الزهايمر هو الحل
سبق لبعض الدكاترة من دول عربية، يا حسرة، أن حاولوا نسب الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة إلى بلدانهم. ومنهم دكتور ليبي، كان أحد الفارين من نظام القذافي، حيث لجأ إلى النرويج في تسعينيات القرن الماضي. هذا الدكتور كان اسمه عبد الله غزال وسبق له متابعة دراسته العليا في بريطانيا بدعم من القذافي نفسه قبل أن يقرر تصفيته لأنه تواصل في لندن مع معارضين للنظام. وقدم مقالا علميا قبل عهد الأنترنت استطاع من خلاله النصب على نخبة من الأساتذة في مدينة «بيرغن» وقدم لهم ابن بطوطة على أساس أنه ينحدر من قبائل ليبيا، فيما الحقيقة أن ابن بطوطة عاش حياته في طنجة المغربية قبل سبعة قرون وسافر لمدة ثلاثين سنة وصل فيها إلى الصين والهند مرورا بالشرق وببلاد الفرس، إيران حاليا، وعاد أدراجه ليكتب مشاهداته في قصر الدولة المرينية التي حكمت المغرب.
أما الجزائريون، فقد سبق في ندوات علمية كثيرة أن نسبوا ابن بطوطة إلى بلدهم، لولا مداخلات المتخصصين لتصحيح المعلومة، وقد أثار الموضوع زوبعة كبيرة سنة 2010 عندما ادعى أكاديمي جزائري أن الرحالة ابن بطوطة انطلق في رحلته من تلمسان وليس من المغرب.
وما زاد من اهتمام المشارقة خصوصا بشخصية ابن بطوطة، عندما قررت أوساط علمية غربية تخليد ذكراه، لأن كتاب مشاهداته يُعتبر اليوم أحد أقدم الوثائق في التاريخ البشري التي تسجل أوضاع الدول وخريطة العالم قبل قرابة ألف عام، صدور خبر إطلاق اسم ابن بطوطة على فوهة بركانية على سطح القمر. وهو ما يمكن اعتباره تخليدا للثقافة الإسلامية والعربية واعترافا بالسبق أيام مجد الثقافة والفكر الإسلامي.
وليس ابن بطوطة وحده من استحق التكريم، بل أيضا الأطباء المغاربة خصوصا منهم الجيل الذين عاشوا في الأندلس، وعادوا إلى مراكش لتدوين منجزاتهم في الطب والجراحة. بالإضافة إلى ابن رشد الذي يعتبر اليوم أحد أشهر المفكرين في العالم وواضعي أسس الفلسفة قبل تسعة قرون من اليوم، حيث عاش بدوره فترة في الأندلس وانتقل إلى مراكش. وهناك اليوم كراس علمية ومدرجات جامعية تحمل أسماء هؤلاء المفكرين الكبار عبر التاريخ، وكلهم مغاربة عاشوا حياتهم في المغرب أو انتموا إلى الجيل الأول الذي وُلد في الأندلس بعد فتحها أيام طارق ابن زياد. ومنهم من بقي مدينا بحياته للحاكم المغربي يوسف ابن تاشفين الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه.
في الشرق يبكون على الأندلس، وهناك مؤلفات كثيرة وأطروحات جامعية يتطرق فيها المشارقة، خصوصا في جامعات القاهرة والعراق وسوريا، إلى أيام مجد المسلمين عندما وصلوا إلى الأندلس. لكن عندما يتعلق الأمر بالأمانة العلمية، لا يجدون غضاضة في محاولة طمس الحقائق ونسب بعض هذه الأسماء أعلاه إلى جنسيات لم تكن موجودة أصلا في ذلك التاريخ.
عندما نتحدث عن الأزمة السياسية والدبلوماسية بين المغرب والجزائر، والتحرش العسكري ومحاولات تلفيق الاعتداءات، فإنه لا يجب إغفال الحرب الفكرية والتاريخية التي يمارسها بعض المحسوبين على الأنظمة العربية، خصوصا منها التي سقطت بعد الربيع العربي، والتي حاولت نسب تاريخ المغرب إلى جهات أخرى.
فقد حكى المؤرخ الراحل عبد الهادي التازي، كيف أن أحد الأساتذة جاء إليه من السعودية إلى فاس خصيصا لكي يسمع منه حقيقة خروج الموريسكيين من الأندلس وأخبره أنه يريد الاطلاع على الوثائق التي بحوزته، لأن أستاذا جامعيا كان دائما يخبرهم في أحد الجامعات أن وجود المسلمين في الأندلس كان بفضل المشرق وليس بفضل قوة وتوسع الدولة المغربية قبل ألف سنة. وقد كان صادما فعلا كيف أن القذافي وحافظ الأسد والهواري بومدين كانوا يستثمرون في الكذب على التاريخ، لشراء رصيد من الإنجازات، لا يصدقها العقل. في النهاية لا يمكن أبدا ادعاء أن ابن بطوطة كان من جنسية أخرى، فالعالم كله بات يعرف أنه مغربي، وأن ضريحه اليوم موجود في أقصى شمال المغرب وليس في أي مكان آخر. وأن الصحراء التي يحاول مروجو الانفصال الترويج لها على أنها دولة تناضل من أجل الاستقلال، كانت دائما قبائل مغربية تلتزم بنص البيعة بل وتسهر على جمع الضرائب للدولة المغربية عند مرور القوافل إلى دول جنوب الصحراء مثل السنغال وغانا. الحل الوحيد لإقناع العالم بأراجيف هؤلاء الناس، أن يصاب العالم كله بالزه