اللي عندو عندو
مر الآن شهر على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وعيون العالم وكبار قادته كلها اليوم مصوبة نحو قمة المناخ بمراكش، والملك، من جهته، ظل يجوب طيلة هذه الفترة إفريقيا شرقا وغربا ويبصم على حضور جديد وقوي للمملكة في إطار التعاون الدولي جنوب- جنوب، وداخليا لا شيء يوحي بأن الحكومة سترى النور، وبعد سلسلة من المشاورات عن طريقة «كوبي كولي» التي أطلقها بنكيران أمام أطباق «البيستاش»، سمعناه يقول إنه لو فشل في تشكيل الأغلبية سيخبر الملك بذلك ويعود إلي بيته، كما لو أنه كان في سخرة عند «مول الحانوت»، وليس في مهمة تهم المصلحة العليا للبلد.
لقد أظهر بنكيران، في النسخة الثانية من حكومته، أنه «مامسوقش»، وأنه يجيد اللعب بكل الحلول السهلة، بما فيها ترك الجمل بما حمل والعودة إلى بيته، إذا لم توافق باقي الأحزاب الأخرى على شروطه وهندسته وعدد وزراء حكومته. وتبين اليوم أن كل تلك الابتسامات التي ظل يوزعها بنكيران مع زعماء باقي التشكيلات الحزبية التي استقبلها في إطار مشاورات تشكيل الحكومة في بيته وتحت قصف كثيف لعدسات المصورين، لم تكن سوى «ضحكة صفرا»، تخفي ما تخفيه من مكر السياسة والسياسيين.
لم نسمع في الجارة الشمالية إسبانيا أن رئيس الحكومة ماريانو راخوي قال إنه سيرجع إلى بيته إذا لم يشكل الأغلبية، ورأينا كيف أنه حاز على ثقة البرلمان بفارق أصوات قليل، ومباشرة بعدها شكل حكومة من 13 وزيرا فقط، وحظي باستقبال العاهل الإسباني، وذهب الجميع إلى الاشتغال، وهذه هي الديمقراطية.. أما عندنا، فمن يسمع هذه الأيام تصريحات لشكر والعنصر وشباط وبنكيران مع كتائبه، سيعتقد أنهم «مطايفين على السطولا ديال الحمام»، وأن البرنامج الوحيد الذي يجمع كل هذه الوجوه هو برنامج «حقيبتي».
تفصل المغرب عن إسبانيا 13 كيلومترا، ولكن تفصله 130 سنة تقريبا عن ديمقراطيتها، وجميع حكومات أوربا أعطت المثال بترشيد النفقات، ففرنسا خفضت تعويضات الوزراء بـ30 بالمائة، وبريطانيا بـ5 بالمائة، وفي البرتغال لا يفوق راتب الوزير الأول 5 ملايين سنتيم شهريا، أما رئيس الجمهورية كافاكو سيلفا، فقد تخلى سنة 2011 عن تعويضاته، وفي إسبانيا تقرر تخفيض رواتب وتعويضات الوزراء وكبار المسؤولين بـ15 بالمائة، ورئيس الوزراء الجديد ماريانو راخوي لن تتجاوز تعويضاته 6 ملايين سنتين شهريا، وحكومته الجديدة التي شكلها من 13 وزيرا فقط لن تكلف خزينة إسبانيا سوى 65 مليون سنتيم شهريا، في وقت تصل فيه أجور الفريق الحكومي لبنكيران إلى أزيد من 250 مليون سنتيم في الشهر الواحد، دون احتساب التعويضات والامتيازات الأخرى، بينها التقاعد ومنحة مغادرة الحكومة والتعويضات الجزافية عن الهندام والسفر والسكن. لذلك، فطبيعي جدا أن يتأخر بنكيران في تشكيل حكومته بالنظر إلى حجم الخيرات التي تنتظر المشاركين في التشكيلة الحكومية المقبلة، والتي لن يحلموا بها حتى لو فازوا في لعبة «اللوطو».
لدينا في المغرب طبقة سياسية على طراز «الحاجة اللي ما تشبه مولاها حرام»، مع زعماء سياسيين تفصلهم سنوات ضوئية عن الديمقراطية الحقيقية، وأصبحوا محط سخرية حين يقارنهم المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي مع نظرائهم الأوربيين، الذين لا تفصلنا عنهم سوى صخرة بحرية قبالة سواحل طنجة. لذلك، فمن العادي جدا أن يكون بيننا كائن مثل لشكر وشباط ونبيل وعرشان والعنصر وإلياس وبنكيران، تماما كفرقنا الوطنية التي لا تشبه الريال والبارصا، فالسياسة في الأخير مثلها مثل الكرة «اللي عندو عندو».