الرجل الذي طار مع البالونة
هل يوجد خيط سميك يمكن أن يجعل الرجل العربي- البالونة لصيقا بالأرض؟ وهل توجد بالونة حقا لحجمه، وهو الذي يصر على أن تكون رؤيته دائما من الأعلى؛ أي من سمائه التي شكّل لونها ولون سحبها وذرات أوكسجينها حتى من دون تصريح بالممتلكات، كما ينص عليه الدستور الجديد، الذي يبدو أن تطبيقه على الأرض صار عصيا في ظل موجات القهقهات التي يطلقها، كما لو أنه شخصية كارتونية شريرة «شرشبيلية» «حيزبونية»؟
إن الرجل- البالونة ليس منتفخا كما يمكن أن يفهم من حجمه، وليس خفيفا حتى وإن كان وزنه من ريشة النعام، يصر دائما على أن يضع رأسه الشامخ في أرنبة الأنف التي تستنشق كل شيء إلا حياة البسطاء على هذه الأرض؛ ولأن البالونة شفافة بما يكفي جعلته عاريا أمام شمس الحقيقة، وهو يردد فتوحاته التي لم يسبقه إليها أي أحد، يردد وكأننا لا نستطيع أن نسمع جيدا ما يمور في ضوء مصباحه الخافت بفعل انبطاحه، وتنكره لكل شهداء الوطن. ولهذا فإن الذين يتصببون عرقا في الأقبية التي لم يسمع عنها، وعن ضوئها الحقيقي، عن العمال البسطاء الذين ينتحرون من شدة حر الأثمنة الهيلتونية في الزيت وقصب السكر، الذي يبدو أنه ستصبح حلاوته مقتصرة على هؤلاء الذين لا يخجلون من أنفسهم، ولا يخجلون من تاريخ ربطاتهم المزيفة التي تخنق صوت الحلم في وطن يتقاسمه الجميع على أساس المواطنة باعتبارها أساس المساواة في الحقوق، وفي الواجبات.
ولأن الرجل- البالونة صار حديث الصورة هذه الأيام، أقترح أن يفكر في كتابة سيرته من الآن، كزعيم للوهم وللعطالة، وللغلاء وللاستبداد، وللبحث عن سيارة فاخرة، يتقن فن التسويق بركوبه أمام سائقه الأنيق في الطرقات، وفي سفرياته عبر الجو، ولكي لا يغضب مني كثيرا، أقترح أن يفكر في تحويل نكته الساذجة التي لا تصلح إلا لفيلم مغربي رديء الإخراج، وسيحطم الأرقام القياسية في نسب المشاهدة. ولكي لا يغضب مني الرجال الذين أحبهم في ارتباطهم بالأرض، والذين يمرحون في الحياة من دون عقد، ويكتبون تاريخ الوطن بوصفه تاريخا يتذكرهم على الرغم من موتهم الطبيعي؛ لكن رأس مالهم الرمزي يظل موشوما في الجبال.
إن الرجل- البالونة انفجر من الضحك تحت شجرة العدسات اللاصقة، وصار مرئيا ومكشوفا أمام الجميع، ويمكن أن يتحدث عن كل شيء ولا يقول شيئا، لهذا وأنا أتعلم الكتابة تحت هاجس الخوف مما قد يصيب شرايين هذه الأرض، أهمس في أذنيه، وأقول: لا تتردد كثيرا في الصعود إلى الشجرة، فقد يأتي يوم ويقولون لك من قال لك أن تأكل من «الكرموسة» التي يبدو أنها في طريقها إلى شرائح أخرى غير شرائح المجتمع؟