العدوي تقرع أجراس الإنذار
صناديق التقاعد مهددة بالإفلاس وتعثر تنزيل برامج ومشاريع استراتيجية
خلال مثولها أمام جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، يوم الأربعاء الماضي، دقت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أجراس الإنذار، ونبهت إلى تعثر مجموعة من المشاريع والبرامج الاستراتيجية. وفي هذا الصدد، حذرت العدوي من مخاطر إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد الذي بدأ في تسجيل عجز تقني في رصيده المالي، بلغ 9.8 مليارات درهم عند نهاية سنة 2023، مما أدى إلى تراجع الأرصدة الاحتياطية للصندوق إلى 65.8 مليار درهم في متم السنة نفسها، ومن المتوقع أن تستنفد هذه الأرصدة بحلول سنة 2028.
ودعت العدوي الحكومة إلى إصلاح مستعجل لأنظمة التقاعد، كما نبهت إلى وجود اختلالات في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، ويتجلى ذلك في محدودية اعتماد آلية التعاقد بين الدولة والجهات لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية المدرجة ضمن الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية، ونبهت إلى أن تفاقم إشكالية الإجهاد المائي يستلزم استثمارات كبرى ومستعجلة تقدر بـ143 مليار درهم، برسم الفترة 2020-2027، في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي، كما كشفت أن تنفيذ الخطط الاستراتيجية وبرامج محاربة الأمية من طرف مختلف الفاعلين لم يحقق بعد الأثر المتوخى منه للقضاء على هذه الآفة.
إعداد: محمد اليوبي- النعمان اليعلاوي
تقرير المجلس الأعلى للحسابات.. إصلاح التقاعد ضرورة ملحة ومستعجلة
دعت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إلى مواصلة تسريع تنفيذ الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة على مستوى الاقتصاد الوطني. وأكدت العدوي، خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان خصصت لتقديم عرض عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024، أن هذه الإصلاحات تكتسي أهمية بالغة، تداركا لأي تأخير في إنجازها وضمانا لتعبئة الموارد اللازمة، بشكل يتناسب مع توقيت بروز الحاجيات وضبطها. كما شددت على ضرورة ترسيخ موارد تمويلية قارة، مع الاستمرار في ابتكار مصادر أخرى لتخفيف الضغوط عن المالية العمومية.
وأشارت العدوي إلى المخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية على المديين المتوسط والبعيد، مؤكدة الحاجة الملحة إلى تسريع إصلاح منظومة التقاعد. وذكرت أنه سبق للمجلس أن أصدر توصيات في هذا الشأن ضمن تقريره حول منظومة التقاعد سنة 2013، دعا فيه إلى الشروع في الإصلاح الهيكلي بعد إنجاز الإصلاح المقياسي، وأضافت أن الصندوق المغربي للتقاعد سجل عجزا تقنيا بلغ 9.8 مليارات درهم عند نهاية سنة 2023، مما أدى إلى تراجع الأرصدة الاحتياطية للصندوق إلى 65.8 مليار درهم في متم السنة نفسها. وكشفت أن معطيات وزارة الاقتصاد والمالية تتوقع استنفاد هذه الأرصدة بحلول سنة 2028.
وفقا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024، سجل الصندوق المغربي للتقاعد عجزا تقنيا بلغ 9.8 مليارات درهم في نهاية سنة 2023. كما تراجعت الأرصدة الاحتياطية للصندوق إلى 65.8 مليار درهم، مع توقعات باستنفاد هذه الاحتياطيات بحلول سنة 2028، بناء على معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، وفي هذا الإطار فقد دعا المجلس إلى الشروع في إصلاح هيكلي لمنظومة التقاعد، مشيرا إلى أن هذا الإصلاح يجب أن يتجاوز الحلول المؤقتة أو المقياسية. وقد أوصى المجلس، منذ تقريره لسنة 2013، بوضع خطة شاملة تضمن استدامة هذه الصناديق على المدى البعيد. وأكد التقرير الأخير على ضرورة تسريع تنفيذ هذه الإصلاحات لتجنب انهيار المنظومة.
في سياق متصل، أعلنت الحكومة عن عزمها بدء الإصلاحات المرتقبة خلال الشهر الحالي. وتهدف هذه الخطوة إلى تحسين الوضعية المالية لصناديق التقاعد من خلال تدابير تشمل مراجعة أنظمة التقاعد، تحسين تدبير الموارد، وضمان توازن مستدام بين المساهمات والمنافع. ويمثل إصلاح صناديق التقاعد حجر الزاوية في تعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي بالمغرب، ومع تزايد أعداد المتقاعدين وتقلص عدد المساهمين النشطين فإن تأجيل الإصلاح، قد يؤدي إلى أزمات أعمق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
يشير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن الإصلاحات تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وتوافق وطني، لتجاوز العقبات المرتبطة بالتمويل والهيكلة. كما يشدد التقرير على أهمية ابتكار مصادر تمويلية جديدة تخفف من الضغط عن المالية العمومية، وتضمن استدامة النظام.
وترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، بمقر وزارة الاقتصاد والمالية، عدة اجتماعات للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، الموقعين في 30 أبريل من السنة الماضية، ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
وقدمت الوزيرة وصفة الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، بناء على الدراسة المنجزة من طرف أحد مكاتب الدراسات، خلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد، ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف، المتناقضة أحيانا، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص، وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تقترح تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات المقبلة، مع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
وقدمت الوزيرة أمام أعضاء اللجنة تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفد نظام المعاشات المدنية لاحتياطياته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028. وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد إلى ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام، وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة إلى الحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في الماضي، ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليارات درهم سنة 2021، وبفضل المستوى المهم لاحتياطياته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني.
محدودية اعتماد آلية التعاقد بين الدولة والجهات لتنفيذ المشاريع
أفادت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بأن المجلس سجل محدودية اعتماد آلية التعاقد بين الدولة والجهات لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية المدرجة ضمن الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية، لافتة إلى أنه خلال الفترة 2020-2022، استكملت أربع جهات، فقط، مسطرة التوقيع على عقود البرامج بين الدولة والجهة، شملت 197 مشروعا تنمويا بكلفة إجمالية قدرها 23,56 مليار درهم، “غير أن معدل المشاريع مكتملة الإنجاز ضمن عقود البرامج الأربعة لم يتجاوز 9 بالمائة، في حين بلغت نسبة المشاريع في طور الإنجاز 80 بالمائة وذلك إلى غاية متم أبريل 2024”.
وشددت على أن نجاح التعاقد بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين، يبقى رهينا باعتماد إطار تنظيمي يحدد بشكل واضح التزامات مختلف الأطراف خلال مراحل إعداده وتنفيذه، وكذا ترشيد وضبط آجال الإجراءات المتعلقة بمسطرة إبرام العقد، بهدف تدارك النقائص المسجلة على مستوى تنفيذ الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية، وأضافت أن هذه الوضعية ستستدعي تحري الدقة في تحديد المشاريع ذات الأولوية المقرر إنجازها في إطار عقد بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين، يتضمن الآليات الكفيلة بإنجاحها، سيما من خلال تحديد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ هذا العقد، وتابعت بالقول إنه أضحى من الضروري، أيضا، مواكبة الجهات في إنجاز برامج التنمية الجهوية التي تم التأشير عليها لتدارك النقائص المسجلة في السابق، مع مراعاة قدراتها التدبيرية والموارد المالية الملتزم بتعبئتها.
وبخصوص برامج التنمية الجهوية للفترة 2022-2027، وإلى غاية منتصف شهر أكتوبر 2024، لم تصادق مجالس الجهات على عقود البرامج لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية المدرجة ضمن البرامج التنموية. ويُعزى هذا الوضع إلى عدم تزامن التخطيط لمرحلة إعداد هذه العقود مع مسطرة إعداد برامج التنمية الجهوية 2027-2022، حيث لم تعمل الجهات على تصنيف المشاريع التي ستُنجز في إطار تعاقدي خلال مرحلة إعداد البرنامج التنموي، وذلك خلافًا لمقتضيات المادة 11 من المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه (رقم 2.22.475). كما لم يساعد تأخر تعيين رؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية والمشتركة على مستوى الجهات وتفويض الاختصاصات التقريرية إليهم على تيسير مسطرة التشاور حول مضمون هذه العقود بين الجهات والقطاعات الوزارية المعنية.
وتفعيلا لتوصيات المجلس الأعلى للحسابات التي أصدرها في تقريره الموضوعاتي حول تفعيل الجهوية المتقدمة، عملت وزارة الداخلية على إعداد مشروع مرسوم يتعلق بتحديد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ العقد بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين، بهدف تعميم آلية التعاقد باعتبارها إحدى أبرز الوسائل لترجمة الالتقائية والتكامل بين مختلف البرامج والمشاريع المدرجة في برامج التنمية الجهوية. وسيتم بموجبه تحديد منهجية تحضير وصياغة وتنفيذ العقود وكيفيات التتبع والتقييم وآليات التنسيق بين الفاعلين، وذلك لضبط التزامات ومسؤوليات الأطراف المتعاقدة.
ولا يزال هذا المشروع قيد الدراسة لدى الأمانة العامة للحكومة في أفق عرضه على مجلس الحكومة للمصادقة، وفي انتظار صدوره، وجهت وزارة الداخلية الدورية رقم 731 بتاريخ 31 مايو 2024 إلى ولاة الجهات، لضبط منهجية إعداد عقود البرامج بين الدولة والجهات لتنزيل برامج التنمية الجهوية للفترة 20222027-.
ويبقى نجاح التعاقد بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين رهينا باعتماد إطار تنظيمي يحدد بشكل واضح التزامات مختلف الأطراف خلال مراحل إعداده وتنفيذه، وكذا ترشيد وضبط آجال الإجراءات المتعلقة بمسطرة إبرام العقد، بهدف تدارك النقائص المسجلة على مستوى تنفيذ الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية.
ويتطلب نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهات تحديد الحد الأدنى من الاختصاصات التي يجب الشروع في نقلها، وخاصة تلك المرتبطة بمجالات وخدمات ذات الأهمية المباشرة للمواطنين. كما أن التوسيع التدريجي لاختصاصات الجهات يستلزم اعتماد التدرج والتمايز والممارسة الفعلية والإلمام بالاختصاصات الذاتية، بالإضافة إلى تقييم قدرتها على الاضطلاع بالاختصاصات التي ستُنقل إليها من قبل الدولة ومدى توفرها على الإمكانيات اللازمة لذلك، لتفادي إثقال كاهلها باختصاصات متعددة. غير أنه لم يتم بعد اعتماد الآليات المؤطرة لتطبيق مبدأ التمايز في نقل الاختصاصات، خاصة المعايير المعتمدة من قبل الدولة لتقييم مدى قدرة الجهة على الاضطلاع بالاختصاصات التي ستُنقل إليها.
الخطط الاستراتيجية وبرامج محاربة الأمية لم تحقق الأثر المتوخى منها
أكدت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أمام مجلسي البرلمان، أن تنفيذ الخطط الاستراتيجية وبرامج محاربة الأمية من طرف مختلف الفاعلين «لم يحقق بعد الأثر المتوخى منه للقضاء على هذه الآفة».
واعتبرت العدوي، خلال تقديمها عرضا عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم الفترة 2023 – 2024، أن الحصيلة المنجزة في مجال محاربة الأمية «تبقى غير مرضية»، بالنظر إلى تواتر مجموعة من الاستراتيجيات، وبالرغم من الغلاف المالي الإجمالي الذي تمت تعبئته لفائدة الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، خلال الفترة 2015-2023، والذي ناهز ثلاثة ملايير درهم.
ولفتت العدوي، في هذا الصدد، إلى أن الإحصائيات تفيد بأن نسبة الأمية ما زالت مرتفعة على مستوى الفئات العمرية التي تفوق 15 سنة، حيث شملت ما يزيد على 7 ملايين و478 ألف شخص خلال سنة 2024، أي ما يعادل نسبة أمية تناهز 27,9 في المائة مقابل 47,7 في المائة قبل عشرين سنة.
وحسب التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، بلغ الغلاف المالي الإجمالي الذي تمت تعبئته لفائدة الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية (الوكالة)، منذ شروعها في تنفيذ برامج محاربة الأمية سنة 2015 حتى متم سنة 2023، ما يناهز 297 مليار سنتيم، وشكلت إعانات الدولة المصدر الرئيسي لمداخيلها بنسبة 84 بالمائة. وأبرمت الوكالة منذ شروعها في إنجاز برامج محو الأمية سنة 2015 ما يناهز 70 اتفاقية شراكة واتفاقية إطار ومذكرة تفاهم مع عدة فاعلين شملت مؤسسات وطنية ومجالس منتخبة وشركاء دوليين.
وأفضى افتحاص هذه الاتفاقيات من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات إلى تسجيل عدة ملاحظات، أبرزها عدم إرساء برامج عمل لبلورة وتتبع تنفيذ اتفاقيات الشراكة والتعاون مع الفاعلين العموميين في قطاع محاربة الأمية. وأكد تقرير المجلس أنه لم يتم تفعيل لجان القيادة والتتبع أو لجان التوجيه والإشراف المنصوص عليها في اتفاقيات الشراكة المبرمة مع القطاعات الوزارية والمجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية والجامعات، والتي تتألف بصفة مشتركة من ممثلي الأطراف المتعاقدة، ويعهد إليها بإعداد مخططات عمل سنوية لتنزيل بنود الاتفاقية والسهر على تنفيذها وتتبعها وتقييم الإنجازات المحققة.
وترتب على هذه الوضعية عدم تنفيذ البرامج المتعلقة بتنمية وتعزيز الكفايات في صفوف التجار (موضوع الاتفاقية المبرمة مع قطاع الصناعة وغرفة الصناعة والتجارة)، وبرامج محو الأمية لفائدة المنخرطين الأميين في التعاونيات وإدماجهم السوسيو اقتصادي (موضوع اتفاقية الشراكة مع مكتب تنمية التعاون)، والبرنامج المتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة (موضوع الاتفاقية المبرمة مع التعاون الوطني)، والبرامج الخاصة بالإدماج السوسيو- مهني للمتحررين من الأمية (موضوع الاتفاقية المبرمة مع هيئة من المجتمع المدني)، ويعزى ذلك، حسب التقرير، لعدم ربط اتفاقيات الشراكة بأهداف قابلة للقياس وللتتبع والتقييم، وترجمتها إلى مشاريع وبرامج عمل واضحة مع تحديد تكلفتها وآجال إنجازها وكذا الالتزامات المالية للشركاء.
وبخصوص تطور ميزانية الوكالة، أفاد التقرير بأن الميزانية المخصصة لنفقات الوكالة شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2022، حيث انتقلت الميزانية الإجمالية من 247,32 مليون درهم سنة 2015 إلى 968,23 مليون درهم سنة 2022، أي بمعدل نمو سنوي متوسط يفوق 21 بالمائة. ويتبين من خلال تحليل تطور هذه الميزانية، الارتفاع الملحوظ الذي ميز الاعتمادات المخصصة للاستثمار، حيث انتقلت من 237,43 مليون درهم سنة 2015 إلى 896,13 مليون درهم سنة 2022، أي بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 21 بالمائة، وذلك بسبب تسجيل معدلات أداء منخفضة خلال الفترة المذكورة والتزايد المستمر للمبالغ الباقي أداؤها، كما مثلت اعتمادات الاستثمار أزيد من 92 بالمائة من مجموع الميزانية خلال الفترة 2015-2022.
ورصد المجلس غياب إجراءات عملية للتأكد من مدى ملاءمة فضاءات التكوين المقترحة في ملفات عروض الجمعيات الشريكة، ومن خلال التحريات المنجزة بعين المكان، سجل المجلس وجود مقرات تكوين عبارة عن شقق ومنازل سكنية ومرائب غير مهيأة لاحتضان دروس محاربة الأمية، وهو ما من شأنه أن ينعكس على جودة التكوينات المقدمة والقدرة على استقطاب المستفيدين والمردودية العامة للمشاريع.
وبين تحليل البيانات المصرح بها من طرف الهيئات الشريكة برسم الموسم الدراسي 2022 / 2023، أن 54 بالمائة من المقرات ذات طبيعة غير محددة و16 بالمائة عبارة عن منازل وشقق ومرائب في ملكية خواص و7 بالمائة تتعلق بمقرات الهيئات المعنية، ما لا يتيح للجنة الانتقاء تقييم مدى ملاءمة هذه الفضاءات لاستقبال دورات محو الأمية، في حين لم تتجاوز الفضاءات العمومية المخصصة لدروس محو الأمية 18 بالمائة من مجموع المقرات المصرح بها، موزعة ما بين مدارس وإعداديات وثانويات (11 بالمائة) ومراكز ومركبات سوسيو ثقافية (7 بالمائة).
ورصد المجلس ضعف مؤشرات حضور المستفيدين من دروس محاربة الأمية وانضباطهم في الحضور، حيث بلغ متوسط مؤشر حضور المستفيدين من دروس محاربة الأمية التي تؤطرها هيئات المجتمع المدني حوالي 40 بالمائة بعينة تتكون من 14.263 قسما تمت معاينتها ميدانيا على مستوى 52 عمالة وإقليما من طرف مكاتب الدراسات المتعاقد معها لهذه الغاية خلال الفترة 2019-2022، علما أن هذه النسبة مرشحة للانخفاض في حال استبعاد الحاضرين غير المسجلين في قائمة المستفيدين من دروس محاربة الأمية. وفي السياق نفسه سجل مؤشر الانضباط في الحضور (معدل المستفيدين الحاضرين الذين يتواجدون ضمن قائمة بخمسة أسماء ينادى عنها من طرف ملاحظي مكتب الدراسات خلال زيارة القسم للتأكد من تواجد المعنيين بالأمر) نسبة متوسطة لم تتجاوز 43 بالمائة، ويرجع ارتفاع مستوى غياب المسجلين في الدروس وعدم انضباطهم في الحضور إلى عدم احترام الهيئات الشريكة لعدد الأفواج أو لمقرات التكوين أو لجداول الحصص، وهو ما من شأنه أن يقلل من أثر المجهودات المبذولة لمحاربة آفة الأمية.
الإجهاد المائي يستلزم استثمارات كبرى ومستعجلة
أكدت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان، أنه اعتبارا لتطور نفقات الاستثمار المنجزة في إطار الميزانية العامة للدولة، والتي انتقلت من 52,3 مليار درهم سنة 2015 إلى 119,2 مليار درهم سنة 2023، «يتعين الحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي، والسعي لأن يلعب دور الرافعة للاستثمار الخاص».
وأوضحت العدوي، خلال هذه الجلسة التي خصصت لتقديم عرض عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم الفترة 2023 – 2024، أن ذلك ينبغي أن يتم «من خلال تطوير الآليات الضرورية لضمان التوظيف الأمثل للاستثمارات العمومية، وعبر ترشيد النفقات وتحديد الأولويات واللجوء إلى الشراكات مع القطاع الخاص». وأشارت العدوي، في هذا السياق، إلى أن المجلس الأعلى للحسابات سجل بعض المخاطر بخصوص المالية العامة، «والتي تتعين معالجتها على الأمدين القصير والمتوسط بالنظر إلى الضغوط المتزايدة على المالية العمومية، وإلى وتيرة تنفيذ بعض الإصلاحات المبرمجة».
ونبهت العدوي إلى أن تفاقم إشكالية الإجهاد المائي يستلزم استثمارات كبرى ومستعجلة تقدر بـ 143 مليار درهم، برسم الفترة 2020-2027، في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي، كما أن التأهيل العام لجهة الحوز يستدعي بدوره موارد مالية مهمة لتمويل برامج الإعمار ومساعدة المتضررين، حيث تجاوزت النفقات في هذا المجال 9,5 مليارات درهم إلى حدود نهاية أكتوبر 2024.
وسجلت المتحدثة أن تنزيل الإصلاحات الكبرى التي أطلقتها المملكة يتواصل، خصوصا، إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية الذي من المتوقع، حسب آخر تقديرات وزارة الاقتصاد والمالية، أن تبلغ كلفته 53,5 مليار درهم عند تفعيل جميع آليات الحماية الاجتماعية سنة 2026، منها 38,5 مليار درهم سيتم تمويلها من ميزانية الدولة.
ونوهت العدوي إلى أن المغرب يستعد لاستضافة كأس إفريقيا للأمم لسنة 2025 ونهائيات كأس العالم لكرة القدم لسنة 2030 مشاركة مع إسبانيا والبرتغال، «وهو الأمر الذي يتطلب تعبئة موارد مالية هامة لتمويل الاستثمارات الكبرى قصد تأهيل البنية التحتية الرياضية والسياحية والاتصال والمواصلات».
وارتباطا بتعبئة الموارد، أوضحت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أنه يتوقع أن تسهم الإصلاحات الجارية في المجال الجبائي وقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ومنظومة الاستثمار، أيضا، في تخفيف الضغط على المالية العمومية، و«ذلك لما يمكن أن تتيحه هذه الإصلاحات من موارد عمومية إضافية من جهة ومن تقليص للتحويلات من ميزانية الدولة لفائدة المؤسسات العمومية، التي فاقت 65 مليار درهم سنة 2023، مقابل عائدات ومساهمات في ميزانية الدولة لم تتجاوز 16,8 مليار درهم، برسم السنة نفسها من جهة أخرى».
وتابعت العدوي بالقول بأن من بين الأهداف المتوخاة من إصلاح منظومة الاستثمار، الرفع من نسبة مساهمة الاستثمار الخاص الذي يجب أن يعكس الدينامية التي يشهدها الاستثمار العمومي، وبالتالي التخفيف من الضغوط على المالية العمومية، بالإضافة إلى ما يمكن أن يوفره من عائدات ضريبية من شأنها الرفع من القدرات التمويلية لميزانية الدولة والجماعات الترابية.
وشددت العدوي على أنه إذا كان من شأن هذه الإصلاحات توفير هوامش هامة للاستجابة لحاجيات التمويل، «فإن الحرص على مواصلة تسريع تنفيذها يكتسي أهمية بالغة تداركا لكل تأخر في إنجازها، وضمانا لتعبئة الموارد اللازمة في أفق يتناسب مع توقيت بروز الحاجيات وضبطها، ولترسيخ مصادر تمويلية قارة مع الاستمرار في ابتكار مصادر أخرى لتخفيف الضغوط على المالية العمومية».
وعلاقة بالمخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية على المديين المتوسط والبعيد، جددت العدوي تأكيد المجلس الأعلى للحسابات على الحاجة الملحة إلى مباشرة وتسريع إصلاح منظومة التقاعد، لافتة إلى أن المجلس سبق أن أصدر توصيات في هذا الشأن في تقريره حول منظومة التقاعد لسنة 2013 دعا فيها إلى الشروع في الإصلاح الهيكلي بعد إنجاز الإصلاح المقياسي.
وأضافت العدوي أن تقرير المجلس المتعلق بالصندوق المغربي للتقاعد لسنة 2017 أورد ضمن توصياته الأهداف الاستراتيجية التي يجب أن يتوخاها إصلاح هذا النظام والشروط الأساسية للحفاظ على استدامته. مشيرة، في هذا الصدد، إلى الوضعية التي يشهدها الصندوق المغربي للتقاعد الذي سجل عجزا تقنيا بمبلغ 9,8 مليارات درهم عند نهاية سنة 2023.
وخلصت العدوي إلى أن هذا الأمر يؤدي إلى تراجع في الأرصدة الاحتياطية للصندوق التي بلغت 65,8 مليار درهم عند متم سنة 2023، ومن المتوقع، حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، أن تستنفد في حدود سنة 2028، لافتة، في هذا الإطار، إلى أن المجلس الأعلى للحسابات يسجل إعلان الحكومة، أخيرا، عن عزمها الشروع في الإصلاح المرتقب خلال الشهر الحالي.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات يستعرض اختلالات قطاع الطاقة بالمغرب
استعرضت زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، أمام البرلمان، أبرز التحديات والاختلالات التي يواجهها قطاع الطاقة في المغرب، مركزة على قضايا النجاعة الطاقية، مخزونات المحروقات، وتطوير قطاع الغاز الطبيعي.
أشارت العدوي إلى أن تدابير النجاعة الطاقية المتخذة حتى الآن لم تكن فعالة ولم تحقق الأهداف المرجوة، مؤكدة أن الاستراتيجية الطاقية الوطنية التي جعلت من النجاعة الطاقية أولوية لم يتم بعد ترجمتها إلى استراتيجية شاملة ومحددة. وأوضحت أن نسبة اقتصاد الطاقة لم تتجاوز 5.8 في المائة، وهي نسبة بعيدة عن الهدف المحدد بـ 20 في المائة في أفق سنة 2030.
وأضافت أن ضعف الموارد المالية، والتأخر في إصدار النصوص التطبيقية المتعلقة بالقانون رقم 47.09 الخاص بالنجاعة الطاقية، فضلاً عن غياب إطار تحفيزي يشجع على تبني تدابير النجاعة الطاقية، ساهم بشكل كبير في هذه النتيجة. ودعت إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة للنجاعة الطاقية، مع المصادقة عليها وأجرأتها، إلى جانب وضع إطار تحفيزي يعزز ثقافة النجاعة الطاقية لدى القطاعات المعنية.
أما بالنسبة لقطاع المحروقات، فقد أكدت العدوي أن المخزونات الاحتياطية لا تزال دون المستوى المطلوب المحدد في 60 يومًا. وذكرت أن مخزون الغازوال والبنزين وغاز البوتان خلال سنة 2023 لم يتجاوز 32 و37 و31 يومًا على التوالي. وشددت على ضرورة إرساء آليات فعالة لتدبير ومراقبة المخزون الاحتياطي بهدف التخفيف من أثر تقلبات الأسعار في السوق الدولية على السوق الوطنية.
كما أبرزت أن نقاط دخول المنتجات البترولية المستوردة ظلت محدودة، حيث أضيفت فقط نقطة دخول واحدة بميناء طنجة المتوسط منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للطاقة في 2009.
وفي ما يتعلق بقطاع الغاز الطبيعي، أوضحت العدوي أن الجهود المبذولة منذ 2011 لتطوير هذا القطاع لم تستكمل، مما أثر سلبًا على مساعي التخلص التدريجي من الفحم في إنتاج الكهرباء. ودعت إلى اعتماد استراتيجية رسمية وإطار قانوني مناسب لتطوير سوق الغاز الطبيعي، مع ضمان تنسيق فعال بين جميع الأطراف المعنية لتشجيع الاستثمار في هذا المجال.
رغم الإشارة إلى بعض الاختلالات، أفادت العدوي بأن المغرب أحرز تقدمًا مهمًا في مجالات الطاقات المتجددة، حيث ارتفعت نسبة حصة الطاقات المتجددة في القدرة المثبتة من 32 في المائة سنة 2009 إلى 44.3 في المائة في غشت 2024، مع استهداف بلوغ 52 في المائة بحلول 2030.
لكنها أكدت أن الوصول إلى هذا الهدف يستدعي تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الجديدة. وأشارت إلى أن عددًا من المشاريع المقدمة من القطاع الخاص لم يتم الترخيص لها بسبب نقص القدرة الاستيعابية لشبكة نقل الكهرباء.
ولفتت العدوي إلى أن التخطيط الطاقي ركز بشكل أساسي على قطاع الكهرباء، دون شمول الجوانب الأخرى مثل تأمين الإمدادات وتنويع مصادر الطاقة والنجاعة الطاقية. ودعت إلى تبني رؤية شاملة ومتكاملة في التخطيط لمختلف مكونات القطاع الطاقي.
وفي ما يتعلق بالحكامة، أوضحت أن آلية التعاقد بين الدولة والمؤسسات العمومية في قطاع الطاقة ظلت محدودة. فمنذ عام 2008، تم إبرام عقدي برامج فقط مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، غطى الأول الفترة 2008-2011، والثاني الفترة 2014-2017.
اختتمت العدوي عرضها بالتأكيد على الحاجة الملحة لتعزيز الحكامة في قطاع الطاقة، وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المتعلقة بالطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، إضافة إلى تحسين إدارة المخزون الاحتياطي للمحروقات وتطوير سوق الغاز الطبيعي، وأكدت أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب التزامًا قويًا من مختلف الأطراف المعنية، واعتماد خطط متكاملة وشاملة لضمان تحقيق الأهداف الطموحة للاستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030.
عتيق السعيد
«تتبع الأوراش وتقييم تنزيل الإصلاحات من لدن المجلس الأعلى يضمن تجويد الإنجازات وتجاوز التحديات»
- ما أهمية تقرير المجلس الأعلى للحسابات في سياق المرحلة المقبلة؟
للحديث عن أهمية ودور تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا بد من الرجوع الى ماهية هذه المؤسسة الدستورية، حيث إن دستور 2011 في الباب العاشر الموسوم بالمجلس الأعلى للحسابات ينص الفصل 147 على أن المجلس هيأة عليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاليته، يمارس المجلس الأعلى للحسابات مھمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العمومية، يتولى ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة، أيضا تناط بالمجلس الأعلى للحسابات مھمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية.
أما في علاقته بالبرلمان أو الحكومة والهيآت القضائية، حسب الفصل 148 من الدستور، المجلس الأعلى للحسابات يقدم مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة؛ ويجيب عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة، كما يقدم المجلس مساعدته للھيئات القضائية، أيضا يقدم المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للحكومة، في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون، ينشر المجلس جميع أعماله، بما فيھا التقارير الخاصة والمقررات القضائية، ويرفع المجلس الأعلى للحسابات إلى جلالة الملك تقريرا سنويا، يتضمن بيانا عن جميع أعماله، ويوجھه أيضا إلى رئيس الحكومة، وإلى رئيسي مجلسي البرلمان، وينشر بالجريدة الرسمية للمملكة، كما يقدم الرئيس الأول للمجلس عرضا عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، ويكون متبوعا بمناقشة.
بناء على ما تقدم يمكن القول إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تعد آلية رقابية هامة، حيث يعمل ضمن اختصاصاته على التدقيق والبت في الحسابات، والتسيير بحكم الواقع، والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ومراقبة التسيير، بالإضافة إلى أنه يراقب عن طريق المجالس الجهوية استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في رأسمالها، أو من مساعدة من طرف جماعة محلية أو هيئة أو من أي جهاز آخر خاضع لرقابتها، بحيث تهدف هذه المراقبة إلى التأكد من مدى مطابقة استخدام الأموال العمومية التي تم تلقيها للأهداف المتوخاة من وراء المساهمة أو المساعدة.
- ما هي أهم النقاط التي جاءت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص تتبع تنزيل الأوراش والإصلاحات الكبرى بالمملكة، وتقييم تقدم الإنجازات بما فيها قطاع الماء؟
قبل الجواب عن سؤالكم لا بد من الإشارة إلى أن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم الفترة 2023-2024 شملت تتبع وتقييم إنجازات الأوراش والمشاريع الكبرى، وبتحديد المخاطر والتحديات التي يمكن أن تعيق تحقيق الأهداف المتوخاة من هذه الإصلاحات. العمليات شملت الأوراش الكبرى كورش الحماية الاجتماعية، والاستثمار، والمؤسسات والمقاولات العمومية، والإصلاح الجبائي، وفي إطار التتبع لهذه الإصلاحات تمت إضافة ورشين يتعلقان بالماء، والجهوية المتقدمة، وبالتالي فإن تتبع وتقييم تنزيل الإصلاحات من لدن المجلس الأعلى يضمن تجويد الإنجازات وتجاوز التحديات المختلفة، وفي مقدمتها قطاع الماء والجهوية المتقدمة.
أما بخصوص تدبير قطاع الماء في سياق التغيرات المناخية، أكدت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، في مداخلة بمجلسي النواب، الأسبوع الماضي، أن المملكة اعتمدت سياسات مائية استباقية منذ الستينيات، ابتداء من سياسة بناء السدود، من أجل تحسين استدامة الموارد المائية وتعزيز القدرة على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية، وصولا إلى البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يروم توفير الماء الصالح للشرب وتلبية احتياجات القطاعات الإنتاجية، وذلك بغلاف مالي قدره 143 مليار درهم.
وبالرجوع دائما الى مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 25 لعيد العرش المجيد، والذي يعتبر خارطة طريق استراتيجية لتحديد الأولويات وتجاوز التحديات، فقد دعا الخطاب الملكي إلى ضرورة الوقوف على مستلزمات التفعيل الأمثل لكل مكونات هذا البرنامج الوطني المتعلق بتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يكلف استثمارات بقيمة 115،4 مليار درهم، الرامي الى تنويع منابع ومصادر التزويد بالماء الشروب بالموازاة مع مواكبة الطلب، ذلك ضمانا لتحقيق أعلى مستويات الأمن المائي.
جلالة الملك في الخطاب السامي ذاته أكد على أهمية التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء، التي باتت في ظل الوضعية الحالية ملزمة بتحديد هدف استراتيجي في مختلف الظروف والأحوال، والمتمثل في المقام الأول بضمان الماء الشروب لجميع المواطنين، وتوفير 80 في المائة على الأقل من احتياجات السقي، على مستوى التراب الوطني. وهو ما يجسد الرعاية المولوية والأولوية الكبرى في تحقيق استراتيجية وطنية تروم توزيعا كافيا وعادلا ومنصفا للثروة المائية تتميز بتكامل الانسجام والطموح، كما تمكن المغرب من رؤية واضحة الأفق، وبالتالي ضمان الانتقال من الاكتفاء الآني إلى الاستدامة في المستقبل.
المغرب عمل على ملاءمة الترسانة القانونية المتعلقة بالماء، لكن المقاربة القانونية تظل غير كافية ما لم تقترن بمقاربة متعددة الأبعاد، تضمن تحقيق التكامل والالتقائية بين قطاعات الماء والفلاحة والطاقة وتلاؤم استراتيجياتها واندماجها على المستوى الترابي، وهو ما أكده تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي دعا إلى استعمال الطاقات المتجددة قصد تعبئة الموارد المائية، خاصة في مجال تحلية مياه البحر، مع تشجيع البحث العلمي في المجال المائي، والانفتاح أكثر على الجامعات ومختبرات البحث كي تساهم في اقتراح حلول للإشكاليات البيئية، سيما تلك المتعلقة بالماء والتربة.
حقيقة إن ضمان الأمن المائي يعد من أبرز أولويات مشروع قانون مالية 2025، والانكباب على استكمال برنامج بناء السدود وإعطاء الأولوية لأجرأة مشاريع السدود المبرمجة في مختلف المناطق التي تعرف تساقطات مهمة، يساهم في الاستثمار الأمثل للموارد المائية، والحد من الإرهاق المائي في باقي المناطق التي تشهد نقصا متفاوت للماء، وبالتالي يتوجب على المؤسسة التشريعية توجيه وتنسيق الجهود في كل ما يتعلق بحماية الفرشة المائية الوطنية، ولكي يستقيم هذا التوجه لا بد من وضع دراسات وتقديم مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحكامة تدبير الموارد المائية، كما ينبغي كذلك، استغلال كافة قنوات التواصل الممكنة من أجل توعية الشركات والمقاولات، والأسر، والمواطنين بضرورة ترشيد السلوك الاستهلاكي للماء، فضلا عن تفعيل آليات الردع تجاه السلوكات اللامسوؤلة لاستهلاك الماء.
- التقرير السنوي سلط الضوء على تتبع استكمال تنزيل ورش الجهوية المتقدمة؟
المجلس الأعلى للحسابات باشر خلال سنة 2024، تتبعه استكمال تنزيل ورش الجهوية المتقدمة والإصلاح الذي يتعلق بهذا الورش المحوري في كل عمليات التنمية بالمغرب، وذلك استكمالا للمهمة الموضوعاتية التي أنجزها بهذا الخصوص في نونبر 2023، حيث أشارت العدوي إلى أن المجلس سيعمل في الفصل الأول من هذه السنة على نشر نتائج تقييم برنامج الحد من الفوارق المجالية، وهي عملية غاية في الأهمية، لأنها ستتيح رصد الإشكالات والنواقص وسبل تجاوزها تحقيقا للعدالة المجالية وتقليص الفوارق الاجتماعية في بعض المناطق، خدمة لتحقيق أهداف التنمية الترابية ببلادنا.
تقرير المجلس الأعلى رصد تسريع تنزيل هذا الورش من خلال مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية المرتبطة باللامركزية واللاتمركز الإداري، بالإضافة إلى تخصيص آليات متجددة وموارد لمواكبة الجهات في تفعيل اختصاصاتها ودعم قدراتها التدبيرية، حيث سجل المنحى التصاعدي للموارد المالية المرصودة من قبل الدولة لفائدة الجهات استمراره، وهو مؤشر يحفز على السير في طريق تطوير آليات التفعيل الجيد لهذا الورش الوطني.