يونس جنوحي
رغم أن المحكمة السويدية أدانت مُرتكب فعل إحراق نسخة من القرآن الكريم أمام مسجد في «ستوكهولم»، إلا أن النقاش حول اعتبار هذا الفعل الجُرمي حرية تعبير من عدمها، لا يزال ساريا.
دول إسلامية كثيرة، من بينها المغرب، استدعت سفراءها والقائمين بالأعمال في السويد احتجاجا على التساهل الذي أبدته السلطات السويدية في البداية، خصوصا مع انتشار أخبار أولية أفادت بأن السلطات السويدية رخّصت فعلا لتنظيم مظاهرة تم خلالها إحراق نسخة من القرآن الكريم.
«أوروآسيا ريفيو» للدراسات، وهي منصة تنشر كل ما يتعلق بحقوق الأقليات والحريات الدينية، نشرت، قبل أيام، تقريرا يدعو فعلا إلى التأمل.
التحليل، الذي أعده الدكتور إبراهيم إسلام بشأن الأفعال الجرمية المتكررة ضد الإسلام، ذهب في اتجاه اعتبار أن أخطر ما يواجه الإسلام، اليوم، هو تعذيب مُسلمي منطقة الإيغور في الصين.
تاريخ الأمة الإيغورية يعود إلى حوالي أربعة آلاف سنة، وهم في الأصل مواطنون من منطقة تركستان الشرقية في آسيا الوسطى، ويوجدون في نقطة التقاء الصين والهند وباكستان وكازاخستان ومنغوليا وروسيا.
جاء الإسلام إلى المنطقة قبل أزيد من 1300 سنة.
مع ظهور الاشتراكية في الصين في عهد ماو تسي تونغ سنة 1949، كان عدد السكان المسلمين في المنطقة يصل إلى 90 بالمئة، وانخفضت النسبة حاليا إلى النصف، أي أن هؤلاء المسلمين تعرضوا لإبادة ممنهجة.
الدكتور إبراهيم إسلام اعتبر أن التعتيم الذي تمارسه السلطات في الصين، تسبب في حجب ما يقع في الإيغور عن أنظار العالم.
منظمات دولية من بينها «فريدوم ووتش»، اعتبرت أن الصين من بين الدول الأكثر ممارسة للاضطهاد -على أسس دينية- في العالم.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن ما يصل إلى مليون مسلم محتجزون حاليا في منطقة «شينجيانغ» الغربية. وهناك تقوم السلطات الصينية بما أطلقت عليه عملية «تصحيحات شخصية»، الهدف منها إعادة التكوين في إطار برامج إصلاحية، كما لو أن الأمر يتعلق بمجرمين أو إعادة تأهيل مدمنين على المخدرات الصلبة.
منابر دولية، مثل «BBC»، كشفت سابقا وجود ممارسات لا إنسانية في تلك المراكز، حيث يتعرض المسلمون المحتجزون إلى التعذيب والضغط النفسي بسبب خلفيتهم الدينية.
وحسب الدراسة التي أنجزها الدكتور إبراهيم إسلام، فإن الصين منذ سنة 1964، سمحت بإجراء تفجيرات في إطار أبحاث نووية في الإقليم الذي يشهد كثافة سكانية كبيرة كلهم مسلمون، دون أي مراعاة لمعالم الثقافة الإسلامية الموجودة في المنطقة، ودون احترام للمعايير البيئية المعمول بها. ليتضح بعد سنوات أن المخطط كان ممنهجا فعلا، والهدف منه إخلاء الإقليم من السكان واقتيادهم إلى مراكز الاعتقال.
في الوقت الذي يستنكر فيه العالم أجمع واقعة إحراق القرآن الكريم في مظاهرة بالسويد، يعاني مسلمو الإيغور من إجراءات تحول بينهم وفريضة الحج.
خلال السنوات التي سبقت تطور مشكل الإيغور، كانت السلطات توزع ملصقات تفرض على المواطنين أداء صلواتهم في منازلهم وليس في المساجد. لتتخذ الأحداث منحى أعنف، وصل حد الاعتقال بسبب القناعات الدينية، وحرمان الأطفال من دخول المدارس، للسبب نفسه أيضا.
أخيرا ألقي القبض على ناشط صيني شهير اسمه «كوي هوجين»، بسبب قصيدة شعرية ألّفها، دعا من خلالها إلى الإفراج عن السجناء المسلمين في «الإيغور».
أكثر من مليونين ونصف مليون مُسلم تفرقوا حول العالم وغادروا منطقة «شينجيانغ» هربا من تقييد حرية ممارستهم لمعتقداتهم الدينية التي لا تعترف بها الصين، ومعاناتهم مستمرة منذ سنوات، حتى قبل أن تبدأ هذه البدعة المستفزة التي ترمي إلى إحراق بضع نسخ من القرآن الكريم في الساحات العامة بأوروبا، أو الإساءة إلى الرسول الكريم وتوزيع رسومات تُسيء لسيرته. إن العالم يسير بثبات إلى الخلف، حتى أن الأمر صار واضحا أكثر من أي وقت مضى. ففي العصور الوسطى وحدها كانت تُحرق المصاحف والمساجد، ويُعذب الناس بسبب قناعاتهم.