الرصاصة الصامتة
جهاد بريكي
الرصاصة التي قد تصيبك لتنهي حياتك، دائما صامتة، لا صوت لها ولا شكل، ولا لون ولا تأثير. تغادر أنت جسدك قبل أن تحس فعلا بوجودها داخله، لا يشعر بها سوى من هم حولك.. أما أنت فآخر من يعلم باستقرارها داخل قفصك الصدري. هذا تماما ما يقع لأحدنا وهو يتدحرج ساقطا من على سلم مبادئه. لا ينتبه، بل وربما يدعي أنه كامل لا ينقصه سوى قليل من الوسامة. فنجد من يتكلم باسم الدين يقذف شرف امرأة لا تروق له بكل بساطة وسهولة، على الرغم من أن الدين الذي يتكلم باسمه يعتبر فعله جرما وذنبا كبيرا..، لكنه لا يشعر ولا يهتم ولا يجد في الأمر حرجا رغم أنه يعتبر نفسه من جنود الفضيلة الأوفياء.
وهناك من يتبجح بأنه حداثي ومتحرر من دعاة التجديد والتغيير وقبول الآخر كيفما كان واستخدام العقل بكل قدراته، لكنه أول من يقف في وجه حرية الآخر، سواء بالتعبير، أو الملبس أو التفكير، أو الإنجاز أو التغيير، تستفزه آراء غيره كأنها لهيب ساخن يصب داخل أوردته.. ودائما باسم الحداثة، التي يعتبرها مهد التغيير الذي ساق إلى العالم العلوم والأفكار الجديدة، فحولته من وسط غارق في الخرافة إلى مجتمعات حضارية علمية تؤمن بأن العقل الحر المتجدد الحداثي هو سر التقدم. لكن صديقنا، هيغل عصره، لا يشعر بأنه يناقض ما يؤمن به ولا يحس بأن الرصاصة استقرت داخله لتغتال آخر ما تبقى من مبادئه التي يمجدها.
ثم تصادف حقوقيا يعلو صوته دائما من أجل حماية الحقوق ومتابعة المجرمين ومعاقبة المسيئين، معتبرا نفسه وجها للعدالة التي يضحي بنفسه من أجلها، ولكنه أول من قد يلجأ للطرق الرخيصة ليغتصب حقا ليس له، أو ليدافع عن جرم كان هو أو أحد ذويه سببا فيه، باسم المصلحة الخاصة وأنصر نفسك وأخاك ظالما ومظلوما.. غير مكترث أبدا بتلك الرصاصة التي اخترقت مصباح إنسانيته، فأطفأته إلى الأبد.
وتجد من لا ينفك يصدع رؤوس من حوله باحترام الأنثى ومكانتها في المجتمع، وأنها الأم والأخت والحبيبة، يعيش داخل قصر من الشعارات، من قبيل المساواة والإنصاف، وحرية المرأة وامتلاكها لمصيرها، ليكون هو أول من يتحرش بفتاة تمر أمامه، غير قادر على كبح غريزته الملتاثة مثلما حصل داخل «هوليوود»، لنصدم بوجوه كنا نخال أنها تدافع عن المرأة وتحترمها، فكانت هي التي تغتال المرأة بصمت واحترافية. ودائما ما يكون هذا الشخص غير قادر على إدراك عمق الخراب الذي أحدثته رصاصة صامتة تسللت إلى وتينه واجتثت قيمه وقضيته التي يسخر نفسه لخدمتها.
الرصاصات الصامتة تتربص بنا جميعا، لتجعلنا نتصرف بغير ما ندافع عنه، ونستمر في ذلك غير مكترثين أننا نتسبب في إيذاء الكثيرين بهذا التناقض، متابعين المسيرة، وحاملين داخلنا رصاصات الموت التي كنا نحن سببها، لا نشعر أبدا بها، ببساطة لأننا نرفض وضع تصرفاتنا وتفاهاتنا وكلامنا تحت مجهر القضية السامية التي نصبو إليها.. فلا نضع الدين الذي نؤمن به ونتجند لخدمته رقيبا علينا ونحن نهتك أعراض الناس ونخون أماناتهم، ونستمر مدعين أننا بخير ووعينا في كامل لياقته، ولا نضع القيم الكونية والحريات الفردية التي نتشبث بأذيالها رادعا لنا ونحن نسيء لشخص عبر عن رأيه ونقمع آخر لأنه يختلف عنا.. ولا نضع كل الشعارات التي نتبادلها عن التسامح والمساواة والأخوة حكما علينا ونحن نرفض شخصا بسبب لونه أو عرقه أو دينه أو أصله.. وندعي دائما أننا رائعون وممتازون ونتمتع بصحة ضمير جيدة.
احذر رصاصاتك، ولو كنت مصابا دون أن تدري، فلا بأس أن تطلب رأي شخص آخر ممن حولك، يراها هو ويشعر بها أكثر منك.