شوف تشوف

الرئيسيةرياضة

العباسية

 

حسن البصري

 

في طفولتنا، كنا نقضي ساعات أمام بوابة الملعب الشرفي وملعب الأب جيكو، في انتظار فتح الأبواب ليدخل حشد من المتفرجين الذين لا يملكون التذاكر. حينها نهرول داخل الملعب لنستمتع بالدقائق المتبقية من عمر المباريات.

كان حارس البوابة الشعبية يصيح «يا الله أصحاب العباسية»، ثم يأذن لنا بالدخول وهو يلعن سوء تربيتنا حين يتحول الدخول إلى اقتحام فوضوي. لم أكن أفهم معنى «العباسية» ولكنها ارتبطت في أذهان رفاقي بالمجانية.

حين كبرنا تبين أننا كنا نعتنق من حيث لا ندري «المذهب العباسي» وأننا كنا من سلالة أشعب لكن في أعراس الكرة.

وحين اشتد عودنا وتسلل الدفء إلى جيوبنا وعقولنا، علمنا أن «العباسية» فعل تضامني ينسب لمبادرة الفقيه الولي الصالح سيدي بلعباس السبتي دفين مراكش، الذي أطلق، حين كان محتسبا على مراكش، مبادرة الهبة المجانية، كأن يهب الخباز للمعوزين، الطرحة الأولى والسفاج «القلية» الأولى وبائع الحريرة «الزلافة» الأولى.

حتى أن بائعات الخبز، الفقيرات، اللواتي لا يكاد رأسمال الواحدة منهن يتجاوز العشرين خبزة، تتصدق بخبزة، «خبزة سيدي بلعباس» ولا تشرع في البيع إلا بعد أن تشق الخبزة على أربعة وتقول: «هذه خبزة «العباسية».

امتدت «العباسية» لتشمل مجالات أخرى، حيث يعمل أصحاب الحمامات التقليدية على تقديم خدماتهم في اليوم الأول دون مقابل، حتى تكونت نواة فصيل يستفيد من هذه المبادرة التكافلية ويقبل عليها خاصة حين يتعلق الأمر بفرجة مجانية.

لكن «العباسية» أخذت منحى آخر، حين أصبحت بعض الدول تنظم المؤتمرات كلما تعذر على بلد تنظيمها لظروف غالبا ما تتعلق بالجوانب الأمنية واللوجستيكية، أو تسعى إلى تنظيم الملتقيات الرياضية كلما عجز بلد عن تنفيذ وعوده التنظيمية، ورفع راية الاستسلام.

فتح رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، باتريس موتسيبي، باب «العباسية» أمام الجزائر، حين دعا جاهد زفيزيف، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، للتعجيل بتقديم عرض لاستضافة كأس أمم إفريقيا 2025، بعد أن أعلن «الكاف» سحب تنظيمه رسميا من غينيا لأنها ليست جاهزة لاحتضان المنافسة القارية، بعد التقرير السلبي الذي أعدته اللجنة المكلفة بمتابعة الأشغال.

تجرد الجنوب إفريقي باتريس موتسبي من حياده وقال ردا على سؤال صحفي جزائري: «أناشد أخي جاهد لتقديم ملف الترشح، ففي كل مرة أزور الجزائر أشعر بالترحيب الحار، لكن الكرة الآن في مرمى الرئاسة، وهناك دول أبدت بالفعل رغبتها في المنافسة على التنظيم سواء بملف فردي أو ثلاثي، كما هو الحال مع بوتسوانا وناميبيا وأنغولا».

عادت حليمة إلى عادتها القديمة ومارست جنوب إفريقيا أدوارها الوقحة، حين دعت الجزائر للاستفادة من «العباسية»، استجابت الجارة الشرقية لنداء موتسيبي، وقالت «واباتريساه نحن جاهزون للاستفادة من العباسية». وقال رئيس الاتحاد إن عبد المجيد تبون منحه الضوء الأخضر. لكن المغرب آمن بأن الأسبقية لـ«مول ليمن» وفطن للأمر وأعلن ترشحه لاستضافة «كان 2025».

تبدو حظوظ المغرب أوفر لأن بلدنا لم ينظم دورة «الكان» منذ 1988، حين تخلت كينيا مكرهة عن التزاماتها، وأعلنت استقالتها من تنظيم حدث قاري، بينما نظمت الجزائر آخر دورة إفريقية سنة 1990.

لكن كيف تعلن الجزائر ترشيحها لاحتضان عرس كروي كبير وملاعبها هشة، بل إن مدرب المنتخب الجزائري، جمال بلماضي، انتقد، قبل أيام، بشدة الوضعية المزرية لملعب وهران الذي استقبل المباراة الودية بين المنتخبين الجزائري والغيني، حين قال ساخرا من ملعب في منزلة بين المترب والمكسو بالعشب: «لا أدري كيف ظهرت لكم الأرضية في الشاشة، لكنها في الواقع شيء آخر».

كما انتقد جمال بلماضي، مدرب المنتخب الجزائري، أرضية ملعب مصطفى تشاكر بولاية البليدة، وقال إنه «وضع مؤسف حقا». لقد شهد شاهد من أهلها يا موتسيبي، والاعتراف سيد الأدلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى