شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

العالم يتجه نحو المجهول

ليس هناك من شك أن العالم أصبح يعيش بصورة متزايدة على إيقاع حرب باردة وساخنة في نفس الوقت. فإلى جانب خوض دول الكون لحرب تجارية طويلة الأمد جراء التداعيات الوبائية والتقلبات المناخية، دخلت الدول العظمى في دائرة مدمِّرة من الحروب بالوكالة والتوترات العسكرية والاصطفافات الجيوستراتيجية والعقوبات المتبادلة، فيما الخطابات الرسمية تتزايد عدائية منذرة باتجاه مصير العالم نحو المجهول. وبدون شك فإن استمرار هاته الحرب الباردة بين معسكر الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وأستراليا من جهة ومعسكر الصين وروسيا من جهة أخرى من شأنه أن يجعل كلا المعسكرين والعالم أسوأ حالًا. وستكون خطيرة ومكلفة- لأسباب ليس أقلها أنها ستحول دون التعاون المطلوب في ما يتعلق بمجموعة من الرهانات الإقليمية والعالمية.

وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة عن أي مواجهة عسكرية محتملة، لوجدنا أن كل بلدان العالم بأكمله ستشعر بآثار هذه الحرب سواء كانت باردة أم ساخنة. فالتوتر المتصاعد خلال الفترة الماضية في بعض المناطق الحساسة ينذر باحتمال الوصول لمرحلة المواجهات العسكرية التي قد تجر العالم إلى حرب مدمرة جديدة، سنتضرر منها جميعاً بكل تأكيد.

لذلك المغرب اليوم أمام أوضاع خارجية غير مستقرة وقابلة للتفجر في أي لحظة، لذلك هناك العديد من المهام التي يجب على الدولة أن تضعها بالحسبان، وفي مقدمتها أن تكون على قدر عال من المسؤولية في التقدير الجيوسياسي لتواجه مثل هذه الأخطار الخارجية، فنحن اليوم نحتاج أولا لتأمين موقعنا الاستراتيجي بعيدا عن أي محاولة اصطفاف غير محسوبة العواقب، والحفاظ ما أمكن على النهج ذاته في السياسة الخارجية والذي طالما تميز بالاعتدال والتوازن والاستقلالية. ولا ننسى أنه على مدى تاريخها تميزت السياسة الخارجية المغربية بقدر كبير من التوازن أثناء ذروة التوترات، عبر عنه المغرب من خلال الانضمام لحركة عدم الانحياز قبل عقود، رغم أن الاعتبارات الجيوسياسية وطبيعة موقع المغرب الجغرافي تجعل بعض الدول تطالبه بتبني مواقف حادة.

صحيح أن المغرب له مصالح استراتيجية مع الولايات المتحدة التي تعتبره شريكاً مهما في شمال إفريقيا، وكذلك مع شريكه التقليدي الاتحاد الأوروبي، لكن، في المقابل، لدينا علاقات مع الصين ولابد أن نحصل على موقع جيد في استراتيجيتها بخصوص طريق الحرير، ونملك علاقات اقتصادية مع روسيا التي لا ينبغي استعداؤها لتفادي إشعال فتيل مواجهة إقليمية.

والواضح جدا أن نهج الحياد المعتمد ومسك العصا من الوسط هو أحد أفضل الخيارات الممكن اعتمادها في ظل التحولات الجيوستراتيجية. وبالتالي، إذا انحاز المغرب بلا تخطيطٍ دقيق لتموجات الأزمات التي يتخبط فيها العالم، فإن التأثير سيكون كبيرا وغير متوقع العواقب.

الأمر الآخر، والذي يعتبر من أهم المهام التي تواجه الدولة المغربية، هو تعزيز الجبهة الداخلية وتقويتها، فالجبهة الداخلية كانت ولا تزال هي الحصن الحصين لهذا البلد. لذلك فإن المهمة الأكبر في هاته المرحلة العصيبة هي تعزيز الجبهة الداخلية، الأمر الذي يتم من خلال طي صفحة بعض الملفات الاجتماعية والاقتصادية الحارقة، فالجبهة الداخلية القوية هي أفضل استعداد دفاعي ضد الأخطار الخارجية.

فأمام ما يواجهه المغرب من تحولات إقليمية في مواقف حلفائه الخارجيين التقليديين، ومن تداعيات الأزمة المالية والعسكرية العالمية، لم تعد الدعوة لتحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا إن كانت يوما كذلك، بل ضرورة وطنية لإسناد الموقف المغربي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار إمكانات بلدنا المحدودة اقتصاديا وماليا، فأقل الإيمان أن تكون الجبهة الداخلية متماسكة وموحدة، ليس فقط لمواجهة مشاريع التفتيت وضرب السيادات الوطنية واستهداف الرموز السيادية، بل أيضا لوضع البلاد على سكة الاستقرار والازدهار المستقبليين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى