شوف تشوف

الرأيالرئيسية

السلام في حياة الأُمم

سمعتُ برنامجا في إحدى القنوات حول آثار حرب أوكرانيا في حياة الأُمم والدول. قال مقدم البرنامج إن الدرس الأول من الحرب، والذي يسلم به الجميع الآن، أنه لا حياة للأمم من دون الدولة الوطنية القوية.

أما الدرس الثاني فهو أنه لا حياة ذات مستقبل من دون السلام. أما الدرس الثالث فمفاده أنه لا ينبغي أن تضع بيضك في سلة واحدة. وبالطبع هذه الدروس كلها واضحة المغزى. فالمقصود من الدرس الأول أنه لو لم تكن في أوكرانيا دولة وطنية قوية لانهارت البلاد، منذ الشهر الأول. والحرب في هذا المعرض لا تتناول الحكومة المستقرة فقط، ولا تتناول القوة العسكرية والتسلح فقط، بل وسائر المسائل الحياتية التي تشمل مختلف المرافق في حياة المواطنين، وهم يناهزون في أوكرانيا الخمسين مليونا.

وسأقدم الدرس الثالث قبل الثاني، وقد عنى به مقدم البرنامج أنه ما كان للأوروبيين أن يعتمدوا وحسب على البترول الروسي والغاز الروسي الذي حرموا أنفسهم منه، عقابا لروسيا على حربها! وروسيا لم تتعطل، بل انصرفت للتصدير نحو الصين والهند، فيما اضطر الأوروبيون إلى الالاعتماد على الولايات المتحدة، سواء لجهة إمدادات الطاقة أو لجهة الاحتماء بها من الحرب وآثارها.

ما علة ذلك كله؟ علته أن الأُمم لا تحيا ولا تتطور إلا بالاستقرار السياسي والمجتمعي الذي يصنعه السلام. فالخيارات في الحروب محدودة، وكلها خيارات، بل إجبارات الضرورة. عليك أيها السياسي ألا تتجاهل احتمالات الحرب، لكنك لا تستطيع أن تعتبر الحروب وأخطارها أساسا للتخطيط للحاضر والمستقبل. وقد اعتبر الأوروبيون الحرب العالمية الثانية، التي انطلقت من عندهم وشملت العالم، اعتبروها نهاية الحروب، وانصرفوا بالاستقرار والسلام لتطوير أنفسهم وبلدانهم باعتبار ذلك أمرا مؤبدا. وهكذا، ولأنهم فوجئوا بما حصل، فقد سارعوا للبحث عن بدائل مؤقتة ستكون لها عواقب خطيرة في المستقبل القريب.

وإذا كانوا قد بدَوا حتى الآن على شيء من الصلابة، فليس الأمر كذلك لدى الأفارقة مثلا والذين يبحثون عن الطاقة والغذاء وهي مسائل حياة أو موت، وليست لديهم إمكانيات ولا طاقات لضمان البدائل. وبالطبع فإن الافتقار إلى الضروريات ينشر الفوضى والاضطراب.

فلننظر في الفروق الآن بين سوريا وتركيا في حالة الزلازل. كانت الزلازل أقسى على تركيا بكثير، ما بين خمسين ألف قتيل فيها وستة آلاف قتيل بسوريا. وتَهَدُّمِ أربعين ألف بناء في تركيا وتصدع مائة ألف، وثمانية آلاف مبنى في سوريا ولا إحصاء للمتصدع. الدولة التركية تقول إنها ستعيد بناء ما تهدم خلال عام، فيما في شمال غرب سوريا لا سلطة ولا مَن يميز بين الميت والحي!

أما الفرق الآخر فهو أنه بتركيا دولة قوية وسلام داخلي، فيما بشمال سوريا حروب منذ العام 2012. سوريا بحاجة وجودية إلى السلام، والسلام في حالتها لا تصنعه غير الدولة التي تستطيع التفكير بالغذاء والدواء والطاقة والعمران ووسائل الحياة الإنسانية الأُخرى.

اجتمع أعضاء مجموعة العشرين وتحدثوا كثيرا عن السلام، لكنهم لم يستطيعوا إصدار بيان يدعو إلى إنهاء الحرب، لمعارضة روسيا والصين. وكان أستاذنا الراحل، هانز كينغ، يقول: لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالاتفاق على أخلاق عالمية مشتركة. لقد تجاوز الأمر الأديان ونزاعاتها، وصارت الحروب وباء عالميا تتجاوز أضراره الأوبئة والاختلال المناخي.. والزلازل.

رضوان السيد 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى