شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرحوار

السفير السعودي: السعودية ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في مجال صناعة السيارات

معالي السفير، نود أن نتطرق معكم إلى مستجد العلاقات الثنائية بين المملكتين المغربية والعربية السعودية.

+أولا أشكركم، وأشكر صحيفة «الأخبار» على هذا اللقاء.
بلا شك، العلاقات المغربية السعودية راسخة ومتجذرة وقديمة، سواء على مستوى القيادة في البلدين أو على مستوى الشعبين، تبقى العلاقة متينة ولها جذور وطيدة. تميزت دائما بالوشائج الأخوية المتينة، واتسمت بالود والتكامل والتضامن أيضا.
هناك تكامل في كل مناحي العلاقات الثنائية بكل مساراتها، وهناك تفاهم على كل المواضيع. العلاقات المغربية السعودية نموذج مميز لمراعاة مصالح البلدين وقضايا الأمة العربية والإسلامية، والتجاوب الراسخ أيضا مع قضايا الحق والسلم في أنحاء العالم.
نستطيع تقسيم مجالات العلاقات الثنائية بين المملكتين الشقيقتين، إلى ثلاثة مستويات.
ففي الجانب السياسي تبقى العلاقة استثنائية ونموذجية في سياق العلاقات بين الدول الشقيقة والصديقة، وهي علاقة وطيدة وممتدة، ولها أيضا آلياتها الخاصة. لدينا لجنة التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية للبلدين، وهناك لقاءات دائمة بين الوزيرين. هناك تأييد تام لكل المواقف، سواء ما يتعلق بالمملكة السعودية أو المملكة المغربية في كل المحافل الإقليمية والدولية، وتنسيق كامل على هذا المستوى. أيضا هناك تنسيق على مستوى الترشيحات في المنظمات الإقليمية والدولية، وتوافق في هذا الجانب.
على مستوى التعاون الثنائي، هناك علاقات استراتيجية على كل الأصعدة. أبرمنا حوالي 68 اتفاقية تهم مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتقنية وما يتعلق بالطاقة المتجددة والفضاء، والمجال الإعلامي وما إلى ذلك.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالعلاقات على أعلى مستوى. في ما يخص التبادل التجاري حققنا رقما غير مسبوق، إذ سجلنا في العام الماضي 4،4 ملايير دولار في التبادل التجاري، ونطمح إلى المزيد هذا العام والأعوام المقبلة بحول الله. عندنا حوالي 250 شركة سعودية تستثمر في المغرب، وعلى رأسها شركة «أكوا باور». وكذلك هناك شركات مغربية تستثمر في المملكة العربية السعودية، حوالي 20 أو 25 شركة مغربية.
هناك زيارات متبادلة عديدة تمت خلال الفترة الماضية، سواء زيارات مسؤولين سعوديين إلى المغرب، أو زيارة مسؤولين مغاربة إلى المملكة العربية السعودية، كان آخرها زيارة وزير الصناعة والثروة المعدنية إلى المغرب، قبل أقل من شهر، وكانت زيارة مثمرة وناجحة. المملكة العربية السعودية ترغب في الاستفادة من تجربة الشقيقة المغرب في مجال صناعة السيارات وقطع الغيار. معالي الوزير زار طنجة واطلع على الميناء المتوسطي ومصانع السيارات هناك. وفي الدار البيضاء التقى بالكثير من الشركات ورجال الأعمال والمسؤولين والوزراء المغاربة.
هذه الزيارات واللقاءات إشارة واضحة إلى رغبة المملكة العربية السعودية في بناء علاقة اقتصادية تكاملية مع الشقيقة المغرب، سيما في القطاعات التي يتميز فيها المغرب، سواء قطاع السيارات كما أسلفت، أو صناعة الفوسفاط وغيرها من المجالات. وكذلك مد جسور التعاون في العديد من القطاعات، مثل تحلية مياه البحر والتقنيات المتطورة المتعلقة بهذا الموضوع، خاصة أن المملكة العربية السعودية تملك تجربة قديمة في تحلية مياه البحر ومعالجتها، بداية من سبعينيات القرن الماضي. ولدينا أيضا تجربة في تجاوز أزمة المياه، من خلال إنشاء محطات تحلية المياه في الخليج العربي ومياه البحر الأحمر.

ونحن نُثير الآن موضوع العلاقات الثنائية، كيف تقرؤون البيان الأخير الذي صدر عن الرئاسة الفرنسية، الداعم للسيادة المغربية على كامل التراب الوطني الذي يشمل الصحراء المغربية. والذي يُعد الأول من نوعه، وتطورا في الموقف الفرنسي تجاه القضية الوطنية؟
+ المملكة العربية السعودية تدعم وأبدا المغرب في قضية الصحراء المغربية، وهذا أمر لا نقاش فيه.
إن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خلال الرسالة التي وجهها إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، والقاضي باعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو الإطار الذي يجب من خلاله حل قضية الصحراء المغربية، وتكمن أهمية هذا الموقف في أن فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن، كانت وستظل دولة مؤثرة في سياق الموقف الدولي الباحث عن حل سياسي مقبول لهذه القضية، ولا شك أن الموقف الفرنسي سيكون له بدوره تداعياته الإيجابية إقليميا ودوليا لصالح المملكة المغربية، التي تعمل من خلال تحركاتها الدبلوماسية الفاعلة لاكتساب المزيد من الدعم الدولي لشرعية موقفها المتمثل في إنهاء الجدل حول مغربية الصحراء، من خلال إنهاء النزاع عبر مبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية. وهو المقترح الذي يجد يوما تلو الآخر المزيد من التأييد والدعم الدوليين، باعتباره الحل الأمثل للنزاع عبر تسوية سياسية مقبولة ومتفاوض عليها. وفي هذا السياق فإن المملكة العربية السعودية وفي إطار علاقاتها الأخوية الوطيدة مع المملكة المغربية الشقيقة، أعربت في أكثر من مناسبة عن دعمها ومساندتها للجهود التي تبذلها المملكة المغربية الشقيقة، من أجل ايجاد حل سياسي واقعي لقضية الصحراء المغربية على أساس التوافق وبناء على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. كما تجدد المملكة دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، في إطار سيادة المغرب ووحدة ترابه الوطني، كحل يتطابق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وهي المبادرة التي حظيت بترحيب مجلس الأمن من خلال قراراته الصادرة منذ العام 2007.

لتسمحوا لي معاليك أن أثير هنا مسألة مهمة تتعلق بواحدة من أوجه العلاقات المغربية السعودية وأقدمها على الإطلاق، ويتعلق الأمر تحديدا بموضوع «الحج». تعلمون طبعا أن المغاربة سباقون إلى توثيق رحلات الحج المغربية منذ قرون طويلة، لكن بعض الباحثين المغاربة يعيبون على مسألة تسليط الضوء في الشرق على التجارب العربية على حساب المغاربة، رغم أن المغاربة سبّاقون في هذا الباب. ما رأيكم؟
+هذا لا شك فيه. الرحلات المغربية مؤطرة وموثقَة، وكتب عنها مؤرخون وكُتاب كُثر، سواء في المغرب الشقيق أو في المملكة العربية السعودية. لا أعتقد أن هناك إهمالا لإسهام المغرب في تاريخ الحج، بل ويجري الآن التحضير لندوة فكرية مهمة، في إطار الأنشطة الثقافية التي تجريها المملكة، وسوف تتطرق إلى هذا الأمر بالذات، وسوف تُعقد في المغرب في نونبر المقبل بحول الله.

بالمناسبة، ما تعليقكم على الأحداث الأليمة التي عرفها موسم الحج الأخير؟ هناك حُجاج مغاربة وثقوا شهادات اشتكوا فيها من الازدحام الشديد أثناء أداء المناسك، وحدثت وفيات في صفوف الحجاج.
+تعلم أن موسم الحج دائما يجتمع فيه أزيد من مليوني حاج، في مكان واحد، ويتحركون في زمن محدد. كما تعلمون أيضا أن مدة موسم الحج خمسة أو ستة أيام. وبلا شك، فالحج ليس رحلة سياحية، فهو رحلة دينية وروحية في المقام الأول. فهناك الكثير من الجهود المبذولة والأعمال والأشغال التي تعرفها المناطق المقدسة، لكن مع تزايد الأعداد وكثرتها تحدث مخالفات.
ما وقع هذه السنة، مخالفات وتجاوزات صادرة عن فئة محددة من جنسيات محددة، دخلت إلى المملكة بتأشيرات غير تأشيرات الحج، وبقت في المملكة حاملة تأشيرات «زيارة»، وحلت بها قبل موسم الحج بشهرين.

هل كان بينهم مواطنون مغاربة؟
+لا، لم يكن هناك مغاربة نهائيا. نتحدث هنا عن مواطنين من دول إسلامية شقيقة أخرى وصديقة، استغلوا تأشيرات العمرة التي يحملونها أو تأشيرات الزيارة، وبقوا في داخل المملكة إلى أن حل موسم الحج، وحاولوا الدخول إلى المناطق المقدسة. وعند محاولتهم تلك، كان هناك أصلا منع وإجراءات مشددة تمنع ولوج المشاعر لغير الحاج، وقع ما وقع.
فالحاج يحمل تصريح الحج، سواء من داخل المملكة أو خارجها. وهذا التصريح يخول الدخول عبر منافذ التفتيش. هذه الأعداد من المتسللين سببت ضغطا ونجحوا في الدخول من منافذ أخرى، وكما تعلمون فقد حدثت وفيات. 83 بالمائة من الوفيات المسجلة كان أصحابها لا يحملون تأشيرات الحج، وهم في المُجمل 1079 متوفى لم يكن مسموحا لهم أصلا دخول المشاعر المقدسة، وخالفوا التعليمات ودخلوا عبر الصحراء وعبر الجبال، وليس عبر المنافذ الرسمية. وكانت درجات الحرارة عالية جدا، وبينهم أيضا كبار السن. وهنا أريد أن أوضح أن مُجمل حالات الوفاة في الحج كانت 1301 حالة، هذه الأرقام طبعا، حسب تصريح وزارة الداخلية السعودية، وهي أرقام رسمية ومؤكدة. وحدث كل هذا رغم أن هناك عملا مسبقا من طرف الجهات الرسمية، وبالتعاون مع الدول الشقيقة. ففي المغرب مثلا أجريت حملات مسبقة لتنبيه الحجاج قبل سفرهم، كلها تحذر من تبعات الحج بدون تصريح. لا يمكن لأي شخص لا يحمل تصريحا أن يحج، مهما كان.
كما أحب أن أشير إلى مسألة تشديد العقوبات عندنا، فهناك غرامة تصل إلى 10.000 ريال سعودي (حوالي 26.000 درهم مغربي) لكل من يتم القبض عليه، محاولا دخول المشاعر المقدسة بدون تصريح. كل هذه الإجراءات والعقوبات للأسف لم تشكل رادعا لهؤلاء الناس، جرى استغلالهم والتغرير بهم وحدثت المخالفات.

هناك حالات لحجاج مغاربة سجلوا شكايات في عين المكان بهواتفهم، وتحدثوا عن إهمال وظروف كارثية، حتى أن بعضهم لم يجدوا ماء الشرب.
+نعم كما ذكرت، هذا التوثيق تم بهواتف نقالة. هل تلك المقاطع صحيحة أو غير صحيحة، هذا لم يتم التأكد منه. لكن الأمر المؤكد عندنا أنه فعلا صارت حالات وفيات، وأعلنت عنها وزارة الداخلية عبر المتحدث الرسمي.
وطبعا نحن نثمّن عاليا القرارات التي اتخذتها بعض الدول الشقيقة، في حق بعض الشركات السياحية المُخالِفة.

تقصدون تجميد عمل هذه الوكالات..
+ليس فقط تجميد أنشطتها، بل تقديم أصحابها إلى العدالة ومحاكمتهم وتقديمهم تعويضات للناس الذين غُرر بهم. لأن هؤلاء في نهاية المطاف مساكين جرى التغرير بهم لدخول الحج بدون تصريح، وبعضهم كبار في السن، على أساس أن يدخلوا ويؤدوا فريضة الحج.

هنا أعرج معكم إلى مسألة استخدام التقنية والتطبيقات التي سبق أن أعلنت عنها المملكة السعودية قبل موسم الحج الأخير، الذي عرف هذه التجاوزات وحالات الوفيات. إذ رغم الإعلان عن تطورات ثورية، سُجلت كل هذه المخالفات. ما تعليقكم؟
+كما أسلفت، ما وقع كان مرده إلى التسلل عبر المناطق النائية والصحراء والجبال للوصول إلى المشاعر المقدسة، وهو ما تسبب في ازدحام. أما من ناحية الإجراءات المعتمدة، فقد تم إصدار بطاقة الحج، وهذه البطاقة ليست بطاقة عبور فقط، وإنما أيضا لتسهيل الوصول إلى الحجاج والتعرف على أماكنهم بدقة وتقديم الرعاية لهم في الوقت المطلوب. فإذا كان الحاج لا يحمل هذه البطاقة، فهو تلقائيا لا يستطيع الدخول عبر المنافذ الرسمية، ولن يستفيد من كل هذه الخدمات المتعلقة بالإسعاف والرعاية والنقل. وهذه هي المشكلة. بالنسبة إلينا فإن هؤلاء الحجاج الذين لا يحملون بطاقة الحج وليس لديهم تصريح، فإنهم غير نظاميين.
وهذه السنة سُجل أيضا ارتفاع في درجات الحرارة، وهو ما زاد من تفاقم الوضع.

طيب ومسألة التأشيرة الإلكترونية التي قيل إنها سوف تسهل الإجراءات.
+التأشيرة الإلكترونية خاصة بالزيارة العادية والعُمرة فقط. وبعض الذين كانوا يحملون التأشيرة الإلكترونية بقوا في المملكة، ولم يغادروا، لأن بعض الشركات ووكالات الأسفار وعدتهم بأنهم سوف يؤدون مناسك الحج.

هل بينها وكالات أو شركات سياحية سعودية؟
+هذه الوكالات طبعا من الدول التي جاؤوا منها، هي شركات ليست سعودية، ولا نريد هنا أن نذكر الجنسيات وأسماء الدول، لكني هنا أذكر أنه لم تكن بينها وكالات أو شركات مغربية. وحسب ما أعلنت عنه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن حالات الوفاة المسجلة في صفوف الحجاج المغاربة كانت في المعدل الطبيعي الذي يحدث، ليس في المغرب فقط، بل حتى في صفوف أغلب الدول الإسلامية الأخرى. وهي في حدود 20 حالة وفاة، بحكم أن 15 بالمائة من الحجاج المغاربة يفوق عمرهم 80 سنة.

هناك بعض الشكايات التي جاءت على لسان المتضررين المغاربة، مفادها أنه جرى تهميشهم أثناء موسم الحج، وأيضا بخصوص منح التأشيرات الإلكترونية في العمرة، يتردد أن هناك دولا عربية وإسلامية تحظى بالأفضلية لدى المملكة العربية السعودية، على حساب جنسيات أخرى. ما صحة هذا الكلام؟
+أبدا، هذا غير صحيح. نظام التأشيرات عندنا إلكتروني، لا يميز بين أي جنسية وأخرى. هذا النظام يحتوي متطلبات واضحة. وبعد تقديم المطلوب تحصل على التأشيرة الإلكترونية مهما كانت الجنسية. وهذا النظام مفتوح على طول العام. نحن الآن انتهينا من موسم الحج في 20 ذي الحجة، ومباشرة بدأت العمرة. الآن هناك أزيد من 4000 معتمر مغربي يوجدون حاليا في المملكة العربية السعودية لأداء العمرة. وطبعا هناك شركات سياحية تنظم العُمرة والزيارات العائلية، وحتى الشخصية والسياحية إلى المملكة. وكلها اختيارات موجودة في المنصة الإلكترونية.
وهنا أحب أن أعرج على موضوع لم أشر إليه، وهو أن المملكة العربية السعودية، كل موسم، تجند كل أجهزتها على مختلف القطاعات الصحية والأمنية للعمل في موسم الحج.
بالنسبة إلينا فإن موسم الحج استثنائي، كل القطاعات والمصالح توجد في المشاعر المقدسة، لتسهيل ورعاية وخدمة حجاج بيت الله الحرام وتقديم الدعم لهم. أعطي هنا مثالا فقط بالقطاع الصحي، عندنا أكثر من 32.000 إطار طبي كانوا موجودين في منطقة المشاعر المقدسة خلال موسم الحج الأخير، وأزيد من 183 مُنشأة صحية في المشاعر المقدسة، منها 32 مستشفى، 151 مركزا صحيا، 6 عيادات متنقلة. الطاقة الاستيعابية لهذه المستشفيات والمراكز الصحية تصل إلى 6400 سرير.
خصصنا أيضا أسرّة خاصة بالحجاج الذين أصيبوا بضربات الشمس. استخدمت تطبيقات ذكية، من بينها تطبيق «صحتي»، وهذا التطبيق يُتيح التعرف على أقرب مكان لك للحصول على الخدمات الصحية، أو تستشير عبره أي طبيب وتحصل على الوصفة الطبية وتذهب مباشرة إلى الصيدلية للحصول عليها.
استُخدمت طائرات «الدرون» لنقل عينات الدم بين المستشفيات لربح الوقت. كانت هناك أيضا 900 سيارة إسعاف في مناطق الحج، لتقديم الخدمات الضرورية إلى الحجاج.
وهذا كله لكي يمر موسم الحج في ظروف سالمة. ولله الحمد هذا العام كانت التقارير ممتازة والموسم ناجحا. وفور انتهاء الحج تُعقد لجنة وزارية عليا خاصة بالحج، تجتمع وتُناقش وتقيم الموسم وتبدأ في دراسة الموسم المقبل، والإجراءات التي يمكن أن تُسن خلاله لتطوير منظومة الحج.
إن عملية إدارة الحشود شاقة للغاية. هناك دورات رياضية أقيمت أخيرا في مناطق من العالم، وعرفت مشاكل في تدبير حشود بعشرات الآلاف فقط. نحن هنا نتحدث عن حوالي مليونين ونصف المليون حاج، ومعهم منظومة كاملة أمنية وصحية مرافقة في مساحة لا تتعدى 7 كيلومترات مربعة، في مدة زمنية لا تتعدى خمسة أو ستة أيام.
المشاكل التي صدرت عن بعض الحجاج، مع تقديري طبعا للجميع، سببها أن الأمور عندهم لم تكن واضحة. عندما يأتي الحاج فإنه يكون بالضرورة متعاقدا مع شركة سياحية، أو جهة منظمة لرحلته، وهناك تعاقد بينهما. وهذا التعاقد يجب أن يكون واضحا بخصوص المدة أولا، ووسائل النقل، والحجز والإقامة. هذه أمور يكون الحاج قد دفع قيمتها كاملة. إذا حدث أي تقصير، المفترض أن الحاج يأتي ويرفع دعوى ضد الشركة في بلده.
لا بد أن نعترف بأن هناك شركات قصّرت في واجبها تجاه الحجاج الذين تعاقدت معهم، وكل من قصّر في واجبه يجب أن يُحاسب.

توصلنا في الجريدة بحالات لمُعتمرين مغاربة في عمرة رمضان بالضبط، فوجئوا بالوكالة تتخلى عنهم في المملكة وغيرت مواعد رحلات العودة وأجّلتها لأسبوعين، وألزمتهم بتحمل مصاريف إقامتهم إلى حين موعد التذكرة.. هل هناك إجراءات من طرفكم للتعامل مع مثل هذه الحالات؟
+اطلعنا على هذه الوقائع. وهنا أشدد على ضرورة مقاضاة هذه الوكالات، من طرف هؤلاء المعتمرين فور عودتهم إلى بلادهم، للقطع مع مثل هذه الممارسات. لماذا أنشأنا أصلا قاعدة البيانات والأنظمة الذكية؟ حتى تتم محاسبة كل مسؤول. ففي نهاية المطاف، الحاج أو المعتمر، جاء ليؤدي منسكا روحيا، وبالنسبة إليه هذه «رحلة العمر» ودفع مقابلها كل ما يملك. وبالتالي لا بد أن تُسهل له الخدمات التي طلبها بدون تلاعبات أو تفويت. وكل من قصّر يُحاسب بموجب القضاء وأنظمة الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف ووزارة السياحة. وقد رأينا كيف أن دولا شقيقة شطبت على وكالات وسحبت منها التراخيص، وصدرت في حق أصحابها فترات سجن طويلة. وهذا يُشكل رادعا لأي شخص تسول له نفسه التلاعب بخصوصية الحج والعمرة وروحانيتهما. في النهاية، الحج فيه مقدار من المشقة والنَّصَب، لكننا لا نقبل الإخلال بالعقود، أو مثلا ألا يتم تأمين المواصلات للحاج والمعتمر. هذه كارثة.

في أكتوبر من العام الماضي، أعلنتم عن إطلاق تطبيق ذكي اسمه «نُسك»، لتسهيل خدمات الحج والعمرة. هل لكم أن توضحوا لنا ماذا تغير عند اعتماد هذه المنصة وسياقها أيضا، خصوصا وأن الشكايات المُسجلة في موسم حج هذا العام، تطرح سؤالا عن مدى فعالية هذا الإجراء؟
+يندرج هذا الأمر في إطار رؤية 20/30، التي تبنتها المملكة العربية السعودية، في شقها الروحي. وهذه الرؤية تهدف إلى رفع معدلات المعتمرين سنويا. المسلمون من كافة أنحاء العالم، يرغبون في زيارة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الرؤية تحاول تسهيل هذه المنظومة وزيادة أعداد المعتمرين. وهذه الرؤية تسعى إلى تسجيل 30 مليون معتمر في السنة.

هل هذه الرؤية تشمل زيادة أعداد الحجاج سنويا، سيما أن هناك مطالب بزيادة أعداد المسجلين في مواسم الحج؟
+عندما يتعلق الأمر بالحج يصبح صعبا. هناك مشكلة سعة المكان، في إطار زمني مُحدد، بعكس العمرة التي تُبرمج طيلة السنة، باستثناء فترة الحج. ولكي تقدم موسم حج ناجح، لا بد أن تكون الأعداد في الحدود المعقولة. وبالتالي فإنه زيادة حصص الحجاج من المغرب أو غيره غير واردة حاليا.
وطبعا لكي أعود إلى مسألة تطبيق «نُسك»، ففي هذا الإطار أجرى وزير الحج السعودي جولة شملت أغلب دول العالم الإسلامي، للقاء المسؤولين وشرح الخطوات التي تقوم بها المملكة. وهذا التطبيق منصة إلكترونية شاملة، موجهة إلى الجميع، سواء السعوديين داخل المملكة العربية السعودية أو الجنسيات القادمة من الخارج. يمكن لأي شخص في العالم، حاجا أو معتمرا، أينما كان، الولوج إلى هذه المنصة، لتنظيم رحلته، سواء كانت عُمرة أو حجا.

وهذا الإجراء سوف يبدأ به العمل في موسم الحج القادم؟
+بدأ استعمال المنصة في داخل المملكة أولا، وعندما نجحت جرى تعميمها.

يعني موسم الحج المقبل سوف تُطبق؟
+نعم سوف تُطبق، وقد طُبقت خلال موسم هذا العام لكن بصورة محددة. وتوجد في المنصة باقات واختيارات تناسب الجميع، وتسهل كل الإجراءات من تحويل العملة إلى حجز السكن وشركات الطيران وأنواع المواصلات والتنقل داخليا وزيارة أهم الأماكن الدينية. بالنسبة إلى العمرة فقد أضيفت إليها في التطبيق تسهيلات وزيادة في مدة التأشيرة الخاصة بها، وأصبح ممكنا المكوث بها ثلاثين يوما، والقيام بجولة سياحية أيضا داخل المملكة، وليس العمرة فقط. وقد فُعلت هذه الخاصية منذ العام الماضي.
المعتمر يمكن أن يمكث ثلاثين يوما، لكن الحاج مرتبط بمدة زمنية ومواعد مضبوطة لا يمكن معها تمديد مدة الزيارات إلى المشاعر المقدسة ولا تأجيلها. بالنسبة إلى العمرة يمكن الحصول على التأشيرة الإلكترونية عبر هذا التطبيق وطبعها واصطحابها إلى المطار.
أما عندما يتعلق الأمر بالحج، فهناك نظام الحصص. المغرب مثلا لديه حصته، 34.000 حاج، وهذا خاضع لتنظيمات الوزارة ولا أحد يستطيع تعديله. كما ترون، فقد بدأت إجراءات الموسم المقبل مباشرة بعد نهاية الموسم الحالي. وفي شهر رمضان المقبل سوف تبدأ عملية إصدار تأشيرات للحجاج المغاربة بحول الله، أي قبل موسم الحج المقبل بشهرين، سوف يكون أمر التأشيرات للحجاج قد حُسم.
أما بالنسبة إلى التأشيرات الأخرى فهي متاحة، وإلكترونية، ويمكن الحصول عليها بمجرد التوفر على تذكرة الطيران، وفي دقائق فقط، لحضور الفعاليات الرياضية والثقافية والفنية.

في هذا الإطار دائما، بخصوص الحضور في المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية، وهذه الرؤية التي تحدثتم عنها، هناك حضور طاغ للجنسيات العربية في المحافل والتظاهرات، في مقابل حضور أقل للمغرب، وهنا أنقل لكم ما يردده فاعلون في الثقافة.
+بالعكس، المغرب يحظى بمرتبة الصدارة عندنا. في موسم الرياض، عندنا منطقة شاسعة مخصصة لأروقة الدول. وجناح شاسع مخصص للمملكة المغربية، يعرض فيه المغاربة المأكولات التقليدية المغربية والصناعة التقليدية، بل وتوجد به مطاعم مغربية وتظاهرات فنية تروج للثقافة المغربية. وهناك فنانون مغاربة شاركوا في موسم الرياض، ويشاركون سنويا. منطقة «البوليفار» في السعودية تسجل حضورا قويا للمغرب في هذا الباب. ونحن نطمح إلى المزيد في هذا الباب بحول الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى