الفرنسيون لاحظوا أن سكان الصفيح كانوا أقل إصابة بالأمراض وأكثر سعادة

يونس جنوحي:

كان المشهد العام في المدن مروعا. حقيقة، الظروف المعيشية في بعض القرى المغربية تبقى بدائية، لكن، على الأقل، تتوفر فيها مساحات للعيش.

خبراء تخطيط المجال قد يرغبون في الجلوس وتأمل المشهد، ليأخذوا بعين الاعتبار حقيقة مفادها أن هناك سكانا يعيشون في المُدن بتعداد 400 شخص في كل فدان! لمحة أولى إلى هذا الرقم أصابتني بصدمة عميقة، إذ فكرتُ في الوباء الذي قد تجعله ظروف عيش مماثلة لا نجاة منه.

عندما تجولت في المكان، بدا لي أن الناس أصحاء كفاية، خصوصا الأطفال، بل الأكثر من هذا بدوا لي سعداء ويحصلون على ما يكفي من الغذاء.

تأكد لي، من خلال الاستجوابات المستمرة التي أنجزتُها، أن الأمر لم يكن مظهرا بصريا خداعا، لذلك كنت في حيرة من أمري وبحثتُ عن مسؤول طبي، خبير في الصحة، لكي يفسر لي الظاهرة.

قال لي:

-«إنك على حق. حسب كتاب القواعد، فإن الأحياء الصفيحية يجب أن تكون مشتلا لكل الأمراض المعروفة، خصوصا الأوبئة.

وفي الواقع، فإن هؤلاء الأطفال أصحاء أفضل من أطفال «المْدينة» القديمة».

-«إن هذا لا يُصدّق».

-«أعلم، لكن هذه هي الحقيقة. على سبيل المثال، هناك إصابات أقل بمرض السل».

-«لماذا؟».

-«هناك سبب اقتصادي واحد، بما أن سكان المدن الصفيحية يؤدون واجب إيجار بسيط، فإنه يتبقى لديهم مال أكثر لينفقوه على الطعام. ربما لاحظتَ أنهم يتغذون بشكل أفضل، وحتى داخل هذه الأكواخ المكونة من طابق واحد فقط، يتوفر لديهم، على الأقل، عنصرا الشمس والهواء، وهما معا ضرورتان غاية في الأهمية، غالبا ما تغيبان في الشوارع الضيقة لـ«المْدينة» القديمة، والتي تكون أكثر ازدحاما وضيقا من أزقة مدن الصفيح.

يجدر، أيضا، النظر إلى هذه الأماكن على اعتبار أنها نهاية للقرى وليس على أساس أنها بداية نحو المُدن. وعندما تفكر في هذا الأمر، فإن الظروف تبقى أفضل في أحياء الصفيح مقارنة مع الظروف في عدد من القرى، باستثناء مسألة تكتل الأكواخ وازدحامها، وهو أمر لا يكرهه المغاربة.

تمكنا على الأقل من توفير بعض وسائل الراحة، من قبيل عملية جمع القمامة، والحصول على الماء من سقايات عمومية وأمور من هذا القبيل، وعلى الأقل، فإن الأكواخ المصنوعة من الصفيح تبقى أكثر جفافا من خيام البدو!

أكثر من هذا نسبة كبيرة من السكان، هنا، ينظرون إلى إقامتهم في أحياء الصفيح على أنها مؤقتة. إنهم يرغبون في كسب المال الكافي ليعودوا إلى بلدهم ويشتروا ضيعة. ولهذا السبب فإنهم يعيشون وفق أبسط ظروف معيشة ممكنة.

المغاربة شعب نظيف جدا، وستصاب بالدهشة إذا دخلت إلى الأكواخ. هذا، بالإضافة إلى العوامل الأخرى التي ذكرتُها، ساعد على إبعاد الأمراض. قم بجولة أخرى وربما ستُفاجأ».

قمتُ بجولة مرة أخرى وعليّ أن أعترف بأنّ حُججه ومعطياته كانت موضوعية جدا. قلة فقط من الناس أرادوا الرحيل.

المنازل كانت جميلة جدا، بدون شك، لكن يتعين عليك دفع المال للحصول عليها. قنوات الماء كانت من أنواع الترف. الزوجة تتولى حمل كميات الماء التي قد يحتاجها الرجل. كان واضحا جدا أن الأحياء الصفيحية لا يمكن السماح لها بالاستمرار.

في المدينة لاحظتُ وجود مكتب لـ«التعمير» وحجزتُ أحد خبرائه لأتحدث معه.