شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

الرشوة الجنسية في القانون الجنائي المغربي وسؤال التكييف

فتيحة شتاتو : محامية بهيئة الرباط
لا نجد في القانون الجنائي المغربي الصادر سنة 1962، ورغم كافة التعديلات الطارئة والمتلاحقة التي مسته، أي ذكر لمصطلح الرشوة الجنسية، فهذا الفعل الذي أصبح يطرح في الواقع العملي وتتناقله وسائل الإعلام المختلفة، يبقى غير واضح المعالم داخل المنظومة الجنائية في بلادنا، مما يجعله خاضعا لمجموعة من النصوص الناظمة غير المحددة من الناحية القانونية بشكل دقيق، والشيء الذي يجعل من الرشوة الجنسية جريمة عصية على الضبط.

الرشوة الجنسية محاولة لتكييف الفعل
يلاحظ أن الفصل 248 يمكن أن يسعف في ضبط الفعل وترتيب الجزاءات التي تمكن إثارتها، فهذا الفصل يتحدث عن الرشوة بصفة عامة، كمن قبل أو طلب عرضا- أو وعد- أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى.
وتعتبر من جرائم الإخلال بالثقة العامة وهي نوعان:
• النوع الأول: لا يرتكبها إلا الموظفون العموميون ومن في حكمهم.
وتضم الرشوة واستغلال النفوذ، والاختلاس والغدر وتواطؤ الموظفين، والشطط في استعمال السلطة وغيرها.
النوع الثاني: يرتكبها الموظفون وغير الموظفين.
والمشرع المغربي يتبنى الاتجاه الذي يعتبر الرشوة تتكون في جريمتين مستقلتين هما الراشي والمرتشي.
• من جهة ثانية، من بين النصوص التي تتجاذب هذه الجريمة، نجد الفصل 538 من القانون الجنائي والمتعلق بجريمة الابتزاز، وينص على أنه: «من حصل على مبلغ من المال أو الأوراق المالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة مما أشير إليه في الفصل السابق…..»، وكان ذلك بواسطة التهديد.
في حالة قيام الجاني بتهديد الضحية بإفشاء أسرارها من أجل الحصول على مكاسب مالية أو معنوية بشكل قد يؤدي إلى انعدام إرادتها، يمكن أن يجعلنا أمام إحدى حالات الرشوة الجنسية.
من جهة ثالثة، يمكن الوقوف على مقتضيات الفصل 503-1 المتعلق بالتحرش الجنسي، «والذي يجرم ويعاقب التحرش الجنسي بالحبس من سنة إلى سنتين وغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم».
وينبغي في هذا الصدد التمييز بين التحرش الجنسي وبين الرشوة الجنسية، فالتحرش الجنسي شكل من أشكال الإيذاء، ويتمثل في مضايقات، سواء كانت في شكل أقوال أو أفعال أو حتى تلميحات ذات صبغة جنسية أو إباحية، سواء مورست داخل الفضاءات العمومية أو الخاصة.
وتعد الرشوة الجنسية استغلالا أو استعمالا لمعيار المقايضة، بين الحصول على فائدة أو خدمة خاصة، مقابل ممارسة جنسية كيفما كان الشكل الذي تمارس من خلاله، سواء من خلال الاتصال المباشر بين الطرفين أو بشكل سطحي، والفرق هنا بين الرشوة الجنسية والتحرش الجنسي متمثل في توفير معيار المقايضة، أي الخدمة المقابلة.

قراءة في بعض توجهات القضاء الفرنسي في الموضوع
بالعودة إلى الفصل 22 – 222 من القانون الجنائي الفرنسي، نجده يضع تعريفا شاملا لفعل الاعتداء الجنسي، فيعرفه بأنه اعتداء جنسي يرتكب، سواء باستخدام العنف أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة، ويجعل شرط الإساءة إلى السلطة التي ينتمي إليها الفاعل ظرفا مشددا، كما في الحالة التي يرتكب فيها الشخص في إطار مهني اعتداء جنسيا بناء على رشوة جنسية يقدمها.
1 – قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 21 أبريل 1983، توفير مكان سكن للقاصرين فيه انخراط في الفجور والممارسات الجنسية، يعد رشوة جنسية.
2 – قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 1 فبراير 1995: استدراج فتاة من خلال عمل مشروع، لكنه رغبة في إيقاظ الدافع الجنسي لديها يعد رشوة جنسية.
3 – قرار صادر بتاريخ 25 يناير 1983: إرسال نصوص ذات صبغة إباحية إلى قاصر، بهدف تحريضه على ممارسة نشاط جنسي يعد رشوة جنسية.
4 – قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19 يونيو 1996: عرض الأفلام الإباحية للقاصرين بهدف إظهار الرغبة الجنسية لديهم، يعد رشوة جنسية.

قراءة في بعض توجهات القضاء بالمغرب:
اختلفت التكييفات التي يضعها قضاة النيابة العامة بالنسبة لفعل الرشوة الجنسية، بين من يعتبرها تحرشا أو استغلال نفوذ، وبين من يحرك المتابعة على أساس هتك عرض وأحيانا فساد أو اغتصاب.
هذا يجد تبريره في كون جريمة الرشوة الجنسية مركبة، وهو ما يطرح مشاكل عملية تتعلق باختصاص المحاكم وحماية الضحايا.

مقترحات لمواجهة جريمة الرشوة الجنسية
ينبغي إذكاء ثقافة التبليغ عن جميع جرائم العنف ضد النساء عموما وجرائم الرشوة والابتزاز الجنسي على وجه الخصوص، فالتبليغ عن هذه الجريمة مسؤولية الجميع، لأنه كلما تم الإبقاء على حاجز الصمت إلا ووفر ذلك فضاء آمنا لمثل هذه الممارسات.
كما ينبغي نشر ثقافة الشفافية داخل المرافق العامة ومحاربة الفساد بجميع أشكاله، وتفعيل قانون الحق في الحصول على المعلومة، وتسهيل الحق في الولوج إلى العدالة لجميع الفئات، وبالأخص الهشة منها، مع تفعيل دور خلايا التكفل بالنساء المعنفات، وتخليق المرفق العمومي، وتضافر جهود جميع المتدخلين لمحاربة هذه الآفة، وتعميم التجارب الفضلى، في انتظار تدخل تشريعي واضح ودقيق يكفل تجريم هذه الآفة الخطيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى