شوف تشوف

الرأي

العقدة السورية

مروان قبلان

لم يكن ينقص الوضع السوري تعقيدا إلا ربطه بالصراع الذي انفجر أخيرا على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، حيث يتنازع البلدان الواقعان في القوقاز الجنوبي السيادة على إقليم ناغورنو كاراباخ، الإقليم الأذري الذي تقطنه غالبية أرمنية. فما إن ذاعت الأخبار عن انطلاق المواجهات بين الأرمن والأذريين، حتى جددت الطائرات الروسية تحليقها في سماء إدلب، وعلى مقربة من مواقع تتمركز فيها القوات التركية في المحافظة، في خطوة يبدو أن غرضها توجيه تحذير لتركيا، التي يظهر أن الدعم الذي قدمته لحليفتها أذربيجان مكنها من تحقيق تقدم واضح ضد القوات الأرمينية في الإقليم المتنازع عليه. في الوقت نفسه، ذاعت أخبار عن وجود مقاتلين سوريين إلى جانب طرفي الصراع، حيث تردد أن تركيا أرسلت مقاتلين سوريين من فصائل المعارضة للقتال إلى جانب أذربيجان، في مقابل قتال سوريين من معسكر النظام إلى جانب أرمينيا.
يجعل هذا التطور القضية السورية رهينة صراع جديد، يتفجر على الساحتين، الإقليمية والدولية، ويعزز من ارتباطها بحسابات دول وأطراف سعت، منذ البداية، إلى تحقيق مصالح وتصفية حسابات لا علاقة لها بسوريا ولا بالسوريين، ولا بالقضية التي انطلقت من أجلها ثورتهم. ففي عام 2011، أحجمت الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف حازم بشأن العنف الذي استخدمه النظام بحق المدن والبلدات التي ثارت عليه، لأن إدارة باراك أوباما كانت مهتمة بعدم إثارة غضب الإيرانيين، حتى لا يعرقلوا الخطط الأمريكية للانسحاب من العراق، وهو الأمر الذي مثل أولوية لأوباما الذي أخذ يجاري الإيرانيين على حساب الدم السوري، حتى يكتمل الانسحاب مع نهاية عام 2011.
في عام 2013 تكرر الأمر عينه، عندما أحجم أوباما عن اتخاذ موقف حازم من استخدام النظام السلاح الكيماوي في قصف المدنيين في الغوطة في غشت 2013، وقد تبين لاحقا أن أوباما كان يعطي أولوية للمفاوضات السرية التي كانت تجريها إدارته مع إيران في عُمان، ويأمل من خلالها التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي. بحلول 2015، كان واضحا أن أوباما أخذ من إيران برنامجها النووي، وترك لها، في المقابل، نفوذها الإقليمي، في سوريا خصوصا.
هذا على صعيد العلاقة الأمريكية – الإيرانية، أما روسيا، فقد لعبت الصفعة التي وجهها الأمريكيون للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أوكرانيا، حيث ساهمت واشنطن في إسقاط النظام الموالي لموسكو، وانتزاع أوكرانيا من مخالب الدب الروسي في فبراير 2014، دافعا رئيسيا من دوافع التدخل الروسي في سوريا في شتنبر 2015. إذ قاد الغضب الروسي من خسارة أوكرانيا، التي كانت تعد جوهرة التاج في مشروع الاتحاد الأوراسي، الذي أراد من خلاله بوتين أن يعيد بعث قوة روسيا ومكانتها على الساحة الدولية إلى البحث عن ميدان ترد من خلاله روسيا الصفعة للأمريكيين، فبرزت سوريا التي كانت، بحلول هذا الوقت، قد تحولت إلى مسرح عمليات أمريكي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
اعتبرت روسيا أيضا أن تدخلها في سوريا هو رد على «الخديعة» التي تعرضت لها في مجلس الأمن بخصوص ليبيا، حيث سمحت بتمرير مشروع قرار مجلس الأمن 1973 الذي أقر حماية المدنيين، لكن واشنطن استخدمته للإطاحة بنظام القذافي في ليبيا، التي عاد الرابط بينها وبين سوريا إلى الظهور في الشهور الأخيرة، عندما أصبحت سوريا صدى للتطورات الميدانية في ليبيا والتنافس الروسي التركي هناك، مع تأكيدات أيضا بوجود سوريين يقاتلون في معسكري الطرفين.
خلاصة القول، يزداد الوضع السوري صعوبة وتعقيدا، مع ارتباطه بملفات وقضايا إقليمية ودولية مختلفة، تبدأ بليبيا ولا تنتهي في القوقاز، الخشية أن يواصل السوريون حربهم حول العالم خدمة لأجندات خارجية، فيما تنهار بلادهم وتتبدد، إلى درجة تصبح معها عصية على أي إصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى