المحاكم وحدها من يتولى أمر المباراة الملعونة، ففي أقسام المستعجلات بمستشفيات المدينة أجساد ممددة لضحايا الرشق بالحجارة وبالشهب النارية وحروب الشوارع. في قاعة الانتظار ينتظر أولياء أمور الضحايا إطلالة طبيب يشرح حجم الضرر ومدة الاستشفاء وسكرتيرة تعد فاتورة العلاج من مرض العشق المتطرف.
لا يسلم الديربي من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.