شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

العنصرية بعيون زرقاء

 

سعدية مفرح

 

يبدو أن «العنصرية» التي مارستها وسائل إعلام غربية مرموقة، في تغطيتها أحداث الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت من الوضوح والانكشاف الذي فاجأ كثيرين. فعلى الرغم من أننا مقتنعون تماما بأن هناك الكثير من العنصرية الإعلامية التي تمارس ضد قضايانا، وخصوصا في فلسطين، إلا أننا كنا نعاني الكثير في محاولة إثباتها في خطابنا الإعلامي العربي. ذلك أن وسائل الإعلام الغربية، في مجملها، تتعامل بمهارة شديدة لا يكاد يرى معها دلائل تلك العنصرية، إلا من اكتوى بنارها مباشرة. أما في الحالة الأوكرانية فقد انكشف الأمر، كما لم يحدُث أبدا في التاريخ الإعلامي الغربي الراهن.

لقد وقع في مصيدة تلك العنصرية المنحازة لذوي الشعور الشقراء والعيون الزرقاء، وفقا لمقاييس السمْت الأوروبي الخالص، مراسلون كثر، لم يتحرج أغلبهم من الاستمرار في تلك التغطيات، في حين اعتذر بعضهم لاحقا في محاولة لامتصاص غضب الجمهور!

رُصدت على سبيل المثال، خلال خمسة أيام فقط من الحرب، حالات فاقعة كثيرة جدا لشبكات إخبارية مرموقة. ففي حديثه عما شاهده من خوف وهلع وبؤس في الملاجئ المزدحمة، التي اضطر الأوكرانيون إلى البقاء فيها، قال مراسل «سي بي إس»، تشارلي داغاتا، وهو يكاد يبكي إننا نتحدث عن بلد أوروبي متحضر، فهذه البلاد ليست العراق ولا أفغانستان! وباللغة والمشاعر نفسيهما شاهدنا على «بي بي سي» من يتحدث قائلا إن ما يحدُث مثير للتعاطف، فالذين يقتلون بصواريخ بوتين الروسية، هم أشخاص أوروبيون بعيون زرقاء وشعر أشقر. وتكرر وصف العيون الزرقاء والشعر الأشقر، باعتباره ميزة لا يستحق أصحابها أن يجدوا أنفسهم في خضم حرب، ذلك أنهم أوروبيون يشبهون في ملامحهم ملامح هؤلاء المراسلين وعوائلهم وأصدقائهم في أوروبا وأمريكا، وقد عبر عن ذلك بوضوح ما جاء في صحيفة «تلغراف» البريطانية، عندما قال أحدهم إن ما يجعلنا نعيش الصدمة أنها أوكرانيا الأوروبية، وأنه شعب أوروبي يشاهد أفراده «نتفليكس» ولديهم حسابات «إنستغرام»! وهكذا توالت الحالات التي وشت بعنصرية دفينة لم تستطع إخفاء نفسها وسط مباغتة الحرب وشكلها الصادم، فانكشفت إعلاميا على نطاق واسع، وعبرت عن نفسها بتلك التغطيات العاطفية غير المسبوقة في الإعلام الغربي.

لكن يبدو أن العنصرية الإعلامية المكشوفة كانت مجرد صدى لعنصرية غربية شاملة تجلت في أكثر من صورة خلال هذه الحرب، فقد طرد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على سبيل المثال روسيا من تصفيات كأس العالم المقبلة، ولم يسمح لها باستئناف اللعب، عقابا لها على شن هذا الغزو، وامتنع لاعبون أوكرانيون كثر عن ملاقاة نظرائهم الروس للسبب ذاته، وأبدى لاعبون أوروبيون تعاطفهم مع الشعب الأوكراني بكتابة عبارات على قمصانهم الرياضية، خلال مباريات دولية. وهذا كله لم يتسبب لهم بالعقاب الرياضي، كما كان يحدث للاعبين عرب في حالات تعاطف مشابهة مع الشعب الفلسطيني على سبيل المثال!

إنها قسمة عولمية ضيزى إذاً، انحاز فيها النظام العالمي بشكله الأوروبي لكل ما يشبه الإنسان الأوروبي، بلا خجل من كل ادعاءات سابقة. فلم يسم أحد العسكري الأوكراني الذي فجر نفسه بتضحية نبيلة على جسر لمحاولة منع تقدم الدبابات الروسية نحو بلاده، بالانتحاري، كما يحدث مع العرب والمسلمين في الحالات المشابهة، ولم يعترض أحد على اندفاع شباب أوروبيين من بلاد مختلفة للالتحاق بالقتال لصالح أوكرانيا!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى