وزارة العدل في المغرب وزارة غير عادية أغلب الذين حملوا حقيبتها لم يخرج سربيسهم على خير.
المحامي الاتحادي بوزوبع الذي كان وزيرا للعدل في حكومة اليوسفي أصيب فيها بالسرطان ومات بسبب تداعيات تسمم غذائي بسيط كان يمكن تفاديه. الطيب الناصري وزير العدل في حكومة عباس الفاسي والذي كان كذلك محامي القصر أصيب بأزمة قلبية خلال اجتماع للهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة أودت بحياته.
بنعبد القادر الذي تحمل حقيبة العدل في حكومة العثماني الثانية سقط في الحمام وتكسرت ذراعه واضطر لحمل الجبس مدة طويلة. أما الرميد وزير العدل في حكومة بنكيران فقد دخل الوزارة كالغول وخرج منها مهدودا بسرطان في الكلية.
وما سقوط وهبي في الحمام على رأسه إلا بسبب كثرة انشغاله بجبال مشاريع القوانين التي قدمها منذ توليه حقيبة الوزارة. وهو الانشغال نفسه الذي ألم به عندما غادر بلاطو القناة الثانية فألم به ضيق في الصدر وهو في طريق العودة للرباط انتهى به في غرفة العمليات بقلب مفتوح.
ولذلك فعندما نراجع لائحة المشاريع التي فشل عبد اللطيف وهبي وزير العدل الحالي في تمريرها منذ توليه الوزارة إلى اليوم نتفهم ظهوره الأخير برأس ملفوف في الضمادات، «بالسيف ما الراجل يطرطق ليه عرق».
منذ يونيو 2016 ووهبي مساهم في تجميد القانون الجنائي الذي أتى به الرميد بحجة أن ما جيء به مجرد تعديلات جزئية وليس إصلاحات عميقة.
وقد ظل هذا القانون عالقا بالبرلمان سبع سنوات كاملة إلى أن جاء وهبي لوزارة العدل فسحب مشروع الرميد جملة وأعاد تقديمه «ديطاي». قانون العقوبات البديلة كان ضمن مشروع الرميد فيما وهبي فصله عن مشروع القانون الجنائي وقدمه بشكل مستقل، فانتهى في رفوف مجلس الحكومة معلقا إلى حين، وربما سيلقى نفس مصير قانون 10/21 المعروف بقانون تكميم الأفواه الذي تم إقباره في مجلس الحكومة في عهد العثماني.
ومن غرائب الصدف أن مشروع قانون العقوبات البديلة الذي جاء به وهبي هو نسخة طبق الأصل من المشروع ذاته الذي جاء به الرميد، مع فارق وحيد هو أن الرميد استثنى الأحداث من أبناء الألبة والفشوش من شراء حبسهم بالمال بينما وهبي أدخلهم وجعلهم يستفيدون من هذا الامتياز.
أما القانون الآخر الذي فشل فيه وهبي فهو مشروع القانون الجنائي والذي لم ير النور وظل يراهن عليه لتغيير بنود الحريات الفردية وضمانات المحاكمة العادلة وعقوبة الإعدام والإجهاض والحد من السلطة التقديرية للقضاة.
ثم هناك مشروع المسطرة الجنائية الذي يوجد كذلك رهينة الذهاب والإياب بين الأمانة العامة للحكومة ووزارة العدل.
ولعل الجميع لاحظ خلال الظهور الأخير لوهبي بعد العملية على الرأس كيف هدد بمناقشة وتغيير بنود مدونة الأسرة بحجة أنهم أسسوا هذا الحزب لتغيير تاريخ هذه الأمة، علما أنه لا يمكن تغيير تاريخ أمة إلا بتزويره. «دابا ما حيلتنا مع الجزائر اللي كاتسرق لينا فالتاريخ ديالنا ما حيلتنا لوهبي اللي باغي يبدلو».
وعندما تسمع وهبي يرافع حول «الثورة» التي سيحدثها في مدونة الأسرة والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية تكتشف أنه يركز فقط على مسألة الحريات الفردية والإفطار في رمضان والعلاقات الجنسية الرضائية، مما خلق لدى الرأي العام تصورا سلبيا عن هذه الثورة «الوهابية» الموعودة. ولو أن وهبي ركز فقط على قضية أو قضيتين وشرح للناس بهدوء وتوازن ماذا يريد وكيف لاستطاع أن يحشد في صفه الرأي العام.
مثلا هناك مسألة حان أوان إعمال العقل فيها وهي مسألة الولاية، فالمجتمع شهد تغيرات عميقة على مستوى الذمة المالية للنساء خصوصا بعد ولوجهن لسوق الشغل وتقلدهن مناصب كبيرة ومدرة للدخل.
فهل يمكن اليوم أن نتخيل مثلا أن وزيرة في الحكومة لا تستطيع أن تشتري بيتا أو تودع مالا في حساب بنكي باسم طفلها القاصر لأن الوصي هو الأب وهو من يملك الحق في أن يبيع ويتصرف في ما يملكه طفله دون إذن من والدته ودون علمها حتى.
هل لايزال مقبولا أيضا أن المطلقة الحاضنة تسقط حضانتها عند زواجها، في حين أن للطليق الحاضن الحق في الزواج دون أن يترتب عن ذلك أي تغيير في وضعه، الأدهى من هذا أن الطليقة مطالبة بحسن السيرة لكي تستمر في حضانة أبنائها الصغار ولا أحد يسأل عن سيرة الطليق، وقد وقعت حالات إسقاط الحضانة بسبب صورة للطليقة مع رجل في مقهى في واضحة النهار.
أليس من حق المرأة المطلقة أن تعيد بناء أسرة جديدة في الحلال وأن تحتفظ بحضانة أبنائها الذين لم يصلوا سن التمييز؟
وللإنصاف أيضا، لم يعد مقبولا إلزام الطليق بالنفقة عند تعذر ذلك عليه، وكثيرون يوجدون بالسجون بسبب ذلك، كما لم يعد مقبولا إعفاء المرأة من النفقة وهي مقتدرة، وحان الوقت للتفكير في «الحضانة المشتركة»، لأنه يكفي قانونيا اليوم أن يلتزم الطليق بإرسال مبالغ النفقة الهزيلة في معظمها لإثبات عدم تخليه عن الأطفال، في حين أن الزيارة والاهتمام قد يكونا شبه منعدمين.
أما الظلم الكبير الذي تعرضت له المرأة فهو ذلك المسلط على المرأة الموظفة والتي عندما تموت يحرم أبناؤها ووالداها من معاشها، رغم أنها تكون في أغلب الحالات المعيل الوحيد لهؤلاء.
تخيلوا أن حوالي 250 ألف موظفة بالمغرب يتم اقتطاع مساهماتهن شهريا من رواتبهن لصالح صناديق التقاعد وعندما يتوفاها الله تتبخر هذه المساهمات وتذهب لصناديق الدولة.
ولو أن وهبي يناضل من أجل مساواة المرأة الموظفة بالرجل الموظف ويحقق ذلك لشفع له ذلك في كل الباقي.