تعد التحديثات اللغوية التي طرأت على مجموعة من السلوكيات والعلاقات الإنسانية أمرا مثيرا للاهتمام. في الماضي كان الناس يتجنبون تسمية الأشياء بمسمياتها أو إعطاء تفسيرات أو تبريرات لاختياراتهم الحياتية. فإذا رسب أحدهم في امتحانات الباكالوريا، على سبيل المثال، قيل إنه لم يبذل مجهودا كافيا في مراجعة دروسه، وإذا عانى شخص من الاكتئاب أو تدهورت حالته النفسية، قيل إن عينا حاسدة أصابته.. وإذا وقع الطلاق بين زوجين قيل إن «العشرة ماكتابتش»..
تغيرت اليوم أساليب التعبير عن مثل هذه الحالات الإنسانية حيث أصبحنا نستنجد بمصطلحات سيكولوجية معقدة لتبرير الرسوب، فنقول، مثلا، إن الطالب كان تحت ضغوطات نفسية كبيرة سببت له رهابا اجتماعيا استنزف طاقته العقلية، أو نقول إن من بين أسباب الاكتئاب الصدمات المتوالية للأجيال.. بل أصبحنا نصنف الطلاق إلى أنواع متعددة، فهناك الطلاق القانوني المتعارف عليه، والطلاق المادي والطلاق العاطفي. لقد تحولت الزيجات الفاشلة إلى قاموس لغوي غني بمصطلحات كانت غائبة عنا إلى وقت قريب، نذكر منها، على سبيل المثال، الرايات الحمراء كعلامة خطر تحذر من الشريك النرجسي المتلاعب، والرايات الخضراء التي تبشر بشريك متوازن نفسيا أو أساليب القصف عبر الحب، وهي تقنية يقوم من خلالها أحد الطرفين بإغراق الطرف الآخر بالمشاعر الجياشة والعاطفة المستفيضة في بداية العلاقة حتى يضمن السيطرة النفسية التامة على الشريك بغرض التلاعب به. نجد، أيضا، مصطلح الطلاق العاطفي كتعبير عن التنافر والتباعد الذي يقع بين الزوجين، سواء على مستوى العاطفة أو الجنس أو التواصل الإنساني. فهل حقا يقع هذا النوع من الانفصال بين الأزواج؟ ولماذا أصبحنا نبالغ في التفسير السيكولوجي لمعظم سلوكياتنا كبشر؟ لماذا لم نعد نكتفي بأساليب الجدات في تبرير الفشل الزوجي بإلقاء اللوم على المرأة في حالة تعرضها للتعنيف، وتوجيه أصابع الاتهام للعوالم السفلية في حال إصابة الزوج بالضعف الجنسي، أو توبيخ الزوجة على التقصير والإهمال إذا لجأ زوجها للتعدد. هل أصبحت المغربية واعية بالظلم الممنهج الذي مورس عليها لأجيال؟ وهل أدركت النساء اليوم أن فشل العلاقة الزوجية أمر يتحمله الطرفان معا؟
يشير الطلاق العاطفي إلى الحالة التي يبقى فيها الزوجان متزوجين قانونيا ولكنهما ينفصلان عاطفيا عن بعضهما البعض. يمكن أن ينطوي ذلك على انعدام الحميمية أو التواصل العاطفي، وغالبا ما يشير ذلك إلى أن الرابطة العاطفية بين الشريكين ضعفت أو انهارت، على الرغم من أنهما قد يستمران في العيش معا أو في المشاركة في تربية الأبناء. يمكن أن يكون الطلاق العاطفي مقدمة للانفصال القانوني أو الطلاق، ولكن ليس دائما، وهو يعكس حالة أصبحت فيها العلاقة متباعدة وخالية من الدعم والتواصل الإنساني الذي يميز الزواج عادة.
قد يتساءل البعض عن الأسباب الحقيقية وراء هذا النوع من الزيجات الفاشلة أو المتعثرة. إذ تتعدد الدوافع والتراكمات النفسية والعاطفية التي تقود في نهاية المطاف إلى هذا النوع من الانفصال، وعلى رأسها تدهور العلاقة الحميمية. إذ يمكن أن يساهم الافتقار إلى الحميمية الجنسية في التباعد العاطفي في العلاقة وربما يؤدي إلى الطلاق العاطفي. تلعب العلاقة الحميمة، بما في ذلك العلاقة الحميمية الجنسية، دورا مهما في تعزيز التواصل العاطفي والترابط بين الشريكين. عندما يغيب هذا الجانب من العلاقة أو يتضاءل يمكن أن يخلق شعورا بالوحدة وعدم الرضا والشعور بالانفصال، مما قد يؤدي في النهاية إلى الانفصال العاطفي وانهيار العلاقة. وغالبا ما ينطوي الطلاق العاطفي على شعور الشريكين بالانفصال العاطفي وعدم اهتمام كل منهما برفاهية وسعادة الآخر.
يجوز لنا القول إن الجنس يظل محركا رئيسيا لتحديد نجاح واستمرار العلاقة الزوجية، غير أنه ليس العامل الوحيد الذي يساهم في تفادي الطلاق العاطفي. إن المنظومة البنيوية للمجتمع المغربي لازالت ترزح تحت وطأة الأنماط التقليدانية كلما تعلق الأمر بتراتبية الأدوار داخل الأسرة الواحدة. يتساهل العقل الجمعي مع غياب الأب بل يبرره ويثمنه أحيانا تحت ذريعة العمل وحق الزوج في الاستمتاع بمساحته الخاصة بسلام بعد يوم طويل من الكد والجهد، وكأن الزوجة، في المقابل، تقضي أوقاتها متنقلة بين مراكز التدليك والاسترخاء.. غياب الصورة الأبوية داخل مؤسسة الزواج يقودنا مباشرة إلى إلقاء الأعباء المنزلية برمتها على الزوجة التي غالبا ما تكون بدورها موظفة تقضي أكثر من ثماني ساعات خارج البيت. غير أنها، وبحسب القوالب المجتمعية، تظل مطالبة بالقيام بمهامها داخل بيت الزوجية، كتربية الأطفال والاعتناء بهم ومتابعة سير الدراسة وما إلى ذلك من المسؤوليات الجسيمة التي تجد الزوجة نفسها وحيدة في تحملها. يؤدي هذا الإهمال العاطفي إلى تنامي الشعور بالحنق والغضب ومشاعر الكراهية تجاه الزوج المتهاون، مما ينتج عنه في نهاية المطاف وقوع الطلاق العاطفي التام مع الاحتفاظ بالصورة الاجتماعية المزيفة حفاظا على نفسية الأبناء وإرضاء لمعايير مجتمعية معينة.
فهل يلجأ الزوج المغربي مستقبلا إلى الاكتفاء بالانفصال العاطفي تفاديا لدفع النفقة والمتعة واقتسام الممتلكات؟