السيادة.. الندية.. المعاملة بالمثل
اضطرت وزارة الخارجية المغربية إلى إصدار بلاغين متتاليين في إطار المواجهة الدبلوماسية التي تخوضها الرباط في وجه الاستفزازات والتحرشات الإسبانية غير المسبوقة، ويمكن اختزال رسائل تلك البلاغات وما سبقها وما سيليها خلال القادم من الأيام، في ثلاثة مقومات تختزل كل شيء السيادة.. الندية.. المعاملة بالمثل، هذه الخلطة الثلاثية لم تستوعبها بعد سلطات الجارة الشمالية، التي تريد علاقات دبلوماسية من طرف واحد تنتهك سيادة المغرب وتعامله معاملة دونية، دون أن تقوم بلدنا بالرد بأي شكل من الإشكال على إسهال التطاول الذي أصاب الآلة الدبلوماسية الإسبانية.
ما يحاول المغرب إيصاله إلى سلطات مدريد عبر بلاغات وزير الخارجية ناصر بوريطة أو كريمة بنيعيش سفيرة جلالة الملك بمدريد، أن العمود الفقري للعلاقات الخارجية لبلدنا تقوم على أساس المصالح العليا للدولة، التي لا يمكن التفريط فيها خصوصا إذا كانت متعلقة بقضية وحدتنا الترابية كقضية مقدسة لدى كل المغاربة.
ما لا يستوعبه عقل المسؤولين في إسبانيا أن المغرب لا يطلب معروفا من أي دولة مهما علا شأنها، ولا ينتظر الحصول على عطايا للبقاء على قيد الحياة، ودولتنا لا تحيا بفتات أموال الهجرة التي لا تغطي حتى خمس مصاريف المغرب على المهاجرين، بل يطلب علاقات نديّة عمودها الفقري الثقة أولا وأخيرا، وتبادل المصالح وتقاسم الخسائر والمعاملة بالمثل، وإلا فلن تنتظر مدريد من الرباط سوى لغة الصرامة التي لا تقبل حلولا وسطى إذا تعلق الأمر بسيادة البلد.
ويبدو أن الجانب الإسباني في حاجة واضحة ومستعجلة إلى إعادة مراجعة خياراته الدبلوماسية وسياساته الخارجية اتجاه المغرب إذا أراد عودة بعض المياه إلى مجاريها الدبلوماسية، وجعلها أكثر واقعية ومصداقية بعيدا عن سياسة اللعب على كل الحبال ومنطق الوصاية والاستعلاء.
فالنهج الدبلوماسي بعد فضيحة استقبال بن بطوش أصبح قائما على الندية والمعاملة بالمثل مهما كلف الأمر، فبقدر حرص دبلوماسيتنا على عدم خرق التزاماتها تجاه إسبانيا شعبا ودولة، فهي ترفض في الوقت نفسه أن تخرق إسبانيا التزاماتها تجاه المغرب خصوصا ما يتعلق بوحدته الترابية المقدسة.
وعليه فإن العودة للعلاقات المغربية الإسبانية على مستوى المؤسسات، ما دامت العلاقات بين الشعوب ضاربة في الجذور، المبنية على ترجيح مصالح مدريد على حساب مصالح الرباط أصبحت من الماضي، والأكيد أن التعامل الندي مع السلطات الإسبانية الذي طبع هاته الأزمة سيستمر، وسيكون سياسة استراتيجية لا سياسة عابرة.