العقد السياسي
ترأس الملك محمد السادس بصفته أمير المؤمنين حفل تجديد البيعة، برحاب المشور السعيد أمام القصر الملكي بمدينة تطوان، بمناسبة الذكرى 24 لاعتلائه العرش. وككل سنة في هذا الموعد بالذات، يجدد المغاربة مع ملكهم الميثاق السياسي والديني، وتتعزز أواصر الولاء للملك عن طريق حفل ولاء دأب المغاربة على تأديته للملك منذ قرون عدة.
إن مراسيم البيعة في العصر الحاضر، وبشكلها الحالي ورمزيتها والإيحاءات المرجعية التي تحيل عليها طقوسها، ليست ممارسة بروتوكولية تحيل إلى عمق الدولة الأمة كما جاء في الخطاب الملكي، بل هي أداة لتزكية وتجديد شرعية السلطة الملكية، باعتبار البيعة هي عقد سياسي يجمع بين الحاكم والمحكوم، مبني على المبادئ الدستورية، والمشاركة الشعبية، وتفعيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
إن وظيفة البيعة تكمن في أنها تعزز من قيم الولاء والوفاء للوطن ومواصلة العطاء من منطلق هذا الإجماع وهذه الروح الضاربة في التاريخ، فنحن لسنا دولة مصطنعة أسست بمرسوم أو أحدثها المستعمر في إطار سياسته الانقسامية، بل دولة عريقة لها تقاليدها وأعرافها وممارساتها الضاربة في التاريخ، وهذا العمق التاريخي له أهمية بالغة في قوة الأنظمة العريقة كالنظام المغربي، لكونه يربط حاضر الدولة بماضيها، مما يجعلها ذات مصداقية في قراراتها ومواقفها.
إن البيعة في ظل السياق المتقلب الذي تعيشه الأمم والصراعات الجيوستراتيجية التي تهدد وحدة ووجود الدول، تبقى هي صمام الأمان لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمخاطر العسكرية والأمنية، ولا ننسى أن هذا الرباط المتين هو من جعل بلدا مثل المغرب يقاوم لقرون متعددة كل محاولات طمس وحدته وهويته الوطنية والدينية.
ولا نبالغ إذا قلنا إنه كلما اتجهنا نحو الحداثة المؤسساتية وعالم الغد، فإن الحاجة إلى الاحتماء بالعمق التاريخي والديني تزداد أكثر، لتبقى طقوس البيعة الجدار المنيع والسد العالي الذي يحتمي به استقرارنا واستمرارنا كدولة- أمة، بل هي الضامن لوجودنا وبقائنا فوق البسيطة.