الطفولة الضائعة
بمناسبة تخليد اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال، كشفت المندوبية السامية للتخطيط أرقاما صادمة حول استمرار استفحال ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب، رغم الإجراءات القانونية المتخذة لحماية هذه الفئة، إذ بلغ عدد الأطفال بسوق الشغل، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 وأقل من 17 سنة، ما يناهز 127 ألف طفل.
وأغلب الذين يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال، من هذه الفئة العمرية، طفلات يشتغلن داخل البيوت دون حماية، رغم أن المكان الطبيعي لهؤلاء الأطفال هو المدرسة وليس خارجها، وحماية الأطفال في العمل تشكل جزءا هاما من الحقوق الإنسانية التي تكفلها المواثيق والمعايير الدولية ذات الصلة، وتحميها أحكام الدستور والقوانين الوطنية، باعتبار أن عمل الأطفال في سن مبكرة وأحيانا في أسوأ الأشكال، يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان الأساسية.
ومن بين الأسباب التي تساهم في تزايد عدد الأطفال في سوق الشغل ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، حيث تشكل النسبة 10 في المائة من الأطفال الذين يبلغون السن المخولة لهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي. وسجلت التقارير الدولية أن 13 في المائة من الأطفال المغاربة لم ينتقلوا إلى مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي، لأسباب مختلفة، ونسبة التحاق التلاميذ بالثانوي لم تتجاوز نسبة 34.5 في المائة. وسجلت أرقام صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أن نسبة تعميم تمدرس أطفال الفئة العمرية بين 4 و5 سنوات بلغت 78,7 في المائة برسم الموسم الدراسي 2023/2024، ما يعني أن 21.3 في المائة من الأطفال في هذه الفئة العمرية يوجدون خارج المدرسة.
هذه الأرقام الصادمة تكشف أن آخر ما يفكر فيه المسؤولون هم الأطفال، الذين أصبحوا عرضة للتشرد والضياع بشوارع المدن، بسبب ارتفاع الفقر وتفاقم ظاهرة الهدر المدرسي، ما نتج عنه آفات خطيرة تهدد مستقبل الأجيال القادمة، ومنها على الخصوص تزايد حالات اغتصاب الأطفال، بحيث يتعرض يوميا 30 طفلا للاغتصاب، فضلا عن انتشار استهلاك المخدرات في صفوفهم.
وبذلك يكون آلاف الأطفال عرضة للضياع والتشرد، بحيث استقبلت خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة، خلال سنة 2023، ما مجموعه 35 ألفا و355 طفلا، من بين هؤلاء الأطفال 26770 طفلا ضحية و1294 طفلا في وضعية صعبة، إلى جانب 7394 طفلا في خلاف مع القانون، تم الاستماع إليهم ومرافقتهم وتوجيههم نحو الخدمات القانونية أو الاجتماعية أو النفسية أو الصحية وغيرها.
هذه الأرقام تفرض اتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية والتنظيمية الصارمة، من أجل تعزيز آليات حماية الطفولة، خاصة أن المغرب يعد من الدول الموقعة على العديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحد الأدنى لسن التشغيل، والتي تمنع كل أشكال عمل الأطفال، كما يجب وضع إجراءات زجرية للقضاء على جميع أشكال تسول الأطفال، مع تشديد العقوبات في حق مستغلي الأطفال والمتاجرين بهم قد تصل إلى الجرائم الجنائية.