الطبيعة وطبيعة الإنسان
يشبه الإنسان الطبيعة من وجوه شتى؛ فهو يوم مغيم، وثان ماطر، وثالث يرعد ويبرق، ورابع مشرق بهيج. الإنسان يوما مكتئب وثان يبكي وثالث يغضب وفي يومه الرابع في غاية السرور والانشراح. وليس كل مرة يعرف السبب؛ فقد ينام فيستيقظ على كآبة.
وحسب أرسطو فالحياة تراجيديا لمن يشعرون وكوميديا لمن يفكرون. والمنظر الواحد قد يضحك ويبكي. في القرآن وأنه أضحك وأبكى وأنه أمات وأحيا. وهناك من يعالج الكآبة بالاستيقاظ الصباحي. وهناك من يصف البعض أنه مزاجي ولكن كلنا مزاجيون. والفرق هو في الدرجة والضبط لا أكثر؛ فيصعد أحيانا أو يهبط أو ينحرف وينفعل، وأكثر من مرة في اليوم الواحد؛ فهذه هي طبيعة الإنسان. وعلينا احترام هذه الطبيعة والتعامل معها ليس بإلغائها بل بضبطها وتربيتها وتصعيدها مثل أي طاقة في الكون.
القرآن أمر بكظم الغيظ وليس استئصاله فليس ذلك بالإمكان فقال: والكاظمين الغيظ. ويروى عن المأمون أن جارية دلقت الشراب عليه حين تقديمه فغضب وشتمها فقالت له: والكاظمين الغيظ. قال قد كظمنا. قالت: والعافين عن الناس. قال قد عفونا. قالت والله يحب المحسنين. قال أنت حرة لوجه الله. ولكن رواية مثل هذه لا تكفي لتبرئة ساحة المأمون فرأس أخيه الأمين احتز وأحضر إليه في صراع بغداد. واليوم نحن نعرف أن الذكاء ليس عقلا صرفا بل عقلا وعاطفة. وهناك علاقة بين (العاطفة) و(العقل المنطقي). ومكان العواطف هو الفص اللوزي (الأميجدالا) في فص الدماغ الصدغي. ومركز التفكير والتحليل المنطقي والنطق نصف الدماغ الأيسر. والعواطف هي الطاقة المرافقة لتنفيذ وتمرير الأفكار كما يقول برتراند راسل في كتابه (القوة).
والإنسان مكون من ثلاث طبقات؛ طبقا عن طبق: الغرائز البدائية ونشترك فيها مع أحط الكائنات مثل الجنس والعطاس واللعاب ودقات القلب والتنفس وإفراز الهورمونات وحرارة البدن. وفوقها في الدماغ المتوسط يأتي مركز العواطف ونشترك فيها مع الحيوانات فنحن نخاف مثل القطط ونهرب مثل الجرذان ونحب مثل الطيور لأنها طاقات للبقاء.
وهناك من يستخف بالعواطف ولكن تقييم الذكاء اليوم يتم من زاويتي العقل المنطقي والعواطف، ولم يعد مقياس (IQ) هو الحكم في تقييم شخصية الإنسان. والبكاء هو قمة العواطف وتطهير للروح وليس ضعفا وانحرافا.
وصدر كتاب كامل (لدانييل كولمان) عن (الذكاء العاطفي) جدير بالاطلاع. وأفضل المزاج في الصباح بعد نوم جيد وأقلها ست ساعات. ومع تقدم العمر تقل الحاجة لساعات النوم عكس الرضيع. وقد تكون الحياة بعد الموت يقظة بدون نوم.
وأفضل المزاج البكور، ولا يتألق العقل مثل الصباح والصباح رباح. والفيلسوف كانط كان يبدأ عمله مع الخامسة صباحا مثل صلاة الصبح عند المسلمين. ومن أراد السعادة مشى مع نظام الطبيعة. وهو القانون الأعظم في البوذية. والحياة جسر وعلينا المشي فوقه وليس الوقوف عنده أو عليه. والتدفق مع الطبيعة والانسجام معها راحة. ومن قاومها تعذب وتألم حتى تقومه أحداثها.
ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون. والطيور والطبيعة تستيقظ قبل شروق الشمس وتنام مع الغروب، وعلى المرء أن يقلد الطبيعة فيقوم مع القائمين، ومن قام بعد شروق الشمس فاته خير كبير.
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
جاء في الحديث أن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد: عليك ليل طويل فارقد. فإذا قام فذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة؛ فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. فربط الحديث بين الطيبة والنشاط والخبث والكسل. سنة الله في خلقه. ومن الحكمة للمرء أنه إذا أراد حل مشكلة أو التقدم بطلب لرئيسه أن يكون في الصباح حيث المزاج (رايق) معتدل قبل ازدحام الطلبات.
والدماغ مع النوم يفرغ فائض المعلومات وينتعش. وليس دواء مثل النوم وحسن الهضيبي في مذكراته قال أنه عذب بالحرمان من النوم؛ فكانت تأتيه سنة من النوم بين خروج ودخول جلاد فلم ينالوا منه.
وأنا شخصيا يضعف إنتاجي ويضطرب إن اضطرب نومي. وحفظت معظم القرآن في ساعات الصباح الجميلة. وأفضل الوقت ساعة ما قبل الغروب ومع الشروق.
وعندما ألاحظ صعود الشمس بكل بهاء عبر الأفق أعرف لماذا عبد الفراعنة الشمس. وأنصح من حولي بالنوم فهو علاج رائع. على أن لا يزيد وإلا انقلب لعكس المفعول؛ فمن كثر طعامه كثر شرابه ونومه وكسله فكانت النار أولى به. والناس أصناف فمن تأخر غضبه غضب بشدة فتأخر رجوعه إلى حد السواء فاحذر غضب الحكيم فهو يشبه ماء المحيط.
ومن قفز بسرعة بين موجات الضحك والبكاء كان غير ناضج أو طفل أو مجنون. والطبيعة الإنسانية والمزاج مربوط بعناصر شتى منها (البيولوجي) و(المناخ) و(الجو الاجتماعي) و(الظروف المادية) و(السن)؛ فمع الشيخوخة تتجرد الأعصاب من النخاعين فتهتز اليد وترتفع الكآبة ويحتد المزاج ويضعف التحمل. وهي مظاهر التنكس.
في القرآن: ومن نعمره ننكسه في الخلق.ومن دخل بوابة الزهايمر كان مصيره مثل ريغان فلم يعد يتذكر الكونترا وتسليح إيران. ما لم يبق مشغولا بقضية كبيرة فلا يتغير إلا قليلا، وهو أمر غير مضمون. ولذا كان أهل الجنة من عمر الثلاث وثلاثين فهي أجمل سنوات العمر، ولا يعرفها إلا من تجاوزها بوقت مديد.
ويرى (براين تريسي) في كتابه (أسس علم نفس النجاح) أن النجاح ذو (قاعدة سداسية) منها العلاقات الاجتماعية والكفاية المالية. و(المورد المالي) يتراوح حسب القناعة طردا. فمن رضي بألف عاش بسعادة، ومن سخط لم يكفه مائة ألف مع ملاحظة القدرة الشرائية. وفي بلدان الخليج تعيش عائلة بثلاثة آلاف ريال بشكل ممتاز لرخص الحياة. ولكن العائلة في مكان ثان لا يكفيها مليار. ويتراوح المزاج أيضاً مع (بيولوجيا) الإنسان، والمرأة يوم الدورة ليست في مزاجها مثلها حين اشتداد تدفق (هرمون) الأستروجين، أو طوفان هرمون البروجسترون في الحمل، والأول للمتعة والثاني للأمومة. وفي ألمانيا يشتمون (الطبيعة) وهي براء لأنها شحيحة بالشمس. فإذا جاء الصيف احتاروا في نزع الملابس والتشمس وصبغ جلودهم بالسواد.
وفي أجواء (الديكتاتورية) وتسلط المخابرات تتعكر الروح ويتشوه الإنسان وتقتل الحياة قتلا؛ فيخرج النموذج المنافق، الذي يصفق في المظاهرات مثل القرود وهو يهتف بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم. وفي محطة فضائية تبرع متحمس فقال يجب أن تضعوا اسم فلان على القائمة السوداء، ووجه خطابه لرئيس عربي يستحثه على إصدار فرمانات محاكم التفتيش.
وحين ينكس العقل لا فائدة من شيء. وذهب المثل فالج لا تعالج. وأعظم الشلل شلل العقل. ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا تعقلون؟
والمشاعر تتأثر ببعض وتنتقل الروح من دائرة إلى أخرى. ويقول عالم النفس السلوكي (سكينر) أن الإحباط «يقود إلى العدوانية».
وفي الجزائر قام جندي بقتل أفراد عائلة الفتاة التي رفضوا تزويجه إياها. والمشاكل لا تحل بهذه الطريقة ولكن يجب الحذر مع العواصف النفسية فهي مدمرة أكثر من عواصف الطبيعة.
والخوف شعور عادي ولكنه قد يتطور إلى مرض فيخاف من العناكب ورجال الأمن ويتصور الأشباح بدون وجودها. والثقافة توحي إلى الناس أن المقابر موحشة وهي أكثر مكان مدعاة للاطمئنان.
وحسب عالم الاجتماع الوردي فإنه يرى أن هناك خلطة ثمانية للطبيعة البشرية. وهو يرى أن العقل في الإنسان عضو خلقه الله كي يساعده في تنازع البقاء، مثل خرطوم الفيل، ودرع السلحفاة، ومخالب الأسد، وسيقان النعامة وناب الأفعى.
والعقل ليس مقصوده اكتشاف الحقيقة، أو التمييز بين الخير والشر، بل المقصود منه اكتشاف كل ما ينفع الإنسان في الحياة ويبعد عنه الضرر. وفهما من هذا النوع يعد انقلابيا فيجب عدم التعويل على تشدق الكثير عن بحثهم عن الحقيقة والمنطق والعدل بل هي كلمة هو قائلها. وهذا هو السبب أن البشر حينما يتنازعون يجندون كل النصوص العقلية والنقلية لإثبات وجهات نظرهم.
وأعجب ما قرأت عند عبد الحليم أبو شقة اعتماده نفس الأحاديث التي لا تحرم كشف الوجه تلك التي اعتمدها آخر في التحريم.
ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد.