شوف تشوف

الرأيالرئيسية

القرآن وقصة الطوفان

من العراق خرج «ماجد الخزعل» يزعم أنه يعرف كل لغات العالم القديم، وأنه درس كل شبر من الأرض وكل قاع بحر، ووصل إلى النتيجة التي تقول إن قصص القرآن لا تزيد على خرافات نسجها أنبياء دجالون.. وتبعه في هذا الرأي من سوريا «فراس السواح»، فاحتضنه الرفاق في بكين؛ فهو ينثر أفكاره بين قوم يرون أن الحزب الشيوعي هو سدرة المنتهى، وأن الرئيس الصيني الجديد هو خير من أخرجت البرية؛ فأصبح متوجا خالدا مثل البابا إلى يوم موته.. فهل فعلا أن ما جاء في القرآن من قصة نوح لا يزيد على خرافة ودجل، أم ثمة شيء ما حدث في يوم ما فخلدته الذاكرة البشرية؟ سوف نشير في البحث الذي بين يدينا في أكثر من حلقة إلى (كشف أركيولوجي يشير إلى طوفان يفوق كل تصور، حدث قبل 7500 سنة، في منطقة البحر الأسود، باندفاع أقوى بـ200 مرة من شلالات نياغارا وبتدفق 50 كيلومترا مكعبا من الماء يوميا، استمر 300 يوم وأغرق الشعوب الزراعية الأولى، وغطى مساحة 100 ألف كيلومتر مربع). قد يكون هذا الكشف ضوءا جديدا في قصة الطوفان، ولكن علينا الرجوع إلى علوم شتى لفهم القصة القرآنية لنرى النور الإلهي في القرآن العظيم.

ليس هناك من أمة على وجه الأرض إلا وحملت أساطيرها قصة طوفان مروع، وهناك ما يزيد على 250 أسطورة عالمية حول الطوفان، في الكتب المقدسة، أو ألواح سومر، أو في تايوان في أسطورة «آمي»، وانتهاء بالإسكيمو وحضارة المايا، فهل هذا صدفة؟

وكما يقول الإثنولوجي «يوهان ياكوب JOHANN JAKOB»: «إن الأساطير هي التعبير الرمزي لحقائق مؤكدة». وبتعبير علماء ما قبل التاريخ: «إن الأسطورة تحمل في أحشائها جنينا من الحقيقة محاطا بكثير من الخيال (الفانتازيا)، وعندما نزيح هذه القشرة عنها تطالعنا الحقيقة متوهجة، يكاد سنا برقها يذهب بالأبصار».

والجديد اليوم في القصة، أن بعثة علمية مزودة بأكثر الأدوات دقة وتقدما، على ظهر سفينة علمية للأبحاث، هي «الأفق الشمالي NORTHERN HORIZON»، وبتمويل مالي كبير، بحثت قبالة مدينة «سينوب SINOP» التركية في الحافة السفلية من شاطئ البحر الأسود، بطاقم علمي تحت إشراف رائد اكتشاف ألغاز المحيطات «روبرت بالارد ROBERT BALLARD»، الذي كشف عام 1985 م عن سفينة «التيتانيك» الغارقة منذ عام 1912 م في عمق المحيط الأطلسي على عمق 3740 مترا، للتأكد وعلى نحو علمي من حقيقة الطوفان الذي استقر في المخيلة الجماعية للإنسانية، الذي كان من الحجم والترويع والأثر ما خلدته البشرية في ذاكرة لا تمحى.. فمتى حصل؟ وكيف حصل؟ ولماذا حصل؟ وهل في الجعبة العلمية حل لهذا الخبر التاريخي المتواتر؟ هل يمكن لأبحاث العلم المتطورة أن تلقي الضوء على الحدث المفزع، ليتعانق العلم والإيمان؟

جاء في محكم التنزيل من مطلع سورة «سبأ»: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد).

ولعل أقدم كتابة جاءت عن الطوفان كانت في اللوح 11 من مكتبة «نبوخذ نصر»، الحاكم البابلي في الألف الثالثة قبل الميلاد، والتي كشفها البريطاني «أوستن هنري لايارد AUSTIN HENRY LAYARD»، عندما كان في رحلة سياحية مع صديقه باتجاه سيلان عام 1839 م، وأثارت انتباهه بالصدفة حفائر نينوى (الموصل حاليا)، فقادته إلى كشف تاريخي مذهل، حينما عثر على مكتبة تضم 25 ألف لوح من الطين المجفف قد حفرت عليها كلمات ما يشبه عمل المسامير، وسميت لاحقا بالكتابة المسمارية. وتختلف الرواية الكلدانية عن رواية العهد القديم، أنها لم تكتب 400 سنة قبل الميلاد، بل تعود إلى أربعة آلاف سنة، وهي تسبق الدولة البابلية التي حفظت الوثيقة، وتعود إلى أيام (سومر) وتاريخ مدينتي «أور UR» و«أوروك URUK»، حيث تتوالى أحداثها أيام الملك جلجاميش من الأسرة الأولى الذي حكم عام 2650 قبل الميلاد. ويقود أحداثها بطل الطوفان «أوتنابشتيم  UTNAPSHTIM»، الذي يظهر على مسرح التاريخ مشابها لدور النبي نوح عليه السلام من العهد القديم، كيف أنه يُوَجَّهُ من الله، وكيف كان بناء السفينة بموجب خطة كونية، وينقل لنا النص صدى حزينا لما تم في تلك الأيام الستة، حينما اندثرت البشرية في طوفان لم تعهده من قبل، وغرق في لجته كل حي، إلا من كتبت له النجاة على ظهر الفلك المشحون.

جاء وصف الطوفان في ملحمة جلجاميش على الشكل التالي: «هبت الرياح ستة أيام وست ليال، طغى السيل والعاصفة والطوفان على العالم. ثار السيل والطوفان معا كالحشود المتحاربة. وعندما أشرق اليوم السابع، انحسرت عاصفة الجنوب، هدأ البحر وسكن الطوفان، نظرت إلى سطح العالم وقد ران عليه الصمت. أصبح البشر كلهم طينا. كان سطح البحر يمتد مسطحا كسقف البيت، فتحت كوة فسقط النور على وجهي، عندئذ انحنيت طويلا، جلست وبكيت، جرت الدموع على وجهي، إذ كان الماء طاغيا في جميع الأنحاء. عبثا تطلعت بحثا عن الأرض، ولكن على مبعدة أربعة عشر فرسخا ظهر جبل، وهناك رست السفينة، ثبتت السفينة على جبل نيصير ثبتت ولم تتزحزح».

أما رواية العهد القديم فتذهب إلى أن الطوفان استمر أربعين يوما، وأن نوحا بنى سفينة بطول 300 ذراع وعرض خمسين بثلاثة طوابق، وأن الطوفان تابع مداه لفترة 150 يوما، وكان ارتفاع المد 15 ذراعا. جاء في سفر التكوين الخامس والسادس عرض تفصيلي عما حدث: «فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض، الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء، فانمحت من الأرض، وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط، وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوما».

أظهر العهد القديم قصة نوح في أبعاد ثلاثة طغت على المخيلة البشرية حتى اليوم: (يهوه)، الإله، غضب على العباد فأغرق الكائنات كلها. شمل الطوفان كل المعمورة وكل نسمة حية. حمل نوح معه في الفلك أزواجا كاملة من كل موجودات البسيطة، لاستئناف حياة بشرية جديدة. وهذا الطرح لم يخل من انتقاد واعتراض خلال التاريخ، مع وضد. أو محاولة فهم جديد لإضاءة الحدث التاريخي في ضوء العلوم المساعدة، والتي توفرت مع الثورة العلمية الحديثة في حزمة من الأدوات المعرفية، مثل علوم الجغرافيا والأنثروبولوجيا والأركيولوجيا وعلم المحيطات والبيئة والتكنولوجيا الحديثة والتاريخ والدراسة المقارنة للكتب المقدسة ونصوص اللغات القديمة.

خالص جلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى