شوف تشوف

الرأي

الشيوعيون الجدد

حزب التقدم والاشتراكية من الأحزاب الشيوعية القليلة في العالم التي تشارك في الحكم مهما كانت نتائج الانتخابات، ويكفي أن نلقي نظرة على مواقف الحزب الشيوعي الفرنسي مثلا، والذي يعد أبا روحيا له، من الحكومات الفرنسية المتعاقبة، بما في ذلك الحكومة اليسارية الحالية، لنكتشف حقيقة هذا «الاستثناء». و«البي بي إس»، بهذا الوضع، أثبت بشكل ملموس أيضا نهاية التحليل الماركسي عن التناقضات الرئيسية والثانوية. فكما لم يجد أعضاؤه أي تنافر أو تناقض في الانضمام لتيار «الأخ» موخاريق على حساب «الرفيق» عبد الحميد أمين في حروب «داحس والغبراء» التي شهدتها نقابة الاتحاد المغربي للشغل، فإنهم قاموا أيضا، عبر وزارة التشغيل التي «تخصصوا» في حقيبتها، بإسداء خدمات «جليلة» لهذه النقابة، رغم ملفات الفساد الكبرى التي تتورط فيها، وأشهرها ملفات الفساد في القطاع التعاضدي، وهو كما نعلم قطاع عمالي بامتياز. لذلك لا يجدون مشكلة في أن يكونوا مع الطبقة العاملة في فاتح ماي ويصبحوا ضدها في باقي أيام السنة. فعندما طالب برلمانيو مجلس المستشارين من «الرفيق» الصديقي الكشف عن نتائج افتحاصات أنجزتها مفتشية وزارة الشغل عن فساد تعاضدية التعليم مثلا، وهي التعاضدية التي يعتبرها موخاريق حديقة خلفية لمنزله منذ عقود، كان رده ببساطة بأن التقرير يدخل في «أسرار الوزارة»، ولم يمنع حكم قضائي يعتبر أموال التعاضديات أمولا عامة من أن يفعل واجبه كوزير أول وكـ«مناضل عمالي» ثانيا، في فضح الفساد هناك، إذ بعد أسابيع فقط عن هذا الجواب، كان الوزير وباقي «الرفاق» في الصفوف الأمامية إبان احتفالات عيد العمال يستمعون بخشوع لـ«معلقات» موخاريق عن عداء الحكومة للعمال.
حزب التقدم والاشتراكية هو الحزب الوحيد الذي لم يجد أية مشكلة في أن يشارك في حكومة يترأسها يساري كاليوسفي، وتقنوقراط كجطو ومحافظ كالفاسي وإسلامي كبنكيران، ولن تمنعه كل ما «تقترفه» أدبياته على الورق من المشاركة في حكومة يترأسها «الشيطان»، سيما وأن قائمة الانتظار في الديوان السياسي ماتزال طويلة، لرفاق يعتبرون الاستوزار محطة للحصول على تقاعد «مشرف». وحتى عندما تم تعيين رجل أعمال يحتقر السياسة ومرادفاتها هو إدريس جطو وزيرا أول، فإن الحزب تولى مهمة الناطق الرسمي باسم حكومته، بالرغم من أن كثيرين اعتبروها تجسيدا لما يسمى الآن «تحكما». وعندما هبت رياح التغيير في 2011، عرف الحزب كيف يطور أدوات تحليله ليبقى موجودا، سيما في ظل وجود خمسة أحزاب أخرى تنتمي للنسق الإيديولوجي ذاته. فالرفاق فهموا بـ«ذكاء» أنهم أقلية ولا قاعدة حقيقية لهم في صفوف الشعب، اللهم إلا بضع مئات من المناضلين القدامى الذين لا يقدرون لأسباب نفسية على إسقاط جدار برلين في أذهانهم، والذين غالبا ما يحررون بياناتهم المحلية في الحانات، وبالتالي فخروجهم للمعارضة سيعني الاختفاء الكلي للحزب عن الخارطة السياسية، واستوزار بعض المحظوظين من أعضائه، يضمن بقاءه في دائرة الضوء.
مساندة «الباجدة» للحزب، بعد بلاغ القصر الملكي، أمر منتظر، ليس فقط من طرف عموم «الكوادر» المستعدين لمدح «النضال الشريف» للشيطان من أجل بقائهم في الحكومة بعد الانتخابات، بل من طرف قادتهم أيضا، لأنهم يعرفون الدور المخزي الذي قام به الحزب في الانتخابات المهنية السابقة، وكذا السمسرة التي قام بها الحزب ذاته لتمرير ما يعتبره بنكيران إصلاحا لصندوق التقاعد، ذلك أنه، خلف واجهة الحروب الإعلامية بين موخاريق والحكومة، هناك دوما قنوات تواصل يؤمنها أعضاء حزب التقدم والاشتراكية، والمسرحية التي قامت بها هذه النقابة، إبان التصويت على مشروع إصلاح صندوق التقاعد، دليل على فعالية هذا الحزب في تأمين صمت النقابات، والمفارقة هنا، هي أنه في الوقت الذي لا يخفي بنكيران ميولاته الليبرالية، سواء في تدخلاته أو في قراراته، نجد رفاق «البي بي إس» لا يجدون مشكلة أخلاقية في التعايش بهذه السكيزوفرينيا المقيتة: أن تكون مع الطبقة العاملة من حيث المبدأ، وفي الوقت نفسه مع من ينهبون أموال هذه الطبقة في التعاضديات، وتساند بشكل أعمى مختلف الحكومات في توجهها الليبرالي. إنه الحزب الشيوعي المغربي، حزب لا يتعب أعضاؤه أنفسهم بطرح أسئلة الهوية الإيديولوجية كما يطرحها رفاقهم عبر العالم منذ سقوط جدار برلين، لأنهم يعرفون أنهم لم يعودوا حزبا بل مجرد مقاولة للاستوزار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى