كشفت دراسة ميدانية للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن أرقام صادمة لانتشار الفساد بمؤسسات الدولة. فالدراسة أكدت أن الفساد شائع بنسبة 75 بالمئة بوزارة الصحة و70 بالمئة بالأحزاب و63 بالمئة في الحكومة والبرلمان و58 بالمئة في النقابات و55 بالمئة في قطاع الإسكان والتعمير والعقار و48 بالمئة بالقضاء. وينتشر الفساد، وفق المعطيات ذاتها، بنسبة 45 بالمئة بالجماعات الترابية و42 بالمائة بالصحافة والإعلام والنسبة نفسها بالإدارات الترابية وبإدارة الضرائب و40 بالمئة بقطاع التعليم و24 بالمئة بالضمان الاجتماعي و17 بالمائة بالمؤسسات الدينية.
الخطير في الأمر أن هذه الأرقام المخيفة ليست مواقف لحزب سياسي معارض أو تقريرا مهزوما لمنظمة حقوقية تخدم أجندات حالمة، هذه دراسة لمؤسسة دستورية شبه قضائية يتوفر أعضاؤها على الصفة الضبطية، وهذا يعني أن الفساد بلغ مداه ولم تعد المؤسسات الدستورية قادرة على إخفائه أو مداراته.
لقد جربنا، منذ سبع سنوات، سمفونية الخطة الوطنية لمحاربة الفساد التي انتهى صاحبها وواضعها وراء القضبان بتهم الفساد الذي جاء لمحاربته، وجربنا عددا من المؤسسات والنصوص القانونية وتبين بالملموس أن محاربة الفساد لا يمكن أن تكون بمرسوم بل لابد من اختراق الذهنيات وتوفر الإرادة الكافية.
وللأسف فإن منسوب الفساد في القطاعات العمومية في ارتفاع مطرد وحجم الظاهرة آخذ في التفاقم إلى درجة أصبحت تهدد مؤسسات وإدارات عمومية كثيرة بالجمود وربما بالانهيار. دون أن ننسى الفاتورة الثقيلة التي يخلفها الفساد على المالية العمومية والتي تتجاوز سنويا بناء 30 مستشفى جامعي و50 كلية ومعهدا.
لقد هدرنا فترة طويلة في الواقع نعتبر واهمين أن كل ما يتعلق بظاهرة الفساد ستتم محاربته، بينما ظهر أن المنتخبين والمعينين، الذين أوكل لهم الدستور والقانون محاربة الفساد، هم زبناؤه الذين يحمونه ويجعلونه محصنا في بروج عالية لا تدركه ضربات القانون ولا الحملات الانتقائية.