شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

المالية العمومية وتحدي تمويل الإصلاحات الكبرى 

الحكومة ترصد اعتمادات إضافية لمواجهة التضخم وأزمة الماء والغلاء 

يرتقب أن يصل النمو الاقتصادي في المغرب إلى 2.5 في المائة هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3.3 في المائة في سنة 2024، وذلك من 1.1 في المائة فقط المسجلة خلال 2022، وفق أحدث توقعات مجموعة البنك الدولي، وأوضحت المؤسسة المالية الدولية أن هذا النمو سيكون مدعوما بـ«المرونة في قطاعي السياحة وصناعة السيارات»، متوقعة تسجيل نمو بنسبة 3.5 في المائة خلال سنة 2025. وفي السياق نفسه، أكد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أمام البرلمان، أن الحكومة حريصة على توازن المالية العمومية، لأن الحفاظ على استدامتها هو الذي يضمن للمغرب كامل السيادة المالية في مواجهة مختلف التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتمويل الإصلاحات الهيكلية التي انخرطت فيها البلاد تحت قيادة الملك محمد السادس، فإذا كانت كل المؤشرات التي قدمها الوزير تدل على أن الوضعية المالية العمومية متحكم فيها، هناك بالمقابل إكراهات لتوفير الموارد المالية الكافية لتمويل مختلف الإصلاحات الكبرى التي تتطلب مبالغ مالية مهمة، من قبيل تعميم ورش الحماية الاجتماعية، وكذلك مواجهة أزمة الماء وغلاء الأسعار وارتفاع معدل التضخم، فهل ستربح الحكومة رهان هذه المعادلة الصعبة؟

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

تضارب التوقعات بخصوص التضخم والمجلس الاقتصادي والاجتماعي يقترح وصفة لتخفيضه

 

 

بعد ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، خلال هذه السنة، كشفت وزارة الاقتصاد والمالية، في رد مكتوب على أسئلة المستشارين البرلمانيين، أسباب ارتفاع التضخم، وتوقعت تراجع معدل التضخم في سنة 2023.

وأوضحت الوزارة أن إعداد التوقعات الخاصة بالتضخم لسنتي 2022 و2023 استند على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، ومنها الضغوط التضخمية ذات المصدر الخارجي، وتتعلق بالوضع الاقتصادي للشركاء الرئيسيين للمغرب وارتفاع الأسعار في أسواق المواد الأولية. كما تتيح مجموعة من المقاييس، المعتمدة خلال إعداد هذه التوقعات، إمكانية تقييم التضخم المستورد وحدة انتقاله إلى تكاليف الإنتاج والأسعار الداخلية، بالإضافة إلى النوع الثاني من الضغوط ذي المصدر الداخلي والذي ينبع بشكل أساسي من القطاع الحقيقي. وفي هذه الحالة، يتم إيلاء اهتمام خاص للضغوط المتعلقة باستخدام القدرات الإنتاجية وتكاليف الإنتاج والشغل والأجور.

وتوقع بنك المغرب أن يصل التضخم في سنة 2023 إلى 5,5 في المائة في المتوسط، قبل أن ينخفض إلى 2,3 في المائة سنة 2024. وأوضح البنك المركزي، في بلاغ صادر عقب اجتماعه الفصلي الأول برسم سنة 2023، أنه «بعد بلوغ التضخم 6,6 في المائة في 2022، وهي أعلى نسبة يسجلها منذ سنة 1992، يتوقع أن يظل في مستويات مرتفعة على المدى المتوسط. وسيصل خلال سنة 2023 إلى 5,5 في المائة في المتوسط، فيما سيبلغ مكونه الأساسي 6,2 في المائة، بمراجعة نحو الارتفاع بواقع 2 نقط مئوية مقارنة بتوقعات شهر دجنبر الماضي، نتيجة بالأساس للارتفاع الحاد في أسعار بعض المنتجات الغذائية المدرجة فيه».

وأورد المصدر ذاته أن هذه التوقعات تفترض تلاشي الصدمات المسببة لهذا الارتفاع تدريجيا خلال النصف الثاني من السنة بفضل مختلف التدابير الحكومية المتخذة في هذا الشأن، مبرزا أنه في سنة 2024، ومع فرضية استمرار تقلص الضغوط التضخمية الداخلية كما الخارجية، يتوقع أن يبلغ التوجه الأساسي للأسعار 2,3 في المائة. وأضاف بنك المغرب أن الشروع المبرمج في رفع دعم أسعار المنتجات المدرجة في صندوق المقاصة من شأنه أن يبقي التضخم إجمالا في مستوى مرتفع، أي 3,9 في المائة.

وذكر المجلس أنه، رغم التقلص النسبي للضغوط خارجية المنشأ، فإن أحدث المعطيات المتوفرة تشير إلى استمرار تسارع التضخم، نتيجة، على الخصوص، لصدمات العرض الداخلية على بعض المواد الغذائية، محيطا علما، في هذا الإطار، بالتدابير التي اتخذتها الحكومة لتحسين عرض هذه المنتجات وضمان السير الجيد لأسواقها.

ومن جهته، اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عددا من التوصيات، على المديين القصير والمتوسط، من أجل التخفيف من تداعيات التضخم الذي تشهده المملكة.

وأوضح المجلس أنه، على مستوى الإجراءات ذات الطابع الآني، يتعين التفكير في توزيع مساعدات تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، والإبقاء على الرسوم الجمركية المفروضة على أسعار بعض المنتجات الأساسية المستوردة في مستوى منخفض، وتعزيز مراقبة مدى احترام قواعد المنافسة في مختلف القطاعات، سيما قطاعات السلع والمنتجات الأساسية، مع الحرص على أن تكون العقوبات في حال انتهاك هذه القواعد رادعة بما فيه الكفاية.

أما على المدى المتوسط، وبغية مواجهة أي ارتفاع محتمل للأسعار مستقبلا، يوصي المجلس بالإسراع بتنزيل السجل الاجتماعي الموحد من أجل استهداف أمثل للدعم الموجه للفئات الأكثر هشاشة؛ ودراسة إمكانية إحداث صندوق دائم للتصدي للصدمات الكبرى (Fonds de stabilisation)؛ والقيام بالمزيد من الاستثمارات في القدرات الوطنية في مجال تخزين المنتجات الطاقية ودراسة السبل الممكنة لتعبئة قدرات التخزين المتوفرة لدى شركة «سامير».

ويوصي المجلس، كذلك، بإصلاح وتنظيم فضاءات تسويق المنتجات الفلاحية، ودراسة جدوائية إحداث شركة وطنية للشحن البحري، فضلا عن إحداث مرصد للأسعار وهوامش الربح المتعلقة بالمواد الأساسية.

وفي هذا الصدد، أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن المغرب يواجه، على غرار بقية بلدان العالم، منذ سنة 2021 وإلى غاية اليوم، تداعيات استمرار وتيرة ارتفاع معدل التضخم، ما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.

وفي السياق ذاته، أبرز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه خصص، في تقريره السنوي الأخير، نقطة يقظة تتناول هذا الموضوع في أبعاده الظرفية والاستشرافية، مقترحا جملة من التدابير الرامية إلى التخفيف من الانعكاسات السلبية لهذه الصدمة على الاقتصاد الوطني وعلى معيش المواطنين.

واعتبر المجلس أنه، رغم أن الزيادات المهمة في الأسعار التي سجلت منذ 2021 تعزى بالأساس إلى عوامل خارجية، فإن هذه الوضعية لا تمنع من وجود عوامل داخلية لها تأثير على الأسعار، سيما أن الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2022 شهدت توسع نطاق ارتفاع الأسعار ليشمل المنتجات غير التجارية.

ومن بين تلك العوامل، يشير المصدر ذاته إلى إشكالية ضعف تنظيم الأسواق الخاصة بالمنتجات الفلاحية وإلى تعدد الوسطاء، مضيفا، بخصوص السوق الداخلية للمحروقات، أنه من الأهمية بمكان تسريع وتيرة إجراء بحوث للتقصي بشأن وجود أو عدم وجود سلوك مناف للمنافسة من قبل الفاعلين في هذا القطاع.

وذكر المجلس أنه، أخذا بعين الاعتبار طبيعة التضخم الذي تواجهه البلاد، وفي سياق تشير مؤشرات النشاط الاقتصادي إلى عدم وجود ضغط قوي من قبل الطلب الداخلي على الأسعار، اتخذت السلطات العمومية جملة من التدابير على المدى القصير، من أجل التخفيف من تداعيات الضغوط الناجمة عن التضخم.

ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بتحمل ارتفاع أسعار المواد المدعمة من خلال آلية صندوق المقاصة، والتوقيع، خلال شهر أبريل من سنة 2022، على اتفاق في إطار الحوار الاجتماعي ينص على تحسين دخل العاملين في القطاعين العام والخاص على مدى سنتين، فضلا عن الدعم المخصص للفاعلين في مجال النقل وعدم الزيادة في تسعيرة الكهرباء.

وأضاف المجلس أنه، بالموازاة مع هذه الإجراءات، قرر بنك المغرب، أخيرا، رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس، وذلك لتفادي عدم تثبيت توقعات الفاعلين الاقتصاديين بشأن التطور المستقبلي للأسعار. وخلص المجلس إلى أنه، على الرغم من ذلك، وفي ظل استمرار ارتفاع الأسعار، فإن الوضعية الراهنة تقتضي اتخاذ إجراءات مباشرة وذات تأثير أقوى.

الحكومة تراهن على تحسن المالية العمومية لتمويل الإصلاحات الكبرى

 

كشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن التدبير المحكم للمالية العمومية وتعزيز الهوامش، هو الذي سيمكن الحكومة من ضمان تمويل الإصلاحات الكبرى التي انخرط فيها المغرب تحت الرعاية الملكية، والتي يأتي على رأسها ورش الحماية الاجتماعية.

وأوضح لقجع في رده على أسئلة الفرق البرلمانية بمجلس النواب، أن الحكومة تمكنت من تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وقد خصصت لذلك غلافا ماليا يقدر ب9,5 ملايير درهم، كما ستشرع الحكومة في تعميم التعويضات العائلية بشكل تدريجي انطلاقا من نهاية هذه السنة، والتي ستكلف حوالي 2 مليار درهم هذه السنة، وأكد أن الموارد المتوفرة على مستوى «صندوق دعم الحماية الاجتماعية

والتماسك الاجتماعي» ، ستمكن من تمويل التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والتعويضات العائلية.

وقدم لقجع أمام المجلس التفاصيل المتعلقة بموارد «صندوق دعم الحماية  الاجتماعية والتماسك الاجتماعي»، حيث بلغ الرصيد المرحل عند متم سنة 2022، ما مجموعه 8 ملايير درهم، ومبلغ  6.7 مليارات درهم برسم مداخيل المساهمة الاجتماعية للتضامن المترتبة على الرباح والمداخيل، ومبلغ 2 مليار درهم بالنسبة للموارد الاعتيادية للصندوق (حصيلة الضريبة الداخلية على الاستهلاك المفروضة على التبغ المصنع، وحصيلة الرسم الجوي للتضامن وإنعاش السياحة، وحصيلة المساهمة الاجتماعية للتضامن المطبقة على ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن)، ومبلغ 500 مليون درهم برسم حصيلة الضريبة الداخلية على الاستهلاك المطبقة على بعض الأجهزة المستهلكة للكهرباء وعلى الإطارات المطاطية.

وأضاف الوزير، أن الموارد السنوية المحصلة على مستوى الصندوق بلغت إجمالا إلى غاية نهاية شهر ماي، 12 مليار درهم، أي ما مجموعه 20 مليار درهم باحتساب الرصيد المرحل، ومن المتوقع أن تبلغ هذه الموارد نهاية السنة حوالي 23 مليار درهم، وهو ما يُتيح تمويل النفقات المتوقعة لهذا الصندوق والتي تقدر ب 14 مليار درهم، سيتم توزيعها بتخصيص مبلغ 9,5 ملايير درهم لتحمل واجبات الاشتراك لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك برسم التأمين الإجباري  الأساسي عن المرض، و2,5 ملايير درهم لتمويل برنامج تيسير وبرنامج الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة، في انتظار الشروع في تعميم التعويضات العائلية، ومبلغ 2 ملايير درهم للشروع في تعميم التعويضات العائلية، نهاية سنة 2023.

وبخصوص المجهودات الحكومية المتعلقة بمواكبة تنزيل ورش ميثاق الاستثمار، ذكر لقجع  بأن الحكومة قد نجحت في المصادقة عليه وإخراجه إلى حيز الوجود، بعد أقل من سنة على تنصيبها، والآن تم الشروع فعليا في تنزيله من خلال عقد أول اجتماع للجنة الوطنية للاستثمارات يوم 24 ماي الماضي، وتمت خلال هذا الاجتماع المصادقة على 21 اتفاقية لمشاريع استثمارية بأزيد من 76 مليار درهم ستمكن من خلق 5.728 منصب شغل مباشر و14.707 غير مباشر، ومنح الطابع الاستراتيجي لـ 6 مشاريع إضافية بقدرة استثمارية تبلغ 54.8 مليار درهم من المتوقع أن تخلق 13.260 منصب شغل مباشر  و33.150 غير مباشر.

وأكد لقجع بأن الحكومة حريصة على اتخاد كل التدابير لمواكبة تنزيل هذا الميثاق من منطلق إيمانها بأن التحديات المستقبلية على مستوى تعبئة الموارد المائية والانتقال الطاقي، وتطوير الصناعات الصديقة للبيئة، وضمان الأمن الغذائي، تتطلب تعبئة استثمارات كبرى، لا يمكن لميزانية الدولة تحملها لوحدها، وبالتالي فتحفيز القطاع الخاص من خلال إطلاق مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، وتقديم الدعم المالي، وتوفير العقار، والتحفيزات الجبائية والجمركية، هو الذي سيمكن الحكومة من رفع هذه التحديات.

ومن بين التدابير التي اتخذتها الحكومة في إطار قانون المالية لمواكبة تنزيل هذا الميثاق تخصيص غلاف مالي يقدر بـ 3,3 مليارات درهم ، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الغلاف إلى 4 ملايير درهم سنة 2024 ، و6 ملايير درهم سنة 2025 ، فضلا عن إدراج عدة تدابير جبائية وجمركية لتشجيع الاستثمار، منها على الخصوص تخفيض سعر الضريبة على الشركات إلى 20 في المائة بالنسبة لجميع الشركات موازاة مع تخفيض الضريبة المحجوزة في المنبع على عوائد السهم وحصص المشاركة، وذلك في إطار إصلاح شامل لأسعار هذه الضريبة من أجل التوجه نحو أسعار موحدة وفق مقاربة تدريجية على مدى أربع سنوات (الفترة الممتدة من 2023 إلى 2026)، وكذلك تخفيض سعر الحد الأدنى للضريبة إلى 0,25 في المائة بالنسبة إلى جميع القطاعات، مع تخفيض السعر المطبق على العمليات المتعلقة ببعض المواد الأساسية من 0,25 في المائة إلى 0,15 في المائة، وتخفيض العتبة المحددة لإبرام اتفاقية استثمار مع الدولة من 100 مليون درهم إلى 50 مليون درهم، وتطبيق  أحكام المادة الأولى من ميثاق الاستثمار والمتعلقة بتشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي، من خلال ملاءمة رسوم الاستيراد المطبقة على بعض الواردات وذلك عبر خفض، على سبيل المثال، رسوم الاستيراد على المواد الأولية التي لا تنتج في المغرب بهدف خفض كلفة الإنتاج الوطني والرفع من تنافسيته أو على عكس ذلك، عبر الرفع من رسوم الاستيراد المطبقة على المنتجات التي تصنع وطنيا حفاظا على النسيج الصناعي المحلي، وتفاديا لكل إغراق للسوق الوطنية من السلع المستورة.

وأكد الوزير أن الحكومة عازمة على ترصيد كل المكتسبات المحققة ومواصلة هذه الدينامية الإصلاحية، خلال الفترة المتبقية من سنة 2023 ، ومن هذه الولاية الحكومية، تجسيدا للتوجيهات الملكية، وانسجاما مع التزامات البرنامج الحكومي، وذلك من خلال المضي قدما في وضع أسس النموذج التنموي الجديد  واستكمال مرتكزات الدولة الاجتماعية، اللذين يشكل إصلاح الاستثمار وتعميم الحماية الاجتماعية أبرز مُدخلاتهما.

لقجع: المؤسسات المالية الدولية أشادت بصلابة تدبير المالية العمومية

أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن الحكومة حريصة على توازن المالية العمومية، لأن الحفاظ على استدامتها هو الذي يضمن للمغرب

كامل السيادة المالية في مواجهة مختلف التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتمويل الإصلاحات الهيكلية التي انخرطت فيها البلاد تحت قيادة الملك محمد السادس.

وأفاد لقجع، في جوابه عن أسئلة البرلمانيين بمجلس النواب، بأن وضعية المالية العمومية متحكم فيها، ويتم تنفيذ قانون المالية لسنة 2023 وفق التوقعات التي صادق عليها البرلمان، بل بوتيرة أفضل مما كان متوقعا، وبشكل يتيح للحكومة ما يكفي من الهوامش لمواجهة تأثيرات الظرفية الاقتصادية على بعض المؤسسات العمومية الحيوية، وعلى المواطنين، وخاصة منهم الفلاحين الذين تضرروا نتيجة توالي سنوات الجفاف.

ولتأكيد ذلك، كشف لقجع عن مجموعة من الأرقام، ومنها ارتفاع الموارد الضريبية، إلى غاية متم شهر ماي الماضي، بـ 4.9 ملايير درهم أي بما يناهز 5 بالمائة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2022، وأوضح أنه، باستثناء موارد الضريبة على الشركات، التي كانت استثنائية سنة 2022 (+10.5 ملايير درهم مقارنة مع سنة 2021)، والتي لم تتراجع إلا بشكل طفيف (-232 مليون درهم) خلال هذه الفترة، بلغت نسبة تحصيلها 40 بالمائة مقارنة مع التوقعات، وهو ما اعتبره لقجع إنجازا كبيرا في حد ذاته، مضيفا أن باقي الموارد الضريبية سجلت كلها تحسنا ملحوظا عند متم شهر ماي 2023 مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022، حيث سجلت الضريبة على الدخل +5,6 بالمائة، بنسبة إنجاز بلغت 49 بالمائة. وسجلت الضريبة على القيمة المضافة +17,5 بالمائة، بنسبة إنجاز بلغت 42,4 بالمائة، أما الرسوم الجمركية فسجلت +9 بالمائة، بنسبة إنجاز بلغت 40 بالمائة، ورسوم التسجيل والتنبّر سجلت +12 بالمائة، بنسبة إنجاز ناهزت 60 بالمائة.

وفي مقابل الارتفاع المهم في الموارد، تراجعت نفقات المقاصة بفضل التراجع المسجل في أسعار بعض المواد الأولية، سيما غاز البوطان (408 دولارات للطن بمعدل 599 دولارا للطن منذ بداية السنة) والقمح اللين (248 دولارا للطن بمعدل 292 دولارا للطن)، ونتيجة لذلك تراجعت تحملات المقاصة، بما يناهز 2,7 مليار درهم، خلال الفترة الممتدة ما بين يناير وماي 2023 مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022.

وأبرز لقجع أن هذه الوضعية المالية المتحكم فيها، والهوامش التي تم توفيرها بفضل دينامية الموارد وتقلص نفقات المقاصة، هي التي أتاحت للحكومة فتح اعتمادات إضافية أولية تقدر بـ10 ملايير درهم، ستنضاف إليها اعتمادات أخرى، وذلك أخذا بعين الاعتبار تطورات الظرفية وما تفرضه من إعادة ترتيب الأولويات، وذلك من خلال تخصيص 4 ملايير درهم لدعم الوضعية المالية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب التي تأثرت نتيجة ارتفاع تكلفة شراء المحروقات واستيراد الكهرباء من طرف المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وحرص الحكومة على عدم رفع فاتورة استهلاك الكهرباء على المواطنين ولا على القطاع الخاص، هذا في وقت ارتفعت فاتورة الكهرباء لدى الأسر في دول الاتحاد الأوروبي بما يقارب 90 بالمائة، حيث عرفت هذه الزيادة أعلى مستوياتها في كل من الدنمارك واليونان، والتشيك وإسبانيا بما قدره 282 و255 و173 و152 بالمائة على التوالي، في حين تضاعف متوسط مبلغ فاتورة الكهرباء أكثر من ثلاث مرات لدى الأسر في بريطانيا خلال سنة 2022 مقارنة بسنة 2021.

وسيتم تخصيص مبلغ 1,5 مليار درهم لتغطية النفقات الإضافية التي يتطلبها تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020- 2027، تنفيذا للتوجيهات الملكية، وتخصيص مبلغ 1,2 مليار درهم لتنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية لقطاع السياحة 2026-2023، لضمان استمرارية الدينامية الكبيرة التي يعرفها هذا القطاع، كما سيتم تخصيص 3,3 ملايير درهم لتغطية بعض النفقات المرتبطة بمواجهة انعكاسات ارتفاع أسعار المواد الغذائية على القدرة الشرائية للمواطنين.

وحسب لقجع، يعزى الارتفاع المسجل في أسعار المنتجات الغذائية الفلاحية أساسا للتداعيات السلبية لتوالي سنوات الجفاف التي عرفتها المملكة وزيادة تكاليف استيراد المدخلات الفلاحية، كالأسمدة والبذور والأدوية، وكذلك تكلفة بعض الخدمات خصوصا الشحن، حيث أدى تراجع حقينة السدود إلى ارتفاع تكلفة السقي بحوالي 200 بالمائة، كما أدى ارتفاع أسعار المواد الطاقية وتراجع صادرات البوتاس منذ سنة 2021 وكذا تعطيل إمدادات الأسمدة العالمية إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة، حيث سجلت ارتفاعا غير مسبوق ناهز إجمالا متوسط 250 بالمائة خلال سنة 2022 مقارنة مع سنة 2019، وتضاعف سعر الأسمدة الأزوتية والبوتاسية، المستوردة بالكامل، ثلاث مرات في سياق اضطراب سلاسل التوريد والقيود المفروضة على الصادرات وارتفاع تكاليف المدخلات وتكلفة الطاقة. وفي ظل قلة العرض في السوق الدولية والجفاف الذي ميز الموسم الفلاحي الأخير، ارتفعت أسعار معظم البذور بمتوسط 20 بالمائة.

ولمواجهة هذه الإكراهات، يضيف لقجع، كان لابد للحكومة من اتخاذ الإجراءات الضرورية والمستعجلة من أجل تمكين الفلاحين من المواد الأولية بأثمنة مقبولة وضمان تزويد السوق الوطنية بالمواد الأساسية في أحسن الظروف. وأكد لقجع أن الاعتمادات المفتوحة هي اعتمادات أولية ستضاف إليها اعتمادات أخرى لبلوغ هدف 10 ملايير درهم الذي التزمت الحكومة بتعبئته، تنفيذا للتوجيهات الملكية في مجلس الوزراء.

وأضاف لقجع أن هذا المبلغ سيوجه أساسا لدعم الأعلاف المستوردة المخصصة للمواشي والدواجن، ودعم المواد الأولية الفلاحية المستوردة، بغية خفض كلفة إنتاج مجموعة من الخضر والفواكه، وتعزيز قدرات تمويل القرض الفلاحي للمغرب من أجل الرفع من تدخله في مواكبة الفلاحين، إضافة إلى تخصيص اعتمادات مالية لاستيراد القمح اللين، لضمان التزويد العادي للسوق إلى حدود شهر دجنبر المقبل.

وأكد لقجع أنه، بناء على النتائج المشجعة المحصلة إلى غاية نهاية شهر ماي، وأخذا بعين الاعتبار كل الاعتمادات الإضافية التي سيتم فتحها لمواجهة الإكراهات الظرفية، ستعمل الحكومة على مواصلة تقليص عجز الميزانية ليبلغ 4,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام نهاية سنة 2023، أي بتحسن بنحو 0,6 نقطة مئوية مقارنة مع سنة 2022 (5,1 بالمائة). وكنتيجة لذلك، سيظل مستوى مديونية الخزينة شبه مستقر نسبة إلى الناتج الداخلي الخام، في حدود حوالي 69 بالمائة.

وأشار لقجع إلى أن النتائج الجيدة والمطمئنة التي حققتها الحكومة، على مستوى تدبير المالية العمومية، يجب أن تكون محل افتخار للجميع، خاصة في ظل إشادة كل المؤسسات المالية الدولية بصلابة تدبير المالية العمومية، وآفاقها المستقرة وتزايد ثقة المستثمرين وكافة المانحين الماليين، وهو ما أكده، على الخصوص، الخروج الأخير والناجح للمغرب إلى السوق المالي الدولي، من خلال تعبئة 2.5 ملايير دولار في وقت فاقت عروض المستثمرين 11 مليار دولار، وخاصة منهم المستثمرين المؤسسيين ذوي الجودة العالية، وموافقة صندوق النقد الدولي على منح خط الائتمان المرن (FCL) لفائدة المغرب بمبلغ يعادل 5 مليارات دولار لمدة سنتين، إضافة إلى خروج المغرب خلال شهر فبّراير 2023 من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (GAFI)، والإعلان يوم 17 ماي 2023 عن حذف المغرب رسميا من القائمة الرمادية للاتحاد الأوروبي.

الحكومة بين تحديات الأزمات ورهان التوازنات الاقتصادية

 

تواجه حكومة عزيز أخنوش تحديات وأزمات كبرى، في ظل موجة الجفاف  غير المسبوقة، والتي لم تشهدها البلاد منذ ما يزيد عن 4 عقود، تلتها الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافقها من ارتفاع عالمي في أسعار المحروقات والمواد الأولية، في الوقت الذي كان الاقتصاد المغربي، قد بدأ يتعافى من تبعات أزمة جائحة كوفيد-19 العام الماضي، وسجل نموا بلغ 7.8 في المائة، غير أن 2022 كانت سنة الأزمات حسب ما وصفها محللون، إذ لم تتوقع حكومة أخنوش وهي تضع الفرضيات التي بنت عليها مشروع ميزانية  2022 أن البلاد ستشهد تراجعا حادا في الأمطار، وارتفاعا عالميا في الأسعار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وتراجعا في قيمة اليورو مقابل الدولار، وهو نفس  الإكراه الذي تكرر سنة 2023 .

وكانت الحكومة قد توقعت في قانون مالية 2023 أن تحقق معدل نمو 3.2 في المائة، على فرضية إنتاج 8 ملايين طن من الحبوب، وعلى أساس سعر برميل نفط عند 68 دولارا، وسعر طن البوتان يناهز 450 دولارا، غير أن محصول الحبوب لم يتجاوز 3.4 ملايين طن، في حين قفز سعر النفط إلى 105 دولارات، وسعر البوتان إلى 800 دولار للطن، وهو الأمر الذي دفع وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح في لقاء بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب الصيف الماضي، إلى القول بأنه من المتوقع أن ينحصر نمو الاقتصاد الوطني سنة 2023 إلى 1.5 في المائة، بدلا من 3.2 في المائة المتوقعة في قانون المالية، ومن المنتظر أن يتجاوز معدل التضخم 5.3 في متم سنة 2023  مقابل 1.4 في 2021 .

بالمقابل، توقع البنك المركزي في تقريره الأخير أن يسجل النمو الاقتصادي هذه السنة تباطؤا ملموسا إلى 0.8 في المائة، نتيجة تراجع القيمة المضافة للقطاع الزراعي بنسبة 14.7 في المائة وتباطؤ وتيرة نمو الأنشطة غير الزراعية إلى 3.4 في المائة، وأمام هذا الوضع، ولتجاوز الأزمة ودعم القدرة الشرائية للمواطنين أمام الارتفاع الكبير في الأسعار، خاصة المحروقات وما تلاها من زيادة أسعار المواد الغذائية، أعلنت حكومة أخنوش عددا من التدابير من بينها، تخصيص 15 مليار درهم إضافية لدعم صندوق المقاصة، وإطلاق عملية دعم مهنيي النقل البري لمواجهة الارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات، وهو الدعم الذي مازال صرفه مستمرا.

وللتخفيف من استمرار ارتفاع معدل البطالة، أطلقت الحكومة برامج تشغيل، منها برنامج «أوراش» بميزانية تقدر بـ 2.25 مليار درهم، بهدف توفير 250 ألف فرصة عمل أغلبها مؤقتة، وبرنامج «فرصة» ويهدف إلى دعم ومواكبة 10 آلاف من حاملي المشاريع في جميع قطاعات الاقتصاد، بميزانية تصل إلى 1.25 مليار درهم، كما تم الإعلان عن رفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة بنسبة 5 في المائة، وبنسبة 10 في المائة في القطاع الزراعي، كما تدخلت الحكومة لمواجهة تداعيات موجة الجفاف القاسية التي عاشتها البلاد هذا الموسم، من خلال وضع برنامج استثنائي للحد من آثار الجفاف بقيمة 10 مليارات درهم، يتضمن إعادة هيكلة ديون المزارعين، ودعم الأنشطة الزراعية المتضررة.

هذا، وتؤكد حكومة أخنوش أن تدابيرها في مواجهة الأزمات المتزامنة التي شهدتها البلاد هذا العام، مكنت من التحكم في ارتفاع الأسعار، والحد من تداعياته على القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على التوازنات المالية للبلاد وتحقيق صمود الاقتصاد الوطني، وتعتبر الحكومة أن المالية العمومية أبانت عن صلابتها وصمودها أمام الصدمات الخارجية وهو ما مكن البلاد من الحفاظ على سيادتها المالية مع إمكانية تعبئة هوامش مالية إضافية قادرة على الحفاظ على ميزانية الاستثمار العمومي من جهة ووضع دين الخزينة في منحى تنازلي من جهة أخرى.

ثلاثة أسئلة

 

محمد جدري*

 

«الاقتصاد الوطني يمتاز بالصلابة وهاجس الحكومة التحكم في المؤشرات الماكرواقتصادية»

 

  • ما التحديات التي تواجه المالية العمومية، في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم والجفاف؟

الاقتصاد الوطني مر، في السنوات الماضية وتحديدا في السنوات الثلاث الأخيرة، من أزمة غير مسبوقة، على رأسها آثار جائحة كورونا، خصوصا على عدة جوانب، منها التشغيل والعرض والطلب بصفة عامة، وأيضا أسعار المواد الأولية، بالإضافة إلى الأزمة المرتبطة بأسعار المحروقات التي وصلت إلى معدلات قياسية، وتأثير ذلك على كلفة شحن ونقل السلع، زيادة على الأزمة المرتبطة بنقص المياه، حيث بات لدينا الجفاف بنيويا وهيكليا، وهذا ما يؤثر على الاقتصاد الوطني بدرجة أساسية. في المقابل وجبت الإشارة، أيضا، إلى أنه رغم تنوع الأزمات وحدتها، التي واجهت الاقتصاد الوطني، إلا أنه أبان عن صلابة مميزة، حيث إنه في السنة الماضية، وعلى الرغم من أننا لم نتمكن من تحقيق نسب مرتفعة بين 1 و1.5 في المائة، إلا أن نسبة عجز الميزانية التي كان متوقعا أن تصل إلى 5.8 في المائة، تراجعت إلى 4.7 في المائة، وبالتالي فهذا الأمر منح الحكومة الحالية مجموعة من الهوامش المالية التي لم تكن متوقعة. ففي السنة الماضية ربحت الحكومة حوالي 16.5 مليار درهم من الضرائب، فيما زادت هذه السنة مداخيل الضرائب في الأشهر الخمسة الأولى بحوالي 4 مليارات درهم، وهذه الأمور هي التي تجعل الحكومة تحافظ على وتيرة الاستثمار العمومي في معدلات متميزة تصل إلى 300 مليار درهم، زيادة على محافظتها على دعم صناديق المساعدة، مثل صندوق المقاصة وباقي الصناديق الأخرى.

إلا أنه، ومع كل ما ذكر، وجب التنبيه إلى أن الطبقة المتوسطة هي الحلقة الأضعف، وهي التي تضررت بشكل كبير، على اعتبار أن الحكومة تخصص برامج لدعم ذوي الدخل المحدود، بخلاف الطبقة المتوسطة التي تعتبر بمثابة صمام أمان اجتماعي. ولعل وضعية الطبقة المتوسطة هي المشكل الأكبر الذي يواجه الحكومة الحالية، والتي تطمح إلى الحفاظ على الهوامش المالية التي تتوفر لديها، مقابل رغبتها في عدم بلوغ نسبة عجز كبيرة تصل إلى 6 أو 5 في المائة، وهو الأمر الذي يجعلها تحاول التحكم في المؤشرات الماكرواقتصادية لديها، غير أن هذا يكون على ظهر الطبقة المتوسطة، التي تمضى في اتجاه عتبة الفقر، وهو ما قد يخلق مشكلا وتهديدا للسلم الاجتماعي.

 

  • ما الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة لتخفيف هذه الآثار؟

وجبت الاشارة إلى كون المشكل المرتبط بالمالية العمومية ليس مشكل كلفة الاستثمار العمومية، والذي بلغ اليوم 300 مليار درهم، وهو من المستويات القياسية، إلا أن المشكل، اليوم، هو في ما يخص فعالية وأثر هذا الاستثمار العمومي على حياة المواطن. وهنا وجب الرجوع إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي أشار إلى أن الاستثمار العمومي المغربي يفتقر إلى سياسة موحدة وتناسق بين القطاعات العمومية، وهو الأمر، حسب المجلس، الذي يجعل هذا الاستثمار العمومي لا يؤدي دوره بالشكل الكبير. زيادة على هذا، وجبت الإشارة إلى أن المشكل الثاني، وهو الذي يتعلق بأساليب الدعم الحالية، مثل صندوق المقاصة، الذي كانت الاعتمادات المالية المخصصة له سنة 2022 تصل إلى 32 مليار درهم، وهذه السنة تم تخصيص 26 مليار درهم، لكن دون نتيجة، لأن هذا النوع من الدعم تستفيد منه جميع الفئات بما فيها تلك التي ليس لها حق الاستفادة، وذلك في انتظار تجاوز هذا المشكل بإقرار السجل الاجتماعي الموحد. زيادة على مشكل آخر، وهو أن علاقة هذه الحكومة بالمقاولات تتسم بالسخاء، من خلال منح العديد من الامتيازات للمقاولات والتخفيضات الضريبية. في المقابل، تتسم علاقتها بالأجراء من القطاع العام أو الخاص بنوع من التوتر، وهو الأمر الذي يبدو جليا في توقف الحوار الاجتماعي بسبب عدم التزام الحكومة بالزيادة العامة في الأجور كما نص عليها اتفاق 30 أبريل، وأيضا عدم تخفيض الحكومة للضغط الضريبي المفروض على الأجراء، وهو الأمر الذي لم تقم به الحكومة، لأن لها حسابات (محاسباتية)، فهي تقتصر على المحافظة على عجز الميزانية في مستوى معقول، وهذا مفروض عليها من سوق النقد الدولي، وهي لذلك لا ترغب في الرفع من المديونية لمستويات قياسية. وفي كل هذا يكون الأجراء هم الضحية والأكثر تعرضا للضرر، وتكون الحكومة تكيل بمكيالين، أحدهما بالسخاء مع المقاولات والمستثمرين الخواص، والثاني بالتشدد والغلظة مع الأجراء وعموم الموظفين من الطبقة الوسطى.

 

  • هل من شأن الاقتراض الخارجي وضخ الحكومة الاعتمادات المالية بالإضافة إلى دعم الاستثمار تخفيف آثار هذه الأزمة؟

أعتقد أن المديونية لا تشكل مشكلا للاقتصاد الوطني، لعدة أسباب، منها أن المديونية الخارجية توجه للاستثمار وليس للتدبير، عكس بعض دول الجوار التي باتت تضطر إلى الاقتراض من أجل أداء أجور الموظفين. زيادة على هذا فإن التحكم في المؤشرات الماكرواقتصادية يمنح المغرب موقعا مميزا على مستوى السوق الدولية ولدى مؤسسات الائتمان، فعلى سبيل المثال، كان المغرب، في فبراير الماضي، يتجه لاقتراض 2.5 مليار دولار، فكانت العروض التي قدمت تتجاوز 12 مليار دولار، ما يعني أن هناك حالة يقين للمؤسسات المالية العالمية في الاقتصاد الوطني، زيادة على العلاقات المتميزة للمغرب مع صندوق النقد الدولي، وأيضا استفادتنا من الخط الائتماني الذي تبلغ قيمته حوالي 15 مليار درهم، لكن كل هذه العناصر، بما فيها ثقة المؤسسات المالية العالمية، لا يمكن أن تستمر ما لم نقم بإصلاحات حقيقية، أولها لصندوق المقاصة وأنظمة التقاعد، وإصلاح المنظومة الضريبية ومواجهة القطاع غير المهيكل، إضافة إلى ضرورة حل مشكل الطاقة والماء. وبدون حل هذه المشاكل، من الممكن مستقبلا أن نواجه مشاكل مع المؤسسات المالية العالمية، وبالتالي الاقتراض منها بمعدل مرتفع، وهو ما سيشكل ارتهانا للقرار الداخلي لدى المؤسسات المالية العالمية، بل رهن مصائر أجيال قادمة في المستقبل، خصوصا إذا وصل معدل الدين الخارجي 80 في المائة من الناتج الداخلي.

في هذا الجانب، وجبت الاشارة إلى أن المغرب اليوم لديه العديد من الامتيازات من أجل الاستثمار، على اعتبار أنه هو الذي سيكون قاطرة من أجل تحرك العجلة الاقتصادية بالوطن. ومن هذه الامتيازات، التي تتوفر بالمغرب، عنصر الاستقرار، وهو عملة مهمة بالنسبة للمستثمرين الأجانب، زيادة على توفر المغرب على بنية تحتية مهمة، مثل الموانئ والمطارات وتوسع السكة الحديدية، زيادة على القطار فائق السرعة والمناطق الصناعية، فضلا عن رأسمال بشري مكون وكفء. وكل هذه عناصر مهمة في جلب الاستثمار، وإن كان وجب الوقوف، كذلك، على عنصرين مهمين قد يشكلان عائقا في وجه المستثمر الأجنبي، ويتعلق الأمر هنا بالطاقة والماء، بالإضافة إلى مناخ الأعمال، حيث يجب التوجه أكثر نحو التحكيم والوساطة والابتعاد قليلا عن القضاء، زيادة على عنصر آخر، وهو المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية والتوجه أكثر نحو مبدأ التحكيم والوساطة، وبالتالي هناك العديد من النقاط الإيجابية التي وجب الاشتغال من أجل تقويتها، بالإضافة إلى بعض النقاط التي تتطلب تدخلات وبرامج من أجل حلها.

 

*محلل اقتصادي

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى