شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

الريسوني كلّف مستشاره ليحكي لي سيرته وقصة انبهاره بالمروحة الميكانيكية

يونس جنوحي

كان الجو ساخنا داخل الخيمة. الشريف كان يتحرك في مكانه بعدم ارتياح، وسط نقاش كشف معرفة ودية وإلماما لدى الشريف بالسياسات الأوربية.

أهديته واحدة من تلك المراوح الميكانيكية الصغيرة التي تعمل عند ضغط الزر، وأعتقد أنه فضل هذه الهدية على كل الهدايا الثمينة التي أهديتها له. وعلّق قائلا:

-الله! إنها جيدة. هذه طريقة يستطيع بها الواحد امتلاك الريح دائما.

لكن إبهامه كان ضخما، وهو ما جعل عملية ضغط الزر صعبة عليه بعض الشيء لاستمرار عمل الآلة.

تحدثنا مُطولا أثناء الليل. إلى درجة أن رأسي بدأ يُؤلمني، وبدأت عيناي تنغلقان تلقائيا وبانتظام. لقد بدأ اليوم بالنسبة لنا قبل الشروق، ووصلت درجة من الإرهاق أصبحت معها أعطي أجوبة ضبابية إلى حد أنها صارت غير مفهومة.

لاحظ الشريف العياء الذي ألمّ بي. وقال:

-لقد أخذني الحوار الممتع معك، ونسيت معه أنك، بعد كل شيء، امرأة. نامي بسلام.

وبدون أن يرى في الأمر أي إساءة له أو تقليلا من الاحترام، حمل نفسه، وكانت تعابير وجهه ودودة بشكل غير متوقع وهو يلقي عليّ تحية الوداع، ويعد:

-غدا سوف نتحدث في أمور كثيرة. ويجب أن تبدئي عملك، لكن مولاي الصدّيق سوف يكون من يحكي سيرتي لك. إنه يعرف حياتي أفضل مني، والأمر نفسه بالنسبة لهذين الرجلين.

وأشار بأصبعه في اتجاه بدر الدين والقايد:

-الأول كان مستشاري السياسي لخمسة عشر عاما، والآخر لم يفارقني أبدا في أي حرب خضتها لخمس وعشرين سنة.

خلال الفترة التي قضيتها مع الريسوني، لم أكن أبدا لوحدي معه إلا نادرا جدا، وكنت أعتبر نفسي محظوظة إذا نمت لأربع ساعات بدون انقطاع ليلا.

كانت الحياة والحركة تبدآن في المكان مع السادسة صباحا، وكنت قد اعتدت على صوت الحاج مبارك، وهو رجل مراكشي سافر وجال كثيرا وكان يفهم لغتي العربية، يتمتم خارج الخيمة. كنت أعلم بمجرد سماع صوته أنه يحمل معه إبريق الماء الساخن، ويشرع في ضرب حِبال الخيمة، لكي يثير انتباهي. ثم يتعين علي بعدها أن أرفع عني البطانيات الحمراء والبيضاء المصنوعة من وبر الجمال، وأن أجهز نفسي ليوم شاق آخر.

طعام الفطور يتكون من حساء مصنوع من أطراف سميكة من الخضر، مع أجزاء من الدهون تطفو فوقها. إنها «الحريرة» التي تعطى للأطفال الصغار خلال صيام رمضان.

وبعد ذلك تأتي مرحلة فراغ مؤلمة، إذ إن الطعام المقبل يؤجل إلى الثالثة أو الرابعة مساء، حيث تُقدم وجبة من اللحم، يأتي بها العبيد محملة على أكتافهم.

أحيانا، عندما يعلن مولاي الصدّيق أنه مُتعب في بعض الأوقات المتقطعة، كان يُقدَّم لنا الشاي الأخضر مصحوبا ببعض الحلويات المعجنة والثقيلة.

كان الريسوني دائما يخرج مع السادسة صباحا، وبإمكان أصدقائه أو أفراد بيته أن يقتربوا منه في الحديقة، حيث كان يعقد اجتماعات غير رسمية. كان يجلس إلى أطراف جدار مهدم، أو فوق عتبة أحد الأبواب.

قبل الظهر ينسحب إلى الزاوية، حيث يُمنع تماما على الجميع الالتحاق به، إلا إذا أرسل هو خصيصا في طلب أحدهم، باستثناء ابنه الأكبر وعبيده العشرة الصغار. كانوا جميعا دون سن الحادية عشرة، وكانوا يدخلون إلى جناح الحريم. هؤلاء الأطفال كانوا مثل القردة.

لكن، أحيانا، عندما كانوا يحسون فعلا بأنهم على قدر كبير من الأهمية، كانوا يرتدون أحزمة فوق قمصانهم المبعثرة، ويدهنون رؤوسهم بالزيت إلى أن يصبح مظهرهم شبيها بلفائف خيوط الحرير.

إلى جانب هؤلاء، كان هناك أيضا خمسة عشر خادما، كان لون بشرتهم شديد السواد مثل الفحم، أصولهم من السودان والصومال، وكانوا ينفذون أوامر الرجل المُسن، بابا سليم.

لم يكن مسموحا لهم أبدا بدخول المنزل. لكن اثنين منهم فقط «مبارك» و«گابح»، الوحيدان اللذان يحضران أمام الشريف.

عندما كان يركب حصانه الأسمر خلال الجولات، كانا دائما يسيران بجانبه. أما خلال الحروب، فقد كان كل واحد منهما يركب حصانا ويلازمانه من الجهتين، ويحملان معهما بندقيتين. لم يسبق للريسوني أبدا أن حارب دون أن يكون معه ثلاثة منهم على الأقل. خلال إقامتي في «تازروت»، وُضعوا رهن إشارتي لخدمتي، وهو أكبر وأهم تشريف قد يمنحه الشريف لضيف عنده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى