شوف تشوف

الرأي

العملات الرقمية المشفرة

جمال أكاديري

 

تعمل حاليا العديد من المؤسسات المالية العالمية، بالتعاون مع حكوماتها، على فهم القواعد الخاصة، بسوق تضاعفت قيمته ثلاث مرات في عام 2021 إلى ملايير دولار، وجذب انتباه ملايين المستثمرين، مع تزايد المخاوف، بشأن الاستقرار المالي الذي يمكن أن يضمنه. وتم التفكير جديا في احتوائه وتقنينه، وتسييجه بالقوانين لحماية زبنائه المفترضين؛ إنه عالم العملات الرقمية المشفرة! فما الفرق بين هذا السوق الافتراضي، وتعاملات الأسواق المالية التقليدية المعمول بها؟

معلوم أن بناء النظام المالي التقليدي يتم حول دائرة الوسطاء – إما البنوك أو الوكلاء السماسرة أو بورصات الأوراق المالية أو مديرو أصول المحفظات… يقوم فيه الإداريون الحكوميون، بمراقبة مثل هذه الشركات المالية الضخمة، من أجل حماية المستثمرين المقبلين على طلب خدماتها، وتعزيز سير الأسواق الجارية والمنظمة، لحمايتها من هجوم المضاربات المالية المغشوشة، ومنع انتشار جرائم الاحتيال المالي، مثل غسيل الأموال أو التهرب الضريبي أو تمويل المنظمات الإرهابية…

مثل هذا الإشراف المالي التقليدي، يقتضي ضمانات. يجب على البنوك والوسطاء تخصيص الأموال لإدارة الأخطار والخسارات المحتملة، وتجب معرفة هوية العملاء، ومصادرهم المعتمدة؛ وعلى الشركات الامتثال، وكذلك لتسهيل إجراءات المحاسبة القياسية، والكشف عن معلومات حول عملياتها الشفافة، ووضعها المالي الداخلي؛ في المقابل، تسمح لها الحكومات، قانونيا، بالوصول إلى عشرات ملايير الدولارات من السيولة بأسواق الأسهم والسندات.

لكن في أسواق العملات المشفرة، برز اعتقاد أساسي بين مؤيديها، أن التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تحل محل مثل هؤلاء الوسطاء، وتنهي تلك الحاجة الأسطورية إلى بناء الثقة فقط في وسطاء المصارف والبنوك …

إليك الآن كيفية حدوث هذا النوع من التعامل البديل، رقميا: تسمح عملة «Bitcoin» لأي شخصين، في أي مكان بالعالم يتوفر لديهما اتصال بالإنترنت، بإجراء تحويل قيمة مالية رقمية، كيفما كان حجمها، في غضون دقائق دون وسيط. يتم تسجيل المعاملات في قاعدة بيانات، تُعرف باسم «blockchain». ولقد تم إنشاء هذه العملات الإلكترونية، إذن، من أجل تقديم نظام نقدي قادر على استبدال النظام المصرفي التقليدي… في النظام التقليدي الذي نعرفه، يمر كل شيء عبر البنوك. هنا، في حال حدوث مشكلة، إذا تمت سرقة أموال الحساب، على سبيل المثال، فسيكون البنك قادرا على الضمان والتعويض. ليس هذا هو الحال بالنسبة إلى العملات المشفرة، لأن هؤلاء الوسطاء غير موجودين، لأن النظام يعتبر شبه لا مركزي.

تعتمد العملات الإلكترونية، إذن، على «blockchain» وهو عبارة عن دفتر حسابات افتراضي مفتوح، يمكن للجميع الرجوع إليه، في أي مكان وفي أي وقت. الفكرة المحورية هي أن كل لاعب، في هذا النظام اللامركزي، لديه حق الوصول إلى محفظة هذا أو ذاك أو جزء منها، في حال إرادة التعامل معه .

ويتم عرضها بشكل عام على شبكات «النت»، التي تعمل بنسخ منفصلة من البرنامج نفسه. ويحدث هذا لتفادي قيام أي شخص على الشبكة بتزوير العملات المشفرة، أو إصدار عملات البيتكوين ذاتها مرات عدة.

ثم إن مؤيدي العملات المشفرة، يؤكدون على أن المحفظات الرقمية ستقلل من دور الوسطاء التقليديين، وبأنهم لا يحتاجون إلى تنظيم مثل البنوك أو الأوراق المالية أو صناديق الاستثمار.

ونظرا لطبيعتها الرقمية واللامركزية، لا يمكن شراء العملات المشفرة، وبيعها، إلا على منصات متخصصة عبر الإنترنت، تسمى بورصات افتراضية. يصل معظم مستثمري التشفير الجدد إلى الأسواق، من خلال منصات التداول مثل «Coinbase Global» أو «Gemini Trust Co». تأخذ هذه الشركات عملات المستثمرين، وتحولها إلى

«Bitcoin» أو «therium»، أو واحدة من عشرات العملات الرقمية الأخرى، متقاضية عليها رسوما دسمة .

ولكن حتى عندما تتمكن شبكات مثل «Bitcoin» من إجراء معاملات بدون وسيط، لا تزال هناك مجموعة صغيرة من المبرمجين، من يسمون بالمشرفين، الذين لديهم خيار تغيير الشيفرة في قاعدة البرنامج، في حال اكتشاف أخطاء .

منذ أن نمت شعبية بورصات العملة المشفرة، صارت الحكومات العالمية تسلط الضوء على عامل المخاطرة في هذا القطاع الغامض، وحول ما يتعلق بالإجرام الرقمي وغسل الأموال المحتمل .

لأن التبادلات الرقمية تغلفها مستويات عالية من عدم الشفافية، ومن عدم الكشف عن هويات المتعاملين داخل منصاتها المنتشرة .

وتتمتع هذه المنصات بسيولة عالية، مما يسمح إيجابيا بإجراء كميات كبيرة من المعاملات، ويمكن للعملاء إنشاء حسابات عبر الإنترنت بسرعة، دون التحقق من هوياتهم الفعلية، مما يعزز إخفاء مصادرهم .

ورغم أن المؤيدين يصرحون أن هذه المنصات الرقمية غالبا ما تحتوي على أنظمة معقدة لمراقبة الحسابات، إلا أنها تحتاج إلى جمع معلومات كافية، حول طبيعة وهدف أي عملية استثمار، لإقناع وطمأنة سلطات الدول المعنية بأنشطتها.

ولهذا يثير النمو السريع لسوق العملات المشفرة، واستقلالها الذاتي، وعلاقاتها الغامضة بالنظام المالي الأوسع، مخاوف بشأن الضمانات الأمنية، لأنه في حال إذا لم يتم احتواء معظم المشكلات في سوق العملات المشفرة، قد تزداد احتمالية انتقال هذه التأثيرات إلى دوائر العالم المالي الملموس، حيث ستخلف من ورائها عواقب، على المزيد من الأشخاص الذين يجازفون ويستثمرون مدخراتهم، في فئة هذه البورصات الرقمية مجهولة الهوية.

نافذة:

يثير النمو السريع لسوق العملات المشفرة واستقلالها الذاتي وعلاقاتها الغامضة بالنظام المالي الأوسع مخاوف بشأن الضمانات الأمنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى