العصابات المحلية 1-2
انشغلت المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي بقرار إقالة بوسعيد وزير المالية من الحكومة وانهمرت العناوين من قبيل “لقد عثرنا على محمد بوسعيد”، “تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل صدور قرار عزل بوسعيد”، “هذا مكان تواجد بوسعيد بعد عزله”، ولم يبق سوى أن يخبرنا أحد هؤلاء عن النبأ العظيم الذي هو “هذا آخر ما أكله بوسعيد قبل سماعه لقرار عزله”.
والحال أن الموضوع الرئيسي والخطير الذي يجب أن يهتم به الجميع ليس هو عزل وزير المالية بل الوضعية المالية التي ترك.
إن وضعية الاستثمار، سواء الداخلي أو الخارجي، توجد في عنق الزجاجة، والإجراءات المستعجلة التي وردت في خطاب الملك بمناسبة عيد العرش تأتي في سياق إخراج هذه الوضعية من حالة الشللية التي تسببت فيها البيروقراطية والفساد الإداري.
وعندما نتحدث عن الاستثمار يذهب تفكيرنا مباشرة نحو المراكز الجهوية للاستثمار، وطبعا فهذه المراكز تتحمل مسؤولية مباشرة في ما يتعرض له المستثمرون من عراقيل، لكن هناك جحيما آخر أفظع يتعرض له المستثمرون والمواطنون على حد السواء هو جحيم الجماعات المحلية.
والجماعات المحلية هي أصل مشاكل كل المغرب وسبب الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه جهاته اليوم، رغم أن الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر لعملها بالاستناد إلى توجهات الدستور الجديد، خول لها صلاحيات واسعة.
وتعتمد الجماعات الترابية في تمويل المشاريع على ميزانياتها الخاصة، أما إذا كانت المشاريع تفوق إمكانياتها المادية فإنها تلجأ إلى عقد شراكات في ما بينها أو مع الدولة أو الهيئات العمومية وكذا مع القطاع الخاص، كما تناط بالجماعة داخل دائرتها الترابية مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين في إطار الاختصاصات المسندة إليها بموجب القانون التنظيمي الجديد، وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، ولهذه الغاية، تمارس الجماعة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة في عدة مجالات ذات العلاقة مع العيش اليومي للمواطن، ومنها على الخصوص تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل، القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، سيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات.
أهمية الجماعات تكمن في كونها تتصرف في مبالغ مالية كبيرة من أموال دفعي الضرائب، فبالإضافة إلى المداخيل الجبائية للجماعات والمداخيل المحصلة من الأملاك العقارية ومختلف الأملاك الجماعية، هناك صندوق خاص لتمويل الجماعات المحلية عبارة عن حساب خصوصي يسمى “حصة الجماعات المحلية من منتوج الضريبة على القيمة المضافة”، وذلك لتمكين الجماعات من موارد مالية كافية تمكنها من الحفاظ على توازنها المالي والاضطلاع بالمهام المنوطة بها، ويتم تمويل هذا الصندوق من حصة لا تقل عن 30 في المائة من منتوج الضريبة على القيمة المضافة المحصلة على الصعيد الوطني، وإلى حدود متم السنة الماضية، بلغ الحجم الإجمالي للمبالغ المرصودة في هذا الحساب ما يناهز 28 مليار درهم.
وهناك مصدر تمويلي آخر تستفيد منه الجماعات، وهو “صندوق التجهيز الجماعي” التابع لوزارة الداخلية، لكن عوض توجيه القروض التي تحصل عليها الجماعات من هذا الصندوق لتمويل المشاريع التنموية والبنية التحتية، تحول الصندوق إلى كنز تذهب أمواله إلى جيوب رؤساء الجماعات وشركات الأهل والأصحاب.
وحسب آخر المعطيات فقد منح الصندوق منذ سنة 2003، ما مجموعه 1287 قرضا بمبلغ إجمالي قدر بـ8,20 مليار درهم، همت 623 جماعة ترابية. ورصد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير مجموعة من الاختلالات تشوب المشاريع المقترحة من طرف الجماعات والممولة من طرف الصندوق، حيث لوحظ أن الصندوق لا يطلب من الجماعات الإدلاء بالوثائق التي تخص انتهاء المشاريع، مما لا يمكنه من الحصول على معلومات مرتبطة بتنفيذ المشاريع الممولة، لاستخدامها كقاعدة بيانات لقياس فعالية وكفاءة إسهاماتها في التنمية المحلية وللقيام بتقييم بعدي للمشاريع الممولة، بمعنى “كب الما فالرملة”.
لقد حان الوقت لتشديد الرقابة على أموال دافعي الضرائب التي تتصرف فيها الجماعات المحلية، لأن الاستمرار في نهب الميزانيات المرصودة لمصالح المواطنين سينتهي باشتعال كل جهات المغرب، “وديك الساعة آش جا ما طفاها”.