القصة المأساوية لاختفاء المناضل سمير فزاني
يونس جنوحي
من بين القصص المأساوية والتراجيدية التي كشف هشام عبود تفاصيلها للرأي العام من خلال هذه المذكرات، تلك التي تتعلق بملف المناضل سمير فزاني. هذا الأخير كان من الشباب المعروفين في التيار الديموقراطي الذين رفعوا أصواتهم للمناداة بوقف العمل الإرهابي في الجزائر. فكان مصيره أن تم إخراسه نهائيا.
ذكرى نونبر
يقول هشام عبود إن قضية سمير فزاني تعود إلى سنة 1994، بالضبط في احتفال الفاتح من نونبر، ذكرى إحياء انطلاق حرب التحرير الجزائرية.
اتجه سمير يوم 30 أكتوبر صوب الجزائر العاصمة لقضاء أيام العطلة الرسمية مع أبناء عمومته في حي شعبي بمنطقة «حسين داي».
بعد أن انتهى سمير من متابعة خطاب رئيس الجمهورية، زروال، الذي خاطب الجزائريين بالمناسبة، اتجه إلى ركن من الغرفة وأشعل بعض الشموع. مع اقتراب الساعة العاشرة ليلا، أحس الشاب سمير بنوع من الملل، فقرر أن ينزل قليلا من بيت العائلة ليتمشى في شوارع العاصمة. ورغم برودة الطقس لم يكن يرتدي إلا سروالا خفيفا وقميصا بدون أكمام. وفي طريقه مر بنقطة يتجمع في بيوتها بعض المنتسبين إلى الجماعات الإسلامية.
عندما واصل طريقه إلى الأمام في اتجاه منطقة توجد بها ثكنة عسكرية، أوقفه بعض الجنود في «حوش حادة»، وأحالوه على الاعتقال.
دخل معهم الشاب في سجال محتجا على طريقة إيقافه، وبعد أن قضى فترة هدأت خلالها أعصابه، سلموه إلى الشرطة لكي تعيده إلى حيث يقطن بحكم أن حظر التجوال يبدأ مع الحادية عشرة ليلا.
لكن عناصر الأمن لم يوصلوه إلى حيث العائلة، بل اتجهوا به رأسا إلى الكوميسارية.
إلى الكوميسارية..
في تلك اللحظات بدأت العائلة تحس بالقلق على الضيف الذي زارهم في عطلة الاحتفال بانطلاق معركة تحرير الجزائر. لكن لا أحد وقتها كان يقوى على خرق قانون الطوارئ، والخروج ليلا إلى الشوارع بعد الحادية عشرة ليلا. وهكذا كان عليهم انتظار طلوع الصباح لكي يبدأوا رحلة البحث عنه.
كانت هناك احتمالات كثيرة أخطرها أن يكون تعرض لاعتداء من طرف مسلحين، أو من طرف قطاع الطرق والنشالين الذين يستغلون أزقة الأحياء الشعبية لنفض جيوب المارة. أما أخطر الاحتمالات أن يكون تعرض للتصفية على يد الذين ضايقتهم تحركاته باعتباره شابا بمستقبل واعد.
توجهت العائلة مع الصباح إلى «الكوميسارية»، وقيل لهم إن ابنهم سوف يغادر خلال ساعات. فهدأ القلق لديهم بحكم أنهم على الأقل أصبحوا يعرفون أن سمير معتقل لدى الشرطة.
تم إخبارهم أن يتوجهوا إلى كوميسارية الحي الذي يقطنونه لكي يقابلوه هناك، وعندما وصل أفراد العائلة أخبرهم الشرطي المناوب ألا شيء يدعو للقلق، وأن سمير موجود بالداخل وأنه نُقل لكي يوقع على أوراق اعتقاله وسوف يتم إطلاق سراحه فور أن يجهز المحضر.
ولكي يزداد اطمئنان العائلة، نادى الشرطي بأعلى صوته:
-سمير.. أنت هنا؟
فجاء صوت الشاب:
-نعم أنا هنا.
ارتاح أفراد العائلة نسبيا، وغادروا دون أن يروا الابن، بل سمعوا صوته فقط. وهم يعتقدون أنه سوف يطلق سراحه بعد انتهاء الأسئلة.
كانت العائلة تتلقى جوابا واحدا طيلة اليوم، وهو أن الأمر يتعلق بإجراءات روتينية فقط، لكن صبرهم بدأ ينفد مع اقتراب ساعات الليل المتأخرة، حيث سوف يُفرض حظر التجوال من جديد، وسيكون عليهم أن ينتظروا ليلة أخرى لمعرفة حالة الابن، الضيف.
وفي صباح اليوم الموالي توجهوا جميعا إلى نفس الكوميسارية ليتم إخبارهم بالآتي:
-سوف يتم إطلاق سراحه بعد لحظات.
لكنهم انتظروا إلى أن حلت فترة بعد الظهر ولم يعد الابن إلى البيت.
أحست العائلة بالتعب، فعاد الأبناء في المساء إلى الكوميسارية لكنهم بقوا ينتظرون من جديد طيلة الليل، بدون نتيجة.
المفاجأة أنهم في اليوم الموالي، أي اليوم الثالث، عادوا صباحا إلى الكوميسارية، لكن تعامل الشرطة معهم كان مختلفا تماما. فقد قالوا لهم عندما سألوهم عن اسم سمير فزاني:
-ليس لديهم أي أحد بهذا الاسم.